اعتبره البعض قنبلة آخر السنة في حين رأى آخرون أن الرجل لم يأت بالجديد وأن الأمر معلوم منذ انطلاق ثورات “الخريف العربي”، ما قاله مدير الاستخبارات الفرنسية برنار باجوليه الثلاثاء، في واشنطن خلال مؤتمر حول الاستخبارات بأن “الشرق الأوسط الذي نعرفه انتهى إلى غير رجعة”، مؤكدًا أن دولاً مثل العراق أو سوريا لن تستعيد أبدًا حدودها السابقة، “نحن نرى أن سوريا مقسمة على الأرض، النظام لا يسيطر إلا على جزء صغير من البلد ثلث البلد الذي تأسس بعد الحرب العالمية الثانية، الشمال يسيطر عليه الأكراد، ولدينا هذه المنطقة في الوسط التي تسيطر عليها داعش، والأمر نفسه ينطبق على العراق”، مضيفًا “لا أعتقد أن هناك إمكانية للعودة إلى الوضع السابق”، ولكنه استدرك معربًا عن ثقته بأن المنطقة ستستقر مجددًا في المستقبل، ولكن وفق أي خطوط؟ “في الوقت الراهن لست أعلم ولكن في مطلق الأحوال ستكون مختلفة عن تلك التي أقيمت بعد الحرب العالمية الثانية”، معلنًا أن الشرق الأوسط المقبل سيكون حتمًا مختلفًا عن الشرق الأوسط ما بعد الحرب العالمية الثانية.
إعلان شبه رسمي من جهة رسمية مشاركة في التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة مفاده أن مشروع تقسيم المنطقة وفق المخططات الاستعمارية التي رافقت انهيار الإمبراطورية العثمانية وإرساء نظام الدول القطرية الذي وُضِع عام 1916، مع الترسيمة الاستعمارية على أيدي الدبلوماسي البريطاني مارك سايكس ونظيره الفرنسي فرانسوا جورج بيكو قد انتهى رسميًا في دولتين عربيتين مبدئيًا في انتظار بقية البلدان.
فبعد أكثر من سنة من إعلان تنظيم الدولة تنصيب “خليفة للمسلمين” وانطلاق مرحلة كسر الحدود بعد انتهاء مرحلة هدم الأسوار، اعترفت فرنسا أن الحدود فعلاً قد كُسِرت وأن المنطقة قد فُتِتت وتفتّتت في الآن نفسه بعد عقود من الفتن الداخلية والخارجية المفتعلة من قِبل القوى الاستعمارية في ثوب تصدير نماذجها الديمقراطية المزيفة للدول العربية من جهة ودعم أنظمتهم الفاشية من جهة أخرى.
ففي الوطن العربي تُمنع من زيارة بيت الله الحرام لمواقفك السياسية المعلنة من دولتك أو من المملكة العربية السعودية، كما تُمنع من قضاء أجازة صيفية في منتجع سياحي في شرم الشيخ بمصر أو في المغرب أو في دبي لأنك سياسي أو صحفي مشاكس، فنحن قبل أن يعترف مدير المخبرين الفرنسيين بأن الشرق الأوسط قد انتهى وفق حدوده الحالية منتهون ومشتتون والفضل الأكبر كله يرجع للتحالفات الدولية التي قامت منذ الحرب العالمية الثانية ضد منطقتنا لتتمتع بخيراتنا وأموالنا وثرواتنا وتزيد في شقاقنا وأحزاننا وآلامنا.
لقد تفتت الشرق الأوسط لكن دولة الاحتلال الإسرائيلي متماسكة متوسعة باقية وتمتد، وفي استيطانها وتهويد القدس بلا هوادة لن ترتد لأن برنارد باجوليه وباراك أوباما وبنيامين نتنياهو وغيرهم من صناع القرار في بلدانهم يعلمون جيدًا أن مصلحة الدولة العبرية قبل مصلحة شعوب المنطقة بأكملها بل لا نبالغ إن قلنا قبل مصلحة شعوبهم ولهذا الطرح ما يبرره ويدعمه.
منذ سنوات روج مسؤولون غربيون كبار وخبراء إستراتيجيون متخصصون في منطقة الشرق الأوسط لفكرة تقسيم الدول العربية كحل لإنهاء الصراعات المذهبية والطائفية فيها، ولكن الواقع يؤكد أنه سيسكب المزيد من الزيت على النار ويخلق دويلات طائفية بحدود ملتهبة غير مستقرة بل ستولد حروب دينية إقليمية جديدة يصعب وقفها أو التحكم فيها.
حرب مقدسة تارة، ومذهبية تارة أخرى، وطائفية ملتهبة طورًا، والعرب نيام غير مبالين بما يحدث بل همهم الأكبر دخول موسوعة غينيس للأرقام القياسية بأكبر صحن فول في العالم وأكبر “ساندويتش” وكفتة وتبولة وملوخية وغيرها من سقط المتاع.
أما مراكزهم البحثية ومنظروهم وخبراؤهم فلا يزالون متوقفين في تفسير أسباب الحرب العالمية الأولى والثانية وسر تشكل التحالفات وقتها وهل قتل هتلر اليهود أم لا، دون أن ننسى ما سيحققه تنصيب ولي عهد جديد في دولة من الدول الملكية من استقرار سياسي وازدهار اقتصادي من جهة، ومن جهة أخرى ظل البحث متوقفًا ومعطلاً في الآن نفسه عن ماهية الحرب الجديدة والدوافع الحقيقية لتقسيم المنطقة العربية وأسبابها ونتائجها مكتفين بالنتيجة التي أرهقت أغلبهم من أجل الوصول إليها: “كل ما يحدث في المنطقة مؤامرة أمريكية”.
أما مشايخهم، فلا نرى أنهم يختلفون عن سادتهم وكبرائهم فالتابع خاضع للمتبوع في دول بترولية يعاني عدد كبير من سكانها من الجوع، فالبحث لا يزال جاريًا عن تأصيل فقهي متين ورصين لنازلة حق المرأة في قيادة السيارة، في حين عجزوا عن الخروج بفتوى موحدة في جواز أكل الميتة وكل ذي ناب من السباع من عدمه للسوريين داخل سوريا وخارجها بسبب الحرب الكونية ضدهم.
في الأخير نريد أن نعلمكم أن “الدواعش” بكل أصنافهم ولغاتهم يحيّونكم ويشدون على أياديكم لتواصلوا تدميركم للمنطقة رفقة التحالف الدولي والتحالف الرباعي لأنهم استعانوا بكم بصفة غير مباشرة لتفتيتها بعد أن عجزوا عن ذلك طيلة سنوات، وكما قال الخبير في الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية معلقًا عى كسر تنظيم الدولة للحدود بين العراق وسوريا في نهاية شهر يونيو 2014 “وقدم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه بصورة لافتة كأمين على وحدة الأمة الإسلامية عبر تحدي نظام الدول القطرية الذي وُضِع عام 1916، مرسخًا صواب نهجه العابر للحدود القومية على أسس دينية تعيد إلى الأذهان صورة الإمبراطورية الإسلامية، في الوقت الذي برزت فيه تكيّفات سلفية جهادية تتعامل مع واقع الدولة الوطنية”.
فاعلموا أنكم تُضفون على ما قام به التنظيم سابقًا شرعية بعد أن كنتم سببًا في ذلك حسب أقوالكم وأعمالكم.
فعلى من الدور يا ترى بعد العراق وسوريا؟