تتكون التركيبة السكانية الإيرانية من خليط غير متجانس من العرقيات والقوميات والديانات المتعددة فمنهم البلوش والعرب والأكراد والفرس والأذر والمجوس والجيلاك ومازندرانيون واللور بالإضافة الى التركمان والأرمن بنسب قليلة، وتحكم جميع هؤلاء قبضة فارسية حديدية متمثلة بنظام الملالي الفارسي.
وقد أحدثت الثورة الإيرانية بعد نجاحها انقلابًا كبيرًا وجوهريًا في هوية المجتمع الإيراني التي تم على إثرها فرض المذهب الشيعي الإثني عشري مذهبًا رسميًا للدولة ونظام ولاية الفقيه نظامًا سياسيًا يحكم أركان الدولة الوليدة .
تبقى نسب هذه المكونات غير معروفة على وجه الدقة، فلم تقم الحكومة الإيرانية بإجراء إحصاء دقيق لساكنها إطلاقًا، وعلى الرغم من ذلك توجد إحصاءات مختلفة تقوم بها جهات عدة، فتقدر مصادر أمريكية أن الفُرس يشكلون 51%، الأذريين (أتراك) 24%، الجيلاك ومازندرانيون 8%، الأكراد 7%، العرب 3%، لور 2%، بلوش 2%، تركمان 2%، وأعراق أخرى 1%، بينما تشير تقديرات أخرى إلى أن الفرس 49%، الأذريين 18%، الأكراد 10%، الجيلاك 6%، المازندرانيون 4%، العرب 2.4%، اللور 4%، بختياري 1.9%، التركمان 1.6%، الأرمن 0.7%، لكن الباحث يوسف عزيزي يؤكد أن العرب يشكلون أكثر من 7.7% من سكان إيران، منهم 3.5 مليون في محافظة خوزستان وغالبيتهم من الشيعة، و1.5 مليون عرب في سواحل الخليج العربي وهم من السنة، ونصف مليون متفرقون في أماكن مختلفة من إيران. ويُعتقد أن نسبة أكراد إيران تقارب 10% من عدد السكان.
تعاني الأقليات العرقية في البلاد من الاضطهاد والتهميش الممنهج؛ ففي الشرق والجنوب الشرقي يعاني أهالي محافظة سيستان وبلوشستان من تهميش كبير في الجانب المعيشي والتنموي والتعليمي والسياسي، كما أن حصة هذه المحافظات من الميزانية العامة للدولة تُعد الأقل بين جميع المحافظات الإيرانية على الرغم من أن المحافظة تعد ثالث أكبر محافظة في البلاد، قاد هذا الأمر السكان إلى التعبير عن امتعاضهم تجاه هذا التهميش وقادهم إلى تنظيم العديد من المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية؛ مما أدى إلى مواجهات ومصادمات مع الأجهزة الأمنية الأمر الذي نجم عنه اعتقال وإعدام العشرات.
أما فيما يتعلق بالأقلية العربية في محافظة عربستان (خوزستان حاليًا) في الجنوب والجنوب الغربي لإيران وعاصمتها حاليًا الأحواز فالأمر أكثر سوءًا من غيره، هذه المحافظة تعد أكثر المحافظات ثراءً في الجغرافيا الإيرانية حيث حقول النفط والغاز، إلا أن ذلك لم يغير من إستراتيجة إيران في التعامل معهم؛ فبالإضافة إلى منع سكان هذه المناطق من التحدث باللغة فإنها تعاني من تجاهل كامل للبنية التحتية والخدمية ويعاني شباب المحافظة من البطالة وانتشار المخدرات بينهم جراء هذا التهميش، إلى جانب ذلك يعترض أهالي المحافظة على قيام السلطات بتغيير ممنهج للتركيبة الديموغرافية للمحافظة من خلال اعتماد سياسة التهجير للأهالي مقابل توطين عائلات تم نقلهم من محافظات وسط إيران من العرق الفارسي في الغالب.
بالإضافة الى الأقليات العرقية والقومية فهناك الأقليات المذهبية والدينية التي تركز إيران على تشديد القبضة عليها من منطلق قومي فارسي وتحت غطاء ديني شيعي، وأهم أقلية في إيران هي تلك التي تشكلت وفقًا للمذهب، ويمكن تقسيم الأقليات فيها إلى أقليات مسلمة وأخرى غير مسلمة، وتتكون الأقلية المسلمة من الجماعة السنية والجماعة الإسماعيلية والجماعات الصوفية، أما الأقليات غير المسلمة فتضم المسيحية، الزرداشتية، اليهودية، البهائية، وطوائف أخرى.
وتعد الطائفة السنية من أكبر الأقليات في إيران حيث إنها تُشكّل 10% من مكونات الشعب الإيراني، ومما يجعل الأقلية السنية أكثر تفاوتًا من غيرها التنوع القومي التي تتميز به حيث إنها تتكون من قوميات أخرى هي البلوشية والتركمانية، وهما من الأقليات الكبيرة نسبيًا، وتعاني هذه المناطق من الإهمال المتعمد حيث تعتبر من أفقر المناطق الإيرانية وأشدها تخلفًا، كما أن نسبة البطالة في هذه المناطق مقارنة أيضًا بالمناطق الأخرى تعتبر الأعلى نسبة، ومعدل التنمية الاقتصادية هو الأدنى بالنسبة لبقية المناطق الإيرانية، يضاف إلى ذلك أن سياسة الدولة الإيرانية في تلك المناطق هي الأكثر تشددًا؛ مما يدفع تلك الأقليات إلى تشكيل مقاومات تدافع من خلالها عن هويتها وقد زادت هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة حتى وصلت لمواجهات أمنية مع تلك الأقليات في مناطقهم .
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأقليات تضرب طوقًا حول المركز، وهي بذلك تشترك مع حدود دول أجنبية قريبة من إيران مثل أفغانستان وباكستان وتركمانستان والعراق وتركيا، فضلاً على أن كل أقلية من هذه الأقليات قد اقتطعت من دولتها أو قوميتها الأم مثالًا على ذلك قومية البلوش التي كانت تقطن في دولة بلوشستان قبل أن تقسم أراضيها بين باكستان وإيران وأفغانستان، وكذلك عرب الأحواز والأكراد الذين يسعون إلى قيام دولة كوردستان مع أكراد تركيا وأكراد العراق.
استطاع النظام الإيراني أن يسيطر على هذه الفسيفساء عن طريق استخدام عدة أدوات يمكن تقسيمها إلى قوة ناعمة وقوة خشنة؛ تتمثل القوة الناعمة بفرض المذهب الإثني عشري المنضوي تحت مبدأ ولاية الفقيه بالإضافة إلى التلاعب بالتقسيمات الديمغرافية للبلاد واتباع سياسة إفقار الشعوب غير الفارسية ومنع العرب من التحدث بلغتهم ومنعهم من ارتداء الزي العربي، وصولًا إلى منع السنة من بناء مساجد خاصة بهم في طهران حتى لو كانت هذه المساجد تستخدم من قِبل البعثات الدبلوماسية (المصونة وفقًا للقانون والعرف الدوليين)، فقد قامت السلطات الإيرانية مؤخرًا بهدم مسجدًأ تابع للسفارة السعودية في طهران.
أما فيما يتعلق بالقوة الخشنة فالنظام الإيراني يستخدم وسائل متعددة في منع أي ظاهرة من ظواهر المعارضة، بدءًا بقمع المظاهرات بالقوة وليس انتهاءً بتنفيذ أحكام الإعدام بحق معارضيه، فقد أكدت زعيمة منظمة “مجاهدي خلق الإيرانية” مريم رجوي في مؤتمر في باريس أن وتيرة الإعدامات قد ازدادت في زمن حسن روحاني، وتشير بعض الإحصاءات إلى تنفيذ أكثر من 2000 حكم إعدام منذ مجئ حسن روحاني إلى سدة الحكم.
خلاصة القول
يعتمد النظام الإيراني في بقائه على تهميش الآخر، وهو يعلم يقينًا بأن تحرك هذه القوميات سيؤثر سلبًا على كينونته وبقائه لذلك يسعى جاهدًا إلى القضاء على ما يهدده قبل أن يكون؛ فعلى الدول الإقليمية والكبرى ومنظمات حقوق الإنسان أن يسعوا للضغط على النظام الإيراني وتقديم الدعم للإقليات من الشعوب الإيرانية .