ما من مفاجأت متوقعة في انتخابات الغد في تركيا، فالأحزاب الأربعة التي حصلت على أصوات كافية لدخول البرلمان (متجاوزة حاجز الـ10%) تشير كافة الاستطلاعات لدخولها من جديد مع تغيّرات طفيفة في نسبة التصويت لها، بدءًا من حزب العدالة والتنمية الحاكم، مرورًا بحزب الشعب الجمهوري العلماني وحزب الحركة القومية التركي، وصولًا لحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، والسؤال المهم هنا هو هل ستسمح تلك التغيّرات الطفيفة باستعادة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته البرلمانية؟ وهل يمكن أن تُحبِط استطلاعات الرأي في الواقع وتُخرِج حزبًا من تلك الأحزاب الأربعة من البرلمان لتحقق مفاجأة؟ هنا نأخذ نظرة على التغيّرات المتوقعة في التصويت، آخذين في الاعتبار بالطبع أن الوقائع غدًا قد لا تماثلها بالضبط.
التغيّر الأول: قواعد المحافظين
من المتوقع أن يكون التغيير الأبرز هو في النسبة التي سيحصل عليها العدالة والتنمية، والتي تشير استطلاعات عدة لزيادتها بنقطة أو نقطتين مئويتين، لترتفع من 41% إلى حوالي 43%، وهي زيادة ستأتي من رصيد حزب الحركة القومية الذي يشارك العدالة والتنمية معظم شرائحه المحافظة، والتي كان قد اتجه بعضها للحركة القومية بدلًا من العدالة والتنمية في يونيو الماضي تحفظًا على ما رأوه من انفتاح زائد من أردوغان على الأكراد، وبالنظر الآن للانقلاب الشديد في العلاقة بين العدالة والتنمية والأكراد من ناحية، والعمليات العسكرية الجارية حاليًا ضد العمال الكردستاني، قد تعود بعض من تلك الأصوات للحزب من جديد.
بالإضافة لذلك، لم يُشر أي استطلاع لزيادة في نصيب حزب الحركة القومية، وهو الحزب الوحيد في الحقيقة الذي لا يتوقع أحد زيادة له ولو طفيفة، بل ربما خسارة تهبط به من 16% إلى 14% أو أقل، وذلك نظرًا للصورة السلبية التي بثها رئيس الحزب دولت بغشلي بتعنّته الشديد أثناء محاولات تشكيل حكومة ائتلافية الصيف الماضي، والذي وصل به إلى إغلاق الباب بوجه المفاوضات منذ وقت مبكر رُغم بعض الرؤى المشتركة مع حزب العدالة والتنمية، في حين كان الحزب العلماني الأكثر اختلافًا مع أردوغان يتعامل بشكل مرن ويتفاوض بإيجابية لآخر لحظة.
يبقى السؤال هنا هو لأي مدى يمكن لتحول الأصوات من الحركة القومية إلى العدالة والتنمية أن يرفع الأخير بما يكفي ليستعيد أغلبيته البرلمانية، وهو سؤال لا يمكن أن نجيب عنه إلا بعد فرز الأصوات مساء الغد، بيد أن الاستطلاعات في معظمها لا تشير إلى أن الهبوط في أصوات الحركة القومية سيكون كافيًا أبدًا، إلا إذا حدثت مفاجأة ولم يكتفي القوميون فقط بالهبوط الطفيف، بل وفقدوا أكثر من 6 نقاط مئوية ليخرجوا من البرلمان أصلًا كما حدث معهم في برلمان 2002، وهو سيناريو ممكن ولكن مستبعد تمامًا، وهو كفيل طبعًا بحصول العدالة والتنمية على الأغلبية البرلمانية نظرًا لتوزع مقاعد القوميين على بقية الأحزاب، والتي سينال منها الحزب الحاكم نصيب الأسد.
التغيّر الثاني: بين العلمانية التركية واليسار الكردي
على الناحية الأخرى من الطيف السياسي، والأقرب لليسار، لا تشير أي من الاستطلاعات التي أجريت إلى تغيّر ملحوظ في نسبة حزب الشعب الجمهوري العلماني، والذي حصل على 25% في يونيو، فالبعض يتوقع زيادة طفيفة نظرًا لاحتمالية تحفظ بعض الأتراك ممن صوتوا للشعوب الديمقراطي قبل أشهر على التصويت له من جديد بسبب علاقاته بحزب العمال الكردستاني والحرب الجارية بينه وبين الدولة الآن، بالإضافة إلى الصورة الجيدة التي حازها رئيس الحزب كمال قلجدار أوغلو بتعاونه مع الحزب العدالة وحواره مع أردوغان في الأشهر الماضية.
على الناحية الأخرى، يتوقع آخرون هبوطًا طفيفًا لسبب معاكس يخص أصحاب الأفكار اليسارية بين قواعد الحزب العلماني، وهو أن يتجهوا بأصواتهم إلى حزب الشعوب الكردي ليساعدونه في تخطي عتبة الـ10% من الأصوات ودخول البرلمان، خوفًا من أن يكون ارتباطه بحزب العمال سببًا في خسارته بشكل كبير لأصوات الأتراك ممن تعاطفوا معه سابقًا وفقدوا تعاطفهم اليوم، وهما احتمالان قد يحدث أي منهما، ليرفع رصيد حزب الشعب إلى 26% كما أشارت إحدى الاستطلاعات، أو يهبط بها إلى 24% كما أشار آخر، أو ربما يتداخلان معًا ليخرج الحزب بنفس النسبة تقريبًا.
فيما يخص حزب الشعوب الديمقراطي، لم يشر أي استطلاع لفشله في دخول البرلمان هذه المرة، فإن كانت هناك تحليلات تشير لإمكانية هبوط مؤيدي الحزب من الأكراد نظرًا لعودة العنف في الجنوب الشرقي واضطراب عجلة الحياة اليومية فيها بسبب حزب العمال الكردستاني، فإن هناك شرائح شعبية كردية غاضبة قد تترك حزب العدالة والتنمية لـ”خيانته” عملية السلام الكردية، كما يعتقدون، وتتجه لتعزيز أرصدة حزب الشعوب، وهي شرائح محافظة نسبيًا عادة ما فضلت الأحزاب التركية ذات الجذور الإسلامية على حساب الأحزاب الكردية الصرفة، ولكنها قد تعدل من آرائها الآن خصوصًا بعد ما يجري في سوريا.
الهبوط الأكبر في أصوات حزب الشعوب قد يأتي من قواعده السابقة بين الأتراك المتعاطفين معه كما ذكرنا، والذين قد يعزفوا عن التصويت له ويتجهوا لحزب الشعب العلماني نتيجة الغضب الموجود بين الكثير من الأتراك حيال حزب العمال الكردستاني الآن، وما ظهر من عدم التزامه بعملية السلام أثناء المفاوضات العام الماضي واستمراره في التخطيط لعمليات عسكرية مستقبلية وزرع الألغام على طرق معينة بالجنوب الشرقي، وهي مخططات أظهرت نتائجها الآن لتثير غضب هؤلاء، وبالتالي امتناعهم عن التصويت للحزب الكردي هذه المرة.
***
في كل الأحوال، لا يتوقع أن يخرج أي من حزبي الشعوب الديمقراطي أو الحركة القومية من البرلمان، وإن كانت هناك استطلاعات تشير لهبوط طفيف في أصوات الحزب الكردي يأمل البعض أن تحقق المفاجأة المستبعدة بخروجه بالفعل وبالتالي استعادة العدالة والتنمية لأغلبيته، فإن هناك استطلاعات ولو أقل تشير لتجاوزه الـ13% التي حصل عليها في يونيو في الحقيقة، هو ما يعني أن مفاجأة وحيدة قد تكون ممكنة في هذه الانتخابات، ولأول مرة في تاريخ تركيا السياسي، وهو حصول الحزب الكردي على نسبة أصوات أكثر من الحزب القومي التركي، وهي مفاجأة أقرب من خروج أي منهما من البرلمان.
في تلك الحالة التي تبقى معها الأحزاب الأربعة في السباق بالطبع، سيحتاج العدالة والتنمية إلى زيادة لا تقل عن 5 نقاط مئوية لاستعادة أغلبيته البرلمانية، وهي زيادة لا تتوقعها أغلب الاستطلاعات، وإن كانت مرة أخرى ممكنة، غير أن حصول الحزب على ثلثي المقاعد هو المفاجأة الوحيدة شبه المستحيلة كما نعرف بشكل مؤكد، بل إن خروج أي من الحزبين الكردي أو القومي التركي لهو أقرب كسيناريو من صعود سريع للحزب الحاكم في غضون أشهر قليلة.