ترجمة وتحرير نون بوست
قبل بضعة أيام من يوم الانتخابات التركية المقبلة في 1 نوفمبر، أصبحت الصورة التي نراها الآن تفصح عن وجود اختلافين أساسيين عن انتخابات 7 يونيو، فأولاً، أضحى من الحقيقي والواضح اليوم بأن ما يسمى بالجبهة المعادية لحزب العدالة التنمية، لم تعد كتلة واحدة يمكن أن تعمل في انسجام لفترة أطول؛ فبغض النظر عن مقدار النقد الذي يوجهه حزب الحركة القومية (MHP) لحزب العدالة والتنمية (AK)، اتخذ حزب الحركة القومية أيضاً موقفاً سياسياً صارماً ضد حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) وحزب الشعب الجمهوري (CHP)، ونتيجة لذلك، يبدو من المستحيل أن يفقد حزب العدالة والتنمية سلطته الحاكمة.
لذا، وعقب انتخابات 7 يونيو، ولدت حالة نفسية بين معارضي حزب العدالة والتنمية، وبالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المسوحات والأعمال الميدانية تبين اليوم بأن حصة حزب العدالة والتنمية من الأصوات قد ازدادت بضع نقاط، وفي ذات الوقت الذي شهد فيه معارضو حزب العدالة والتنمية خيبة الأمل هذه، تلقفتهم ضربة أخرى نتيجة لقرار حزب العمال الكردستاني (PKK) بتجديد الحرب، ولكن وعلى عكس توقعات حزب العمال، لم تقم الدولة التركية بارتكاب المجازر، رغم قتل أكثر من 200 شخصاً، بينهم عشرات الأطفال، بسبب هذا الحزب؛ لذا، أضحت مهمة تشويه سمعة حزب العدالة والتنمية صعبة للغاية، سيّما بعد أن عانت الأوساط العلمانية واليسارية من فقدان الشرعية، بعد أن قاموا بربط هويتهم السياسة مع حزب العمال الكردستاني إلى درجة مفرطة.
هذه الصورة تعني أيضاً بأن الاكتئاب واليأس قد تسلسل إلى نفوس الجبهة المضادة لحزب العدالة والتنمية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الثانية بسرعة كبيرة، فهذه الجبهة تواجه منافساً لا يمكن هزيمته بأي شكل من الأشكال، بل إنه يخرج أكثر قوة كلما ساد الاعتقاد بأنه خسر المعركة، هذه الدائرة المعادية لحزب العدالة لا تتمتع بالنزاهة، كما أن حسها السياسي والشرعي يتناقص تدريجياً، وليس من الصعب التكهن بأن هذا يمكن أن يؤدي إلى الجمود النفسي والانكفاء نحو التشدد؛ فنظرة سريعة إلى شاشات وسائل الاعلام الاجتماعية تظهر سوء النتائج التي نجمت عن خيبة الأمل التي تشعر بها الدوائر العلمانية واليسارية.
السياسة في تركيا هي عملية ترسيخ مجموعات الهوية الذاتية، والتحالفات المتبادلة تجري بين الأحزاب والداوئر لهذا الغرض، وبعبارة أخرى، فإن الآخر ليس هو المخاطب بالجهود الرامية لخلق هذا التحالفات لدى جزء كبير من الدوائر العلمانية واليسارية، فالسياسة لا يهمها إقناع أو إثارة إعجاب الآخر، بل على العكس، تعمل السياسة على تعزيز الروابط ضمن الدائرة الواحدة، وهذا بحد ذاته شكل غريب من السياسة المنغلقة على نفسها والمكتفية ذاتياً.
الوضع المذكور أعلاه هو العامل الثاني الذي يجعل الانتخابات المقبلة مختلفة عن انتخابات 7 يونيو، فحينذاك، كانت الأحزاب المعارضة لحزب العدالة والتنمية ترتبط واقعياً مع بعضها البعض من خلال تقارب عواطف الناخبين وتماثل لغة السياسيين، وكان الهدف من ذلك تمكين حزب الشعوب الديمقراطي لتجاوز عتبة الانتخابات الوطنية، أي نسبة الـ10%، وإنهاء فترة الحكم المنفرد لحزب العدالة والتنمية، ولكن من المفترض ألا تعمل الانتخابات المقبلة على خسارة حزب العدالة والتنمية لسلطته الحاكمة، لا بل قد تعمل هذه الانتخابات على إعادة الحزب إلى مركز القيادة المنفردة في حال فشل حزب الشعوب الديمقراطي بتجاوز العتبة الانتخابية.
بالمختصر، لم يعد هناك تآزر بين جماعات المعارضة، حيث أصبح كل حزب يتجه اليوم لمخاطبة قاعدته الخاصة، وفي هذا السياق، فإن خطاب رئيس حزب الشعب الجمهوري كمال قليتشدار أوغلو الذي يركز على الشباب والمستقبل يبدو فعالاً وحقيقياً، ومن المرجح أن يوجه ضربة موجعة للأحزاب المعارضة الأخرى.
نتيجة لجميع هذه العوامل، أصبحت وسائل الإعلام تضطلع بالعبء النفسي الأكبر الذي نجم عن الانتخابات؛ ففي الفترة التي سبقت الانتخابات، والتي لن تأتي نتائجها على الغالب بما تشتهيه جبهة معارضة حزب العدالة والتنمية، تمثل المكان الوحيد الذي وجدت فيه هذه الجبهة الراحة والسلوان بوسائل الإعلام، حيث طفقت محطات التلفزيون والصحف تواسي جمهورها من خلال التلميح لبغض السلطة الحاكمة ومدى أهلية الناخبين، وأضحت تعد الجماهير ليوم الانتخابات بطرق التملق والمداهنة الشرقية.
بالطبع يمكن القول بأن وسائل الإعلام المؤيدة لحزب العدالة والتنمية تتبع نهجاً مماثلاً، حيث يمكن التأكيد على وجود عادة متأصلة ضمن هذا الإعلام تتمثل بطرح أفكار سطحية وجزئية تصوِّر العالم من خلال عدسة وردية، ولكن وسائل الإعلام الموالية لحزب العدالة والتنمية لا تتمتع بنسب مبيعات عالية، كما أنها لا تضطلع بوظيفة الدعم النفسي للقراء، وذلك على عكس وسائل إعلام الجبهة المعارضة لحزب العدالة والتنمية، التي تتمتع بنسبة مبيعات مرتفعة وتلبي حاجة قرّائها النفسية لسماع الإهانات الموجهة للحزب الحاكم؛ أولئك الذين أصييوا بداء معاداة حزب العدالة والتنمية نتيجة لعدم تمكنهم من ممارسة السياسة، ينتظرون الآن مستقبلاً لا مفر منه، والأفظع يتمثل بأنهم يعتقدون بأن إطالة أمد هذا المرض يعد ممارسة للسياسة.
المصدر: ديلي صباح