ترجمة وتحرير نون بوست
تتجه تركيا غدًا نحو انتخابات برلمانية جديدة، وعلى النقيض من الانتخابات السابقة، لم تمارس الأحزاب السياسية قبيل هذه الانتخابات حملات انتخابية رفيعة المستوى، والسبب بذلك عائد لكون انتخابات 1 نوفمبر هي عبارة عن تكرار لانتخابات 7 يونيو السابقة.
رغم أن استطلاعات الرأي العام تثبت عدم وجود تغيير جذري في خيارات تصويت الناخبين للأحزاب، إلا أنه من غير الممكن تحديد نتيجة قاطعة لهذه الانتخابات، حيث يبدو بأن النتيجة ستسفر، مرة أخرى، عن دخول أربعة أحزاب إلى البرلمان؛ فخلال الانتخابات التي جرت في 7 يونيو، كانت الشكوك تدور حول قدرة حزب الشعوب الديمقراطي (HDP) على تجاوز العتبة الانتخابية، عتبة الـ10%، وبالتالي كانت التساؤلات تتمحور حول وجود ثلاثة أو أربعة أحزاب ضمن البرلمان، بينما اليوم، ومع اتجاهنا قدمًا نحو انتخابات 1 نوفمبر، يبدو بأن هناك توافقًا بالآراء حول قدرة حزب الشعوب الديمقراطي بالوصول إلى مقاعد البرلمان.
من ناحية أخرى، السبب الآخر الذي يقف خلف عدم القدرة على استقراء نتيجة هذه الانتخابات يرجع إلى التساؤلات التي تدور حول قدرة حزب العدالة والتنمية (AK Party) للحكم منفردًا بالسلطة مرة أخرى، وبمعنى من المعاني، أصبحت الانتخابات القادمة تتمحور بشكل عام حول ما إذا كان حزب العدالة والتنمية سيحصل على الأصوات اللازمة للحكم بإدارة منفردة، وهذا الواقع انعكس باقتضاب على الخطابات السياسية لحزب العدالة والتنمية والأحزاب السياسية الثلاثة الأخرى؛ ففي الوقت الذي بنى فيه حزب العدالة والتنمية خطابه السياسي مشددًا على أهمية “إدارة الحزب الواحد”، عمدت الأحزاب الأخرى إلى تأسيس خطاباتها بالتركيز على “فوائد الائتلاف الحكومي”.
نستطيع أن نستبطن تناقضًا مثيرًا للاهتمام ضمن الواقع الحالي، فحزب الشعب الجمهوري (CHP)، وحزب الحركة القومية (MHP)، وحزب الشعوب الديمقراطي، الذين تركزت خطاباتهم على تأسيس ائتلافات حكومية، غير قادرين على تشكيل ائتلاف فيما بينهم، والسبب الرئيسي خلف ذلك يكمن في عدم قدرة حزب الحركة القومية التركي المتعصب بالانضمام إلى حزب الشعوب الديمقراطي الكردي المتعصب أيضًا، وتبعًا لذلك، يجب البحث عن سيناريو تستطيع من خلاله الأحزاب الثلاثة المعارضة، التي تتحدث عن الضرورة المطلقة للحكومة الائتلافية، تشكيل ائتلاف حكومي مع حزب العدالة والتنمية.
بشكل عام، يحتم الواقع السياسي القائم ضمن المشهد التركي على الأحزاب المعارضة استمالة حزب العدالة والتنمية بغية تشكيل ائتلاف حكومي معه، ولكن على النقيض من ذلك، عمد كل من حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي، لتأسيس خطابهم السياسي من خلال نبذ حزب العدالة والتنمية على كافة الصعد، وبشكل خاص، انتهج حزب الشعوب الديمقراطي هذه الإستراتيجية بطريقة راديكالية للغاية؛ فهو لم يقتصر على مجرد انتقاد السياسات التي سنها حزب العدالة والتنمية على المستوى الجزئي، بل عمد أيضًا إلى اعتبار وجود الحزب بحد ذاته، وفهمه السياسي، وهيكليته التأسيسية، قضايا إشكالية للغاية ضمن المشهد السياسي التركي، وبهذا المعنى، من الممكن أن نقول، حزب الشعوب الديمقراطي لا ينظر إلى حزب العدالة والتنمية باعتباره “منافسًا سياسيًا” بل باعتباره “عدوًا” بكل ما للكلمة من معنى.
في أعقاب مجزرتي سروج وأنقرة، وجّه القائد المشارك لحزب الشعوب الديمقراطي، صلاح الدين ديمرطاش، انتقادات لاذعة لحزب العدالة والتنمية، حيث نعت مسؤولي الحزب بتسميات “اللصوص” و”القتلة”، كما اتهم الحزب بقتل المدنيين الأبرياء، ديمرطاش هاجم سياسات حزب العدالة والتنمية بشكل عام، وسياساته تجاه سورية بشكل خاص، باستخدام ذات الخطاب السياسي الراديكالي الذي يستعمله حزب الحركة القومية، والذي يشدد على خيانة نهج حزب العدالة والتنمية للدولة التركية.
إذن، من المستغرب بعد كل هذا أن يستمر حزب الشعوب الديمقراطي بالتأكيد على استعداده لتشكيل ائتلاف حكومي، وهنا يحق لنا أن نتساءل، ما هو نوع التحالف الذي سيشكله حزب الشعوب الديمقراطي مع حزب العدالة والتنمية إذا لم يستطع الأخير الحصول على الأغلبية اللازمة للحكم بإدارة منفردة؟ وذات هذا السؤال ينطبق على كل من حزب الشعب الجمهوري وحزب الحركة القومية.
في هذه المرحلة، الخطاب السياسي الأكثر ثباتًا ينبع من لدن حزب العدالة والتنمية، فهو يبرر ضرورة تشكيله لإدارة الحزب الواحد لتحقيق نظام إدارة أفضل، بناء هيكلية اجتماعية وسياسية أكثر استقرارًا، ولاستمرار النمو الاقتصادي، ولكن في حال لم تسر الأمور كما يشتهي حزب العدالة والتنمية، فسيصبح خيار الائتلاف الحكومي هو الخيار الوحيد المتبقي، وهذا يقودنا للتساؤل، هل يمتلك حزب العدالة والتنمية خطة أولى وخطة ثانية سيستعملها حال عدم حصوله على الأغلبية اللازمة للحكم بإدارة منفردة؟
للأسف لا، فحزب العدالة والتنمية لديه خطة أولى، ولكن لا نستطيع أن نقول بأنه يمتلك خطة ثانية بديلة، فإذا لم يستطع الحزب تنفيذ خطته الأولى، سينتقل بعدئذ لانتقاء الخيار البديل، ولكن هذا النهج لا يمثل خطة بديلة، بل خيارًا بديلًا.
على نطاق إدارة تركيا، حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي، جميعهم لا يملكون لا خطة أولى ولا خطة بديلة، فهم يرغبون فقط بأن يكونوا شريكًا في “خيار الائتلاف” إذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية أن يحوز ما يكفي من الأصوات، وضمن هذه العملية، ليس هناك حزب معين من بين هذه الأحزاب يحوز أولوية على غيره.
احتمالية فوز حزب العدالة والتنمية في الانتخابات القادمة تبدو واردة للغاية، لكن في حالة إخفاق الحزب بالحصول على الأصوات الكافية واللازمة للحكم بشكل منفرد، من المرجح أن يعود الوضع لما كان عليه إبان انتخابات يونيو 7، وهذا يعني بأن تركيا ستدخل مرة أخرى في متاهة الائتلاف الحكومي أو الانتخابات المبكرة.
للأسف، ساعدت السهولة السياسة التي يمكن من خلالها تأسيس السياسات بناء على منطق معارضة حزب العدالة والتنمية، على انخراط حزب الشعب الجمهوري، حزب الحركة القومية، وحزب الشعوب الديمقراطي، في خطابات سياسية جارحة وقاسية ضد حزب العدالة والتنمية، مما أعاق تشكيل “ثقافة التحالف”، والتي قد تكون ضرورية في أعقاب انتخابات 1 نوفمبر، ولهذا السبب، وإذا لم يستطع حزب العدالة والتنمية تشكيل حكومة بشكل منفرد بعد الانتخابات، ستشهد تركيا، وبغض النظر عن الأفكار المخالفة، فترة أخرى من الاضطراب السياسي العميق.
المصدر: ديلي صباح