أصبحت قيمتك أيها الإنسان “ثمنك” في عالم السوق، كم يمكن أن تجلب من عمولة وما يمكن أن تحققه في عالم الإنتاج؟
دودة هضمية أو علبة للاستهلاك والإهلاك والإنهاك، لتكون يجب أن تمحي الغير ولا خير، وتحولت المرأة دمية للإشهار، تزين الواجهات لتستدرج الزبون وتغريه ليقتني البضاعة، أصبح العربي يحتقر أخاه، فوجدت بيننا مواقع التواصل ثغرتها تغالب الكراهية بنقرات محبة افتراضية وتشارك وإخاء وإن تباعدت الأجواء، انعدام تقدير وقهر داخلي ترعاه أنظمة لا يهمها إلا البقاء، طبع ورثناه من الاستحمار الاستعمار الغازي بخيله ورجله في الغبراء، فارتحل وترك فينا تلك العفونة والاستعلاء، لا طاقة لسماع وحوار وإصغاء، زرع مورثات التجبر والتكبر والخيلاء، والجبن والخنوع والفرقة والعداء، خلف ذراريه يحرسون ويغرقون البلد بمشاريع تابعة يسترجع منها ذلك “المستثمرالمستعمر” ما لم يأخذ بيده اليمنى يوم كان بيننا، ويكتفي الموظف الأنيق “بربطة العنق” بوضع المعلومة لمن يعطي أكثر في ملتقيات معلومة، يتأنق ليبيع البلد ويحصل على الإشادة من مركز السيادة.
اكتسحت القيم التجارية، طبعت وطغت وسيطرت، لتسود المادية القاسية المصلحية؛ فرص يقتنصها الغني الداهية الطاغية يبتز بها ويضغط ويسيطر على الأدنى منه، عالم ظالم غير منصف مختل ربوي لا إنساني، يحتقر ويهين ويشتري ويبيع لا غير، ضاع الإنسان!
الدول المادية متقدمة، بقساوتها وأنانيتها واحتقارها للإنسان، وصمتها في بورما وفلسطين وأفريقيا المجاعة وغيرها، كلمتها في الأمم المتحدة مسموعة مطاعة، تملك السلاح والمصارف والقرار، تسيّر العالم فتحكم هذا وتمنع ذاك وتوجه الحرب والهدنة، وتختار اللحظة والأرض والحدث لتنزل بكل كلكلها وتستبيح الدماء وتخلق العداء وتحول الكل إلى أشلاء من أجل النفط أو الغذاء.
وكلما تناحر الجاران، عاد الجميع إلى السيد يحتمي به ويستقوي، ليعقد الصفقة ويعيد بناء ما خربته نفس الصواريخ التي باعها إياه، هي سوق تفتح فمها فاغرة لكل من يدفع أكثر، لا تأبه للإنسان، شعارها الخيرات والمدخرات والثروات وعقود الاستيراد والتصدير تمتص الرأسمال الداخلي وتنهك الاقتصاد وتتحكم في دواليب ومفاصل الوطن.
دول “كبرى” تحرص أن يبقى غيرها متخلفًا تسيطر عليه، لتبقى صفقات شركاتها ومكاتب دراساتها رائجة، تضمن زبونًا وفيًا، فحولت وجودها من الاحتلال الغابر، إلى الاستعمار المعاصر، بأفكاره، بمسخه الثقافي، بالانبهار، وبالتقليد.
قابليتنا للاستيلاب والبقاء في الخلف، عجزنا عن التحرر من ربقة الاستبداد والحكم الجائر، لجج الاضطراب، الظلم الطبقي الاجتماعي، والغباء الفكري، متأخرون في العلوم، متخبطون بدون تنظيم فردي أو جماعي، خاملون في الإنتاج، فاشلون في الحكم، ومتسيبون في الإدارة.
كيف الطريق إلى التحرر الداخلي والخارجي من التبعية والتخلف، لتنمية وحضارة وتقدم بقيمنا لا بشروط السوق العالمية المتعفنة التي تحكمها المصلحة؟
ما الذي يجب أن يجمعنا اليوم ليأوي الإنسان ويحب الخير لأخيه، ينصرالمظلوم، ينقذ المقهور، ويصل المبتور؟
سؤال لا أزعم أنني أملك إجابته، بقدر ما هو حديث صدق لروح متعطشة تبحث عن الذات.
نعم تلك الذات التي منها تنطلق الإرادة المستقلة لنكون، لنحرث ونبني، فلاحة وصناعة وعلوم وتنظيم وفكر وتربية، تحرر وطني أصيل يحمل قيمنا وهويتنا، نملك قرارنا لا ننتظر الإملاءات أو التوجيهات، عزيمة واعية يساندها الجميع.