سلط الهبوط المفاجئ في سعر صرف العملة اليمنية مقابل العملات الأجنبية بنسبة 15% الضوء على جوانب العبث باقتصاد اليمن من جانب الحوثيين، والذي يقود البلاد إلى إفلاس مؤكد.
وسجل الريال اليمني أدنى مستوى له أمام الدولار الأمريكي في سوق الصرف المحلية، منذ مارس/أذار الماضي، حيث هوى إلى 270 ريالا للدولار الواحد، مقابل 242 في سبتبمبر/ أيلول، وسط امتناع البنوك المحلية عن صرف العملات الأجنبية، سيما الدولار واليورو.
ويرجع الخبراء الاقتصاد انهيار العملة المحلية، إلى القرار الذي اتخذه الحوثيون ب “تعويم” أسعار المشتقات النفطية، حيث زاد من وتيرة استنزاف النقد الأجنبي في البنك المركزي وسحبه لصالح القطاع التجاري، في حين فتح الباب علي مصراعيه للعبث باقتصاد البلد واستقراره التمويني.
حيث أن قرار كهذا تقدم عليه دولة متماسكة لديها احتياطي نقد أجنبي مريح، وليس في حالة إفلاس تام وصراع مسلح كاليمن الذي يقبع نصف سكانه تحت خط الفقر من بينهم أكثر من عشرة ملايين شخص مهددون بانعدام الأمن الغذائي.
ولعل محافظ البنك المركزي، صدم بـ “تشعوبة” تعويم المشتقات، حيث رفض التعامل معها، نتاج إدراك “بن همام” ما الذي تتسبب به من كوارث إقتصادية على اليمن، ليعين الحوثيون قائماً بالأعمال ينوب عنه.
في هذه الأتناء، برزت النتائج الكارثية في الانهيار المقلق للعملة المحلية وسط تفاقم الوضع الانساني والمعيشي، نتاج ما ترتب على السماح للقطاع التجاري باستيراد الوقود وقيام التجار بسحب الكمية المتوفرة من الدولار في السوق المحلية وبالتالي زاد الطلب على الدولار وارتفع سعره.
ومنعت السلطات المالية التي تخضع لسيطرة جماعة الحوثيين دفع الحولات من الخارج بالنقد الأجنبي والاكتفاء بدفعها بالريال اليمني وبالسعر الرسمي.
وقال صرافون ومديرو شركات ل “مسند للأباء” أن التدهور المستمر للعملة يرجع إلى توقف البنك المركزي عن تغطية حاجة السوق بالنقد الأجنبي منذ ثلاثة أشهر، مقابل استمرار تغطية اعتمادات التجار المستوردين، وبالنتيجة زاد الطلب على الدولار وبالتالي ارتفع سعره.
إنهيار العملة بداية لانهيار شامل
وأمام التدهور المثير للقلق لسعر الريال، بدت جماعة الحوثيين عاجزة عن فعل شيئ يوقف التداعيات، عدا فرض اجراءات عقابية، على شركات الصرافة التي لا تلتزم ببيع العملات الأجنبية بالتسعيرة التي تحددها هي.
على أن الخطوات التعسفية لن توفف إنهيار العملة المحلية والقطاع الاقتصادي بصورة عامة، على المدى المنظور، لعدم وجود سياسات مالية سليمة، وحال استمرت سيطرة العقلية الميليشاوية على الإقتصاد اليمني بشكل عام.
ويعيش اليمن في أزمة اقتصادية معقدة، منذ سيطرة مسلحي جماعة الحوثيين على السلطة، في سبتمبر 2014، حيث أدت إلى تفاقم أعباء الاقتصاد اليمني الهش، نتيجة الركود وتوقف النشاط الاستثماري، ووقف تدفق المساعدات الخارجية، ومغادرة عديد من الشركات الأجنبية للبلاد.
وتقول التقارير الدولية إن اقتصاد اليمن وصل إلى مرحلة العجز فيما يتعلق بالقدرة على دفع الأجور الشهرية للموظفين الحكوميين، ويبدو أن الضائقة المالية مرشحة للصعود مع توقف المساعدات الخارجية للحكومة بتأثير استيلاء الحوثيين على المدن وسيطرتهم على كامل مفاصل الدولة.
وثمة احتمالية كبيرة لانهيار الريال اليمني، وربما تعجز وزارة المالية التي يسيطر عليها الحوثيون دون دفع الرواتب للموظفين بحلول نهاية العام، بالرغم من إقدامها على ادخال تدابير تقشفية تتدرج من قيود على المكافآت الى أخرى تحجم سقف الراتب الأساسي للموظفين.
وتشير الأرقام إلى أن اليمن تحتاج شهريا إلى 84 مليارلات ريال(400 مليون دولار تقريبا) لسداد مدفوعات الرواتب لنحو 1.2 مليون موظف حكومي، وأفراد الجيش.
وبالرغم من انه من الصعب الوقوف على الأرقام المتعلقة بعملية السحوبات النقدية العشوائية من الاحتياطي النقدي للبنك المركزي، ثمة مؤشرات على أن البلاد تسير على طريق الإفلاس.
هل يجهز العجز المالي على طموحات الحوثيين؟
المؤكد أن الصراع الذي أججه الحوثيون، عمق مأزق الاقتصاد اليمني، حيث توقفت الدول المانحة بما فيها المملكة العربية السعودية، عن تقديم “المنح المالية الرسمية لليمن”، في الوقت الذي يعتمد عليها -بعد النفط- في الظروف الطبيعة.
في المقابل يشكل الاقتصاد تهديدا للحوثيين بدرجة أكبر من العملية العسكرية في الوقت الراهن، وله تأثيرات دراماتيكية على وضعهم السياسي والعسكري الميداني، كون التدهور المالي يعد وصفة لاستيلاء ميليشيا الحركة الحوثية على الدولة قبل نحو عام.
من جهة سوف يزيد الانهيار المالي منسوب السخط الشعبي من الحوثيين، ويقوض قدرتهم على مواصلة الاحتفاظ بقبول محدود في المناطق التي مازالت تحت سيطرتهم وتشكل حواضن اجتماعية وسياسية، بما فيها العاصمة صنعاء، ما يسرع وتيرة العملية العسكرية المضادة التي تحدث على ما يبدو الآن.
ويتوقع أنه إذا ساءت الأوضاع الاقتصادية أكثر سيكون من الصعب التوصل إلى حلول سياسية حول مستقبل اليمن، مع وجود مؤشرات بانتفاضة ضد الحوثيين تنطلق من وسط العوام.
واشتد الخناق الاقتصادي على الحوثيين مع مغادرة الشركات الأجنبية المشغلة لقطاع الطاقة،لليمن، وتعليق أخرى لأعمالها التشغيلية، تحت تأثير الوضع الناشئ عن انقلاب المتمردين على الحكومة الشرعية، وزج البلاد في حرب أهلية استدعت تدخلا عسكريا عربيا قادته السعودية.
وبلغ عديد الشركات الأجنبية التي فرت من اليمن، إثر سيطرة المسلحين الحوثيين على السلطة 180شركة، منها 34 شركة تعمل في قطاع النفط والذهب، وقد انطمت إليها شركات أخرى غادرت أو علقت نشاطاتها في الفترة الماضية.
بيد أنه بلغ مديات عليا مع سريان الحصار البري والبحري والجوي المفروض على اليمن من جانب قوات التحالف العربي، بحيث حرمت “حصالة” الحركة الحوثية، عوائد بيع النفط اليمني في الأسواق العالمية، لعدم مشروعية السيطرة على منابع النفط والواقع الذي فرضته بقوة السلاح.