يعيش قطاع التمور في تونس هذه السنة على وقع أزمة وصفها البعض بالحادة، أزمة ليست على مستوى الإنتاج ولا الجودة وإنما من حيث التوزيع وسعره؛ فالدولة ممثلة في وزارة الفلاحة قررت مؤخرًا تحديد سعر الكيلو الواحد لدقلة النور بـ 2.2 دينار (1.15 دولار) عند الفلاح، إلا أن كبار التجار رفضوا هذا السعر وأبوا إلا أن يفرضوا سعرهم وإن كان فيه ظلم للفلاح.
ويتوقع أن يبلغ إنتاج التمور التونسية هذا الموسم الفلاحي الذي انطلق منتصف هذا الشهر 245 ألف طن مقابل 223 ألف طن الموسم المنقضي بزيادة في حدود 9%.
وتمتد الواحات التونسية على مساحة 40 ألف هكتار وتحتوي على 5.4 مليون نخلة منها 3.55 مليون نخلة صنف دقلة النور، وتعتبر واحات نفزاوة والجريد أهم الواحات المنتجة للتمور التونسية الجيدة، حيث تنتج منطقة نفزاوة (محافظة قبلي) قرابة 60% من الإنتاج التونسي، وتأتي الجريد (محافظة توزر) في المرتبة الثانية، ثم تأتي واحات أخرى أقل أهمية بمحافظات قفصة وقابس وتطاوين.
ويساهم القطاع بنسبة 5% من القيمة الإجمالية للإنتاج الفلاحي التونسي وبنسبة 16% من القيمة الإجمالية للصادرات الفلاحية، كما يوفر قطاع إنتاج التمور 2 مليون يوم عمل ومورد رزق لقرابة 50 ألف عائلة.
وأمام هذه الزيادة في الإنتاج لم يجد الفلاح في الجنوب التونسي القدرة على تصريف إنتاجه رغم جودته العالية، حتى أن البعض أصبح يتخوف من ضياع وتلف محاصيلهم؛ الأمر الذي خلق حالة من الاحتقان في صفوفهم وصلت في بعض الأحيان الى الاحتجاج أمام مقر محافظة قبلي (المنتج الأول للتمور) وغلق الطرق الرئيسية للمحافظة.
وأرجع فلاحو قبلي هذه الأزمة في التوزيع إلى ما اعتبروه ممارسات احتكارية لبعض بارونات التصدير وغياب إرادة جادة من طرف سلطة الإشراف للتخفيف من حدة هذه الإشكاليات.
محمد دخيل (45 سنة) فلاح من محافظة قبلي يقول لنون بوست: رجال الأعمال يريدون أكل حق الفلاح وشراء المنتج بأسعار زهيدة لا تمثل شيء أمام ما نعانيه طوال السنة، نحن نعمل سنة كاملة ثم يأتي التجار يريدون أخذ التمور دون أي مقابل”.
وبدوره يقول صالح علي (52 سنة): لولا التمور لزاد عجز الميزان التجاري التونسي، بفضل تمورنا حافظت الدولة على مدخراتها المالية من العملة الصعبة”، ويتابع علي “إنه ظلم كبير .. ظلم كبير”.
وتحتل تونس حسب المنظمة العالمية للتغذية والزراعة FAO المرتبة الأولى عالميًا في قائمة البلدان المصدرة للتمور باعتبار المردودية المالية للتصدير، حيث بلغت صادرات تونس من التمور الموسم السابق 100 ألف طن أي ما يعادل 460 مليون دينار مع نهاية موسم التصدير يوم 30 سبتمبر 2015 مقابل 87 ألف طن بقيمة 382 مليون دينار خلال موسم 2014، وسجلت بذلك تطور في الكميات بنسبة 13% وتطور في رالعائدات المالية بنسبة 20%، ووصلت وجهات تصدير التمور التونسية خلال الموسم الماضي إلى حوالي 70 سوقًا عبر العالم مقابل 65 سوقًا في الموسم الذي قبله ماضي، واستأثرت السوق المغربية وحدها بنحو 24.5 ألف طن مقابل 21 ألف طن موسم 2014.
من جهة أخرى يعتبر سفيان بن محمد أحد الفلاحين الشبان أن المنطقة تعاقب على عدم انتخابها لحركة نداء تونس في الانتخابات التشريعية والرئاسية الأخيرة، ويقول بن محمد “نحن اليوم نعاقب على وقوفنا إلى جانب الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي وعدم انتخابنا لحركة نداء تونس، نعاقب على اختياراتنا السياسية”، وتابع “لم يوفروا لنا مواطن شغل ولا مصدر رزق ويحاولون حرمننا من مصدر رزقنا الوحيد”.
وحصلت حركة النهضة الإسلامية خلال الانتخابات التشريعية السابقة في جهة الجنوب على معدلات انتخابية مرتفعة، فيما حصل الرئيس التونسي السابق خلال الانتخابات الرئاسية التي أُجريت في نوفمبر وديسمبر 2014 على أكثر من 80% من أصوات الناخبين في الجنوب التونسي.
ويشغل قطاع التمور في تونس عشرات الآلاف؛ الأمر الذي جعل لشجرة النخيل دور اقتصادي واجتماعي هام في تلك الربوع، حتى أنها أصبحت رمزًا لمنطقتي نفزاوة والجريد.
وأمام هذه الأزمة التي يعيشها القطاع قرر سعد الصديق وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري مؤخرًا اتخاذ العديد من الإجراءات لإنقاذ الموسم أهمها التنسيق مع وزارة التجارة لفتح باب التصدير نحو السوق الليبية، إلا أن هذه الإجراءات لم تسعد أهالي الجهة معتبرين إياها بـ “ذر رماد على العيون” ولا تستجيب لمتطلباتهم ولا تحل المشاكل التي يمرون بها، فعجل البعض بالاحتجاج أمام مقر محافظة قبلي وأغلق طرقات المدينة الرئيسية، فيما نادى العديد من الفلاحين الآخرين بضرورة القيام بإضراب عام في المحافظة يوم 5 نوفمبر لإجبار الدولة على إيجاد حلول للقطاع ولمنطقتهم.