بالرغم من مزاعم الانفتاح على الحل السلمي للصراع في اليمن، وإعلان القبول بتنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2216، عادت الحركة الحوثية لوضع الكمائن في طريق الفرقاء اليمنيبن، إلى طاولة حوار جديدة، يرجح أن تلتئم الشهر المقبل في جنيف.
في هذه الأثناء برزت عديد من المؤشرات تدلّ على أن الطرف المتمثل بجماعة الحوثيين وحزب المؤتمر الشعبي بزعامة صالح، ماض نحو التصعيد العسكري، في وقت كرر شروطه التعجيزية للتفاوض.
وبعدما كان إعلان الأمم المتحدة عن استئناف محادثات السلام، وقبول الأطراف اليمنية بها، قد ترك تفاؤلاً حذراً في الشارع ، ظهرت مؤشرات تدلّ على أن خصوم السلطة الشرعية، ماضون نحو التصعيد العسكري وأنه ليس لديهم جدية في إنفاذ الحل.
ويؤكد التصعيد العسكري الأخير، في مدينة تعز، وفي شبوة جنوب شرق اليمن، أن جماعة الحوثيين، تعدّ لحملات جديدة على أكثر من جبهة، كذلك هناك تعزيزات جديدة ترسل إلى مأرب، إضافةً إلى محاولات لإعادة فتح جبهات باتجاه الجنوب.
من جهة، كشفت تصريحات حديثة للمتحدث باسم الحوثيين محمد عبدالسلام، تغيرا جهوريا في موقف المتمردين الذي بدا ليّناً قبل أيام، ربما يهدد الوضع برمته ويسبب تعقيد الأمور أكثر، حيث زعم أن ”السعودية تعوق خطوة التوجه إلى المفاوضات وتطالب بتأجيلها تحت شروط وصفت بالتعجيزية“.
وكان المثير، في حديث عبدالسلام، لإحدى الفضائيات التابعة لإيران، أنه دلل على مزاعمه ب”اشتراط الحكومة اليمنية على جماعته تنفيذ القرار 2216 قبل الدخول في أي مفاوضات“، وصولا إلى اعتبار ذلك ” تأكيد على أن الرياض تبيت لافشال جنيف 2“.
بيد أن ما استند عليه متحدث الحوثيين، في سياق ما بدت مرافعة إيرانية ضد المملكة العربية السعودية، يشكل جوهر قرار مجلس الأمن، ويتسق معه إلى حد كبير، إذ أنه حصر عملية التفاوض مع المتمردين الحوثيين، في ”الاستسلام وقطع العلاقة المشوبة بايران“.
ولعل القرار 2216 كان واضحا بهذا الشأن، بحيث ألزم الحوثيين- أولا- بالانسحاب من المدن وإلقاء السلاح، في حين فتح المجال لدخول الأطراف اليمنية في حوار سياسي، تحت سقف قرارات الشرعية الدولية والمبادرة الخليجية ومخرجات مؤتمر الحوار اليمني.
”لغم“ قد يفجر المفاوضات
وفي الرسالة التي وجهها الحوثيون الى الأمين العام للأزمم المتحدة، ومثلهم فعل حزب المؤتمر الشعبي العام، التزم هؤلاء بتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 والذي ينص على انسحابهم من المدن التي سيطروا عليها بما فيها العاصمة صنعاء، وعودة السلطة الشرعية الى البلاد، وتسليم الأسلحة، لكن الرسالة تمسكت بالنقاط السبع التي طرحوها خلال المفاوشات مع المبعوث الدولي الى اليمن اسماعيل ولد الشيخ احمد.
هذه النقاط تنص على عودة مؤقتة للحكومة لفترة لا تزيد عن شهرين، وهي فترة زمنية لا تعني سوى التزام شكلي بعودة الحكومة، والتحضير لإعلان حكومة وحدة وطنية جديدة يكون الحوثي وصالح طرفا فيها، كما تنص على استئناف الحوار السياسي لكنها لا تشير من قريب أو بعيد إلى مصير الرئيس هادي، وهو أمر يبين بوضوح أن الاتجاه العام لهذا الطرف يسير نحو فكرة تشكيل مجلس رئاسي، كانت طرحت بقوة عقب اجتياح صنعاء، وقبل خروج هادي منها الى عدن.
ويوضح تجاهل وضع هادي بجانب تأكيد المتحدث الرسمي للحوثيين أنه لو طرحت عودة الرئيس لتم رفضها، الفجوة بين مواقف طرفي النزاع، وربما تكون اللغم الذي سيفجر المحادثات المرتقبة، ويقضي على آمال ملايين اليمنيين بانزياح الكابوس وعودة نوع من الاستقرار الى البلد المضطرب على كل الأصعدة.
ولأن الخلاف عميق والرؤى متباعدة عمدت الحكومة اليمنية في كل مرة الى التشديد بشأن أي مفاوضات مع الحوثيين وأتباع الرئيس السابق ستكون لوضع آلية لتنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي فقط، وهو أمر أكدت عليه رسالة هادي للأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، ردّاً على رسالته التي طلب منه فيها المشاركة في المشاورات.
وجاء محتوى الرسالة التي لم ينشر نصها، محبطا للحوثيين وصالح، فبعد رفض ما ورد في رسالتي الحركة الحوثية وحزب صالح، اشترطت أن تستند المحادثات إلى القرار 2216 والمبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني، بحسب المندوب اليمن لدى الأمم المتحدة.
وشددت رسالة الحكومة اليمنية، على أن تنفيذ قرار مجلس الأمن سيكون شرطاً ومرتكزاً لاستئناف المفاوضات، وكشفت أيضاً عن توجه هادي نحو تشكيل اللجنة المتخصصة،وفقا لرغبة المبعوث الخاص، لتطوير وإعداد برنامج عمل للقاءات.
هل يختبئ”ولد الشيخ“ خلف رؤية الحوثيين؟
وفيما يبدو أن تنصل ”ولد الشيخ“ من وثيقة النقاط السبع التي كانت تمثل أساساً لقبول ”الحوثيين“ و ”المؤتمر“ بتنفيذ القرار الدولي، علاوةً على كونه نفى علاقته بها، فاقم مأزق الجانبين، إذ كانا يراهنان عليها للالتفاف على القرار 2216، بحيث يجري التنفيذ على ضوءها.
ويزعم الحوثيون أن الورقة حظيت بتبنٍّ معلن من قبل ولد الشيخ وجاءت وفقاً لمقترح قدمه بنفسه واعتُمدت بعد مشاورات لفترة طويلة برعاية أطراف دولية وإقليمية مطلعة على المراحل التي انتجتها في العاصمة العمانية مسقط.
في المقابل لم يستطع المبعوث الدولي إلى اليمن اسماعيل ولد الشيخ أن يواصل اختباءه خلف رؤية الحوثيين، فلم تمر أيام منذ أعلن قبول الحركة والحوثية وحزب صالح بتنفيذ القرار الأممي، حتى ظهر يتلاعب بالالفاظ، بحيث يتيح لهذا الطرف الجلوس على طاولة تفاوض متخففا من أية التزامات تسبق الدخول في حوار مباشر مع حكومة هادي.
ففي الوقت الذي يلزم أحد بنود قرار مجلس الأمن رقم 2216، الحوثيين، بالانسحاب من المدن التي سيطروا عليها وتسليم الاسلحة، قال ولد الشيخ أحمد في الاحاطة المقدمة للمجلس، أنه لمس التزاما من جانب الجماعة الحوثية وحزب المؤتمر الشعبي، لجهة تنفيذ القرار ”بما يتضمنه من تفاوض على الإنسحاب من المدن وتسليم السلاح“.
وباستقراء التفسير الذي قدمه ”ولد الشيخ“، لبند الانسحاب من المدن وتسليم الأسلحة، فأن المفاوضات المرتقبة بين فرقاء المشهد في اليمن، وبخاصة المتعلقة بهذه الجزئية، ستبدأ من نقطة صفرية، فيما يفترض أن ترتكز على وضع آلية زمنية للتنفيذ على ضوء ديباجة القرار كنص ملزم.
ووسط التباعد الملحوظ في الرؤى، يظل التعويل على اختراق كبير في جدار الأزمة، بالاستناد الى الضغوط الدولية الكبيرة، والتراجع العسكري الملحوظ لقوات صالح والحوثيين في الميدان، أمام التقدم المطرد للقوات الموالية للحكومة الشرعية، بدعم مباشر من قوات التحالف العربي بقيادة الرياض.