ماما أفريكا
إلى ماما أفريكا سنمضي، حيث البساطة والطبيعة المجردة، حيث لهيب الشمس الحمراء يطبع قبلته على الوجوه السمراء، وحيث قطعان الفيلة والزرافات والحمير الوحشية ترتع بين سيقان السافانا المنتصبة بجانب النمور والفهود، في قارة اشتهرت بتناقضاتها الصارخة، فكما تجد الصحارى القاحلة منبسطة بجانب أنهارها وجبالها العظيمة، تجد الجوع والفقر يكتنف سوادها رغم ثرواتها الضخمة.
وبدورها، لا تنأى كرة القدم الأفريقية عن هذه التناقضات، فتجد الخامات والمواهب الثمينة حاضرة بقوة، دون أن ينعكس ذلك إيجابًا على الواقع الكروي في جل بلدانها، ولذلك لا تجد لمسابقتها القارية الأهم على صعيد الأندية (دوري أبطال أفريقيا) ذلك الصدى العالمي الواسع الذي تحظى به نظيرتها في القارة الأوروبية، ولو أن شعبية هذه المسابقة مقبولة نسبيًا في بلدان منطقتنا العربية، وخاصة القسم الأفريقي منها، نظرًا للسيطرة شبه المطلقة لأندية شمال أفريقيا العربية على ألقاب المسابقة في العقدين الأخيرين، فلنتعرف من خلال السطور القادمة على منشأ وتطور هذه المسابقة عبر تاريخها، وصولًا إلى النسخة الحالية التي سنخصص لمشهدها الختامي حصة الأسد من الشرح والإيضاح.
دوري أبطال أفريقيا
كان التأسيس عام 1964 على يد الاتحاد الأفريقي لكرة القدم (الكاف)، والذي حذا حذو بقية الاتحادات القارية بإقامة دوري شامل يجمع الأندية أبطال الدوري في بلدان القارة، تحت اسم “بطولة أفريقيا للأندية الأبطال”، وقد دشن نادي أوريكس دوالا الكاميروني سجلات البطولة بحفر اسمه كأول بطل لها، بعد فوزه على نادي الملعب المالي في النهائي الذي استضافته مدينة أكرا الغانية، وغابت البطولة في العام التالي، لتعود عام 1966 وتستمر بشكل سنوي دوري حتى يومنا هذا.
أبرز المحطات التي شهدها تاريخ البطولة كانت عام 1997، حين خضع نظامها الداخلي إلى بعض التعديلات، لتأخذ شكلها الحالي تحت مسمى “دوري أبطال الكاف”، والذي أصبح يضم – إضافة إلى أبطال الدوري – أصحاب المركز الثاني في دوريات الدول الـ12 الأفضل تصنيفًا في القارة، حيث يتم التصنيف بناء على نتائج أندية الدول في المسابقات الأفريقية خلال السنوات الخمس الأخيرة.
يتصدر سجل الأبطال الذهبي لهذه المسابقة – وبكل فخر- ناد عربي هو الأهلي المصري برصيد 8 ألقاب، يليه توأمه الزمالك بـ5 ألقاب، فيما يحتل المركز الثالث مازيمبي الكونغولي، المتأهل لنهائي هذا العام، برصيد 4 ألقاب، ونفس الأمر ينطبق على صدارة البلدان، التي تتزعمها الأندية المصرية برصيد 14 لقبًا، بفارق كبير عن أندية كل من: المغرب، الجزائر، الكاميرون، والكونغو برصيد 5 ألقاب لكل منها، ومن بعدها تأتي أندية تونس برصيد 4 ألقاب، وبالمجمل تحمل الأندية العربية ألقاب 28 من أصل نسخ البطولة الـ50، علمًا بأن أول ظهور لأنديتنا العربية في سجلات أبطال المسابقة، كان عام 1969 عبر النادي الإسماعيلي المصري، الذي تغلب في النهائي على إنغلبرت الكونغولي (مازيمبي حاليًا).
بطولة العام الماضي، شهدت تتويج وفاق صطيف الجزائري باللقب للمرة الثانية في تاريخه، بعد تفوقه على فيتا كلوب الكونغولي بفارق الأهداف الاعتبارية خارج الأرض، بعد انتهاء مباراتي الذهاب والإياب بالتعادل الإيجابي.
البطولة الحالية
تحمل نسخة العام الحالي من البطولة الرقم 51 منذ تأسيسها، والـ19 منذ اتخاذها اسمها وشكلها الحاليين (شامبيونز ليغ الكاف)، وقد انطلقت في 13 فبراير من العام الحالي، بمشاركة 57 فريقًا من 44 دولة، لُعبت حتى الآن 124 مباراة سُجل خلالها 263 هدفًا، ويتصدر مهاجم المريخ السوادني بكري المدينة ترتيب الهدافين برصيد 7 أهداف، بفارق هدف واحد أمام التنزاني مبوانا ساماتا مهاجم مازيمبي.
وقد بلغ فريقا اتحاد العاصمة الجزائري ومازيمبي الكونغولي نهائي البطولة، بعد تجاوزهما أدوار البطولة الأربعة السابقة بكل نجاح، فاتحاد العاصمة تجاوز بيكيني السنغالي وكالوم الغيني في الدورين الأولين، قبل أن يتصدر مجموعته في ربع النهائي أمام كل من المريخ السوداني ومواطنيه مولودية العالمة ووفاق صطيف (بطل النسخة الماضية)، وذلك بعد تحقيقه 15 نقطة جمعها من 5 انتصارات وخسارة وحيدة أمام المريخ، وتابع رحلته الموفقة فتجاوز الهلال السوداني في نصف النهائي، بعد فوزه عليه بنتيجة 2-1 في السودان، وتعادله معه سلبيًا في الجزائر، ليجد نفسه في النهائي الأفريقي للمرة الأولى في تاريخه.
أما مازيمبي، فقد عبر الدورين الأولين على حساب كل من ماميلودي سانداونز من جنوب أفريقيا والملعب المالي، وفي ربع النهائي انتظر حتى الجولة الأخيرة ليتمكن من تأمين تأهله، وتصدر مجموعته على حساب كل من الهلال السوداني والمغرب التطواني وسموحة المصري، بعد حصده 11 نقطة من 3 انتصارات وتعادلين وهزيمة وحيدة أمام الهلال، وفي نصف النهائي عوض تأخره ذهابًا بهدفين لهدف أمام المريخ في السودان، بفوزه عليه إيابًا في الكونغو بثلاثية بيضاء، وضعته في النهائي الأفريقي للمرة السابعة في تاريخه.
وجهًا لوجه
يعتبر نادي اتحاد العاصمة الجزائري من الوجوه الجديدة نسبيًا على الأدوار النهائية للبطولة الأفريقية، فرغم أن النادي، الذي تأسس عام 1937، يحمل 6 ألقاب في الدوري الجزائري آخرها العام الماضي، إلا أن تاريخه في دوري أبطال أفريقيا يقتصر على بلوغ نصف النهائي مرة واحدة عام 2003، إضافة إلى حلوله ثانيًا في مجموعته بدور الثمانية عام 1997، بعكس النادي الكونغولي الذي يحفل تاريخه الأفريقي بأربعة ألقاب أعوام 1967، 1968، 2009، و2010، إضافة إلى خسارته النهائي مرتين عامي 1969 و1970، علمًا بأن النادي الذي تأسس عام 1939 كان يحمل اسم (إنغلبرت) سابقًا.
ولم يسبق للناديين أن تواجها في البطولة الأفريقية مطلقًا، علمًا بأن مازيمبي خسر نصف نهائي العام الماضي أمام ناد جزائري آخر هو وفاق صطيف، الذي توج باللقب على حساب فيتا كلوب الكونغولي، في أول نهائي أفريقي يجمع بين أندية الجزائر والكونغو الديمقراطية، التي تتساوى في عدد الألقاب الأفريقية التي تحملها برصيد 5 لكل منها، حيث أحرزت الجزائر ألقابها الخمسة عبر أندية شبيبة القبائل ووفاق صطيف بواقع مرتين لكل منهما، ومولودية الجزائر لمرة واحدة، أما الكونغو فأحرزت 4 ألقاب عبر مازيمبي، ولقبًا واحدًا عبر فيتا كلوب.
التشكيلة المتوقعة
يتصدر اتحاد العاصمة دوري بلاده حتى المرحلة التاسعة، عبر تشكيلة محلية بمعظمها، تحت قيادة المدرب ميلود حمدي، الذي يعتمد في أغلب المباريات على خطة 4-4-2، بتواجد الحارس الخبير أمين زماموش، ومن أمامه الرباعي، محمد مفتاح، نصر الدين خوالد، فاروق شافعي، وإبراهيم بدبودة، وفي الوسط يعتمد على لاعبي ارتكاز هما، نسيم بو شامة وحمزة كودري، ومن أمامهما على الأطراف، قدور بلجلالي وزين الدين فرحات، أما في الخط الأمامي فيلعب محمد سوقار إلى جانب الأجنبي الوحيد في التشكيلة كارلوس أندريا من مدغشقر.
ويعتبر الاستقرار والتجانس من أبرز نقاط قوة التشكيلة الجزائرية، إضافة إلى تواجد العديد من عناصر الخبرة، خاصة في الخط الخلفي، أما نقطة الضعف فتكمن في الغيابات الوازنة التي يعاني منها الفريق، وخاصة في مباراة الذهاب التي تأكد غياب كل من مفتاح وأندريا عنها بسبب تراكم البطاقات، حيث يُتوقع أن يعوضهما حسين بن عيادة وأمين عودية، إضافة إلى استمرار غياب هداف الفريق في البطولة يوسف بلايلي المعاقب من قِبل الكاف.
أما على الجانب الآخر، فيقود الكتيبة الكونغولية المدرب الفرنسي باتريك كارتيرون، الذي يفضل عادةً البدء بخطة 4-3-3، بتشكيلة قوامها الحارس المخضرم كيديابا، ومن أمامه كل من، فريمبونغ، كيمواكي، كوليبالي، وكاسوسولا، وفي الوسط يلعب الثلاثي، بوبكر ديارا، آدجي، وسينكالا، وراء ثلاثي خط المقدمة المؤلف من، كالابا، أسالي، والهداف ساماتا.
وعلى عكس التشكيلة الجزائرية، لا تعاني صفوف مازيمبي من أي غياب وازن، وهو ما يشكل نقطة إيجابية تضاف إلى قوة ثلاثي الهجوم الذي سجل 14 هدفًا في هذه البطولة، أما نقطة الضعف الأبرز فهي انخفاض مردود الفريق عندما يلعب خارج ملعبه، وهو ما نرجو أن يستغله فريقنا الجزائري كما يجب، لحسم الأمور في مباراة الذهاب.
المكان والزمان
سيكون مساء السبت الواقع في 31 من أكتوبر الجاري، موعد مباراة ذهاب نهائي الشامبيونز ليغ الأفريقي، التي يستضيفها ملعب عمر حمادي في العاصمة الجزائر، تحت قيادة الحكم المصري جهاد جريشة، أما لقاء الإياب فيستضيفه ستاد مازيمبي في لومومباشي، يوم الأحد 8 نوفمبر القادم، بقيادة الحكم الغامبي بكاري جساما، علمًا بأن الفائز في مجموع المباراتين سيتوج باللقب الأفريقي، الذي يؤهل حامله لخوض بطولة كأس العالم للأندية التي تستضيفها اليابان أواخر العام الحالي، وكلنا أمل أن يكرر أبناء الأمير عبد القادر الجزائري فرحة العام الماضي، وينجحوا في انتزاع لقب عربي جديد في البطولة الأفريقية الأهم.