يتحمل النظام الروسي منذ ما يزيد عن أربع سنوات تكلفة دعم نظام بشار الأسد ومنع سقوطه بكل الوسائل الممكنة من دعم عسكري ولوجيستي فضلًا عن الدعم السياسي، مشاركة مع الحليف الإيراني وطيف من الدعم الصيني، حتى قرر الروس الدخول في حرب مباشرة بجوار نظام الأسد لتغيير خارطة الأرض بعد فشل النظام السوري على مدار الأربع سنوات الماضية تغيير واقع الأرض لصالحه أمام المعارضة المسلحة بشتى فصائلها واتجاهاتها.
لا شك أن خطوة الروس التي أمضوها في سوريا أكثر كلفة من الدعم عن بعد، حيث كانت تكتفي روسيا في السابق بدعم نظام الأسد بالسيولة النقدية لتمويل عملياته العسكرية، وكذلك إمداده بالسلاح الذي يمكنه من الصمود في هذه الحرب، أما هذه المرة فنحن أمام وضع مختلف تدخل فيه الروس بجندهم وعتادهم مباشرة.
ويزيد من معاناة الروس الاقتصادية التوقيت الذي تم فيه التدخل العسكري في سوريا، إذ يعاني الدب الروسي من عقوبات اقتصادية فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي على خلفية أزمة احتلال الروس لشبه جزيرة القرم، وهو الأمر الذي ردت عليه روسيا بفرض عقوبات شبيهة كمعاملة بالمثل، مما أثر سلبًا على الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على السوق الأوربي بشكل كبير.
هذا بالإضافة إلى مأزق تهاوي أسعار النفط الذي أضر بالاقتصاد الروسي أشد ضرر بسبب اعتماد ميزانية دولة روسيا في أكثر من نصفها على تصدير النفط والغاز إلى الغرب، وهي أزمة بالتأكيد يُضاعفها أمر التدخل العسكري المباشر في سوريا، حيث تأثر الاحتياطي النقدي الروسي من العملات الأجنبية جراء كل هذه الظروف مجتمعة ليتراجع إلى 368 مليار دولار في سبتمبر الماضي بعدما كان يبلغ 510 مليار دولار في العام2014، مع استمرار توقعات الانخفاض الفترة المقبلة، فكيف تعمل روسيا على تدبير الأموال اللازمة لهجماتها العسكرية في سوريا؟.
التصريحات الرسمية الروسية الموجهة للداخل الروسي جاءت بقدر كبير من بث الاطمئنان في نفوس الشعب الروسي عبر إعلان أن العمليات العسكرية الحالية في سوريا تتم وفق ميزانية الدولة العسكرية لعام 2015، ولم يطرأ أي تغيير على ميزانية روسيا المتعثرة بالأساس.
حيث تبلغ ميزانية روسيا العسكرية في هذا العام 50 مليار دولار تخوض بها روسيا الحرب في أكثر من اتجاه من شبه جزيرة القرم إلى سوريا، والتي يؤكد بعض المحللين أنها لا تتحمل هذه الكلفة كلها خاصة في ظل تردي الاقتصاد الروسي، وهو ما أكدته توقعات ستراتفور التي تؤكد أن موسكو لن تكون قادرة على تحمل نفقات هذه الحرب لأكثر من أربعة أشهر، ولا أحد يعلم حتى الآن أين سيقف الطموح الروسي في سوريا.
كذلك خرجت بيانات اقتصادية تؤكد أن العمليات العسكرية الروسية في سوريا تُكلف يوميًا أكثر من 2.5 مليون دولار، وقد نقلت وكالة “إر بي كا” الروسية للأنباء الاقتصادية تقارير تتحدث عن تكلفة الطلعات العسكرية الجوية الروسية في سماء سوريا التي بلغت ما بين 65 ألفًا و110 آلاف دولار تقريبًا للساعة الواحدة حسبما أعلنت الوكالة.
يُذكر أنه تم تنفيذ أكثر من 900 هجوم جوي روسي من قاعدة حميميم الجوية السورية خلال أول 25 يومًا من العملية العسكرية على سوريا، وقد قدرت تكلفة هذه الطلعات بأكثر من 60 مليون دولار، ناهيك عن الدور الأرضي العسكري لأكثر من 1600 فرد بين جنود وضباط روس بحاجة إلى دعم لوجيستي عادة ما يكون مُكلفًا بشكل كبير.
كل هذه التقديرات الاقتصادية للعمليات العسكرية الروسية في سوريا ابتعدت عن حساب تكلفة تجهيز القواعد الجوية السورية وإنشاء المباني وشراء المعدات اللازمة للتأمين، وكذلك عمليات الإطلاق الصاروخية المكلفة، وهو ما يعني أن الحرب تُشكل عبئًا حقيقيًا على الاقتصاد في الروسي في حالة استمرارها لمدة أطول.
ومع استمرار الروس في موقفهم الذي لا يبدو وأنه سيتغير في أي وقت على المدى القريب، يتضح أيضًا تمسكهم بهذا الخيار العسكري الذي يمنع انهيار نظام الأسد أمام المعارضة السورية المسلحة، مما يعني استمرار النزيف الاقتصادي بسبب هذه الحرب، وقد يأتي هذا الأمر معتبرًا ومفهومًا في إطار مكاسب روسيا الاستراتيجية المنتظرة جراء تثبيت سيطرتها على الأوضاع في أحد أهم مناطق نفوذها في الشرق الأوسط، ولكن الأمر برمته يطرح تساؤلًا هامًا وهو هل تُشارك أي دول أخرى في تمويل الحرب الروسية في سوريا؟.
تحدثت تقارير إعلامية عدة عن إجابة هذا السؤال بالإشارة إلى دور إماراتي نجح في إقناع موسكو بطريقة غير معلنة لخوض الحرب في سوريا، على أن تمول الإمارات جزءًا من تكلفتها، هذا التمويل يأتي في شكل دعم مليشيات روسية تُقاتل بجوار النظام السوري تحت زعم محاربة الجماعات الإرهابية التي تُقاتل في صفوف المعارضة السورية.
إذ يتم ذلك حسب اتفاق ضمني بين روسيا وثلاثية عربية هم مصر والإمارات والأردن لدعم التدخل الروسي العسكري في سوريا لمنع سقوط بشار الأسد وفرض حل سياسي بالقوة على المعارضة، على أن تتولى الإمارات تمويل جزء من الحملة العسكرية الروسية على الأراضي السورية.
ويأتي هذا التمويل الإماراتي متفقًا تمامًا مع أجندة الإمارات الإقليمية التي تسعى بشتى الطرق إلى القضاء على التنظيمات السياسية الإسلامية المختلفة في المنطقة سيما الجهادية منها التي تتواجد بكثرة على الأراضي السورية، والتي حققت في الأونة الأخيرة تقدمًا ملحوظًا على الأرض أمام نظام الأسد، وبهذا التدخل الروسي والتمويل الإماراتي يضمن الإماراتيون وقف هذا التمدد للجماعات الجهادية الإسلامية في سوريا، وهو ما تؤكده خريطة أهداف الضربات الروسية التي تمت حتى الآن، حيث تستهدف المعارضة الإسلامية المسلحة بشكل أكبر من غيرها.
كما يُعتقد أن الروس سيلجأون في تمويل هذه الحرب أيضًا إلى الإيرانيين لتحمل جزء آخر من تكاليفها، بالإضافة إلى سعيهم نحو تحرير مصادر النفط السورية من أيدي المعارضة المسلحة والسيطرة عليها لتعويض خسائر الحرب بحيث تُأمم لصالح روسيا فقط، وهو الأمر الذي سيخفف من حدة تكاليف الحرب على المدى البعيد.