وحدها الدولة العميقة تتقن الضرب في النقاط الحساسة للدول، فبينما تنشغل باقي مكونات الدولة بتفاصيل ثانوية مثل “الضباط الملتحون” في مصر، أو مغني الراب “ولد الكانز” في تونس، تعمل الدولة العميقة في كل مكان على تنفيذ مخططاتها من خلال استهداف نقاط حساسة داخل الدولة، ومن خلال إحداث القطيعة ما بين المواطن العادي وحكامه، لتقوم في ما بعد بإملاء شروطها على الساسة، أو بالإطاحة بهم مبررة ذلك بالغضب الشعبي.
في مصر، وقبل 3 يوليو، لم يكن موضوعيا أن نتحدث عن دولة عميقة تتعمد قطع الكهرباء وافتعال أزمات السولار والبنزين للوصول إلى يوم 30 يونيو ومن بعده 3 يوليو، وأما بعد 3 يوليو ومعجزة انقطاع الأزمات، فيتفق المنقَلبون والمنقَلبُ عليهم بأن ما حدث طيلة سنة حكم مرسي هو “أوركسترا” متكاملة من إنتاج الدولة العميقة كان هدفها منذ 30 يونيو 2012 هو الوصول إلى 30 يونيو 2013.
وهنا يحق للمتابع لما يحدث في تونس أن يتساءل، في ظل الاغتيالات السياسية والأحداث الإرهابية والتحركات الشعبية للمعارضة وللنقابات العمالية، وفي ظل معطيات أخرى سنتحدث عنها في هذا التحقيق، هل سننتظر “3 يوليو” تونسي حتى نعترف –بموضوعية- بوجود دولة عميقة تضررت مصالحها جراء الثورة، وبدأت منذ فترة في العمل على الإطاحة بمن أتت بهم أول انتخابات بعد الثورة؟.
رجل الأعمال التونسي، المنتمي لجهة الساحل، معز إدريس، والمنتمي لعائلة “إدريس” وهي من أثرى العائلات التونسية وأكثرها امتلاكا للسيولة النقدية في تونس، وأبرز العاملين في مجال الحديد والبلاستيك في تونس وفي إفريقيا، حضر في مطلع شهر أيلول سبتمبر من سنة 2012 في حفل عشاء خيري نظمته جمعية “التعاون” المقربة من حركة النهضة، وجلس إلى جوار حمادي الجبالي رئيس الوزراء آن ذاك والأمين العام لحركة النهضة.
الصور انتشرت بسرعة وبدأ الحديث عن وجود تقارب بين النهضة ومعز إدريس وعن سعي الأخير إلى التقريب ما بين عائلة إدريس وحركة النهضة، مما كان سيمثل ساندا قويا لحركة النهضة ولتجربتها في الحكم، بفضل ما تمتلكه هذه العائلة من قوة اقتصادية، ولكن منتصف شهر ديسمبر حمل “صدفة” سيئة لمعز إدريس، عندما احترق أحد أهم المصانع التي يمتلكها بالكامل، في ما قالت السلطات آن ذاك أنه حادث عرضي، وهو ما استبعده العاملون بالمصنع بالكامل، واستبعده كذلك نشطاء على شبكات التواصل الاجتماعي، قالوا “تلك هي عاقبة من يحاول التمرد على الدولة العميقة والانضمام إلى الثورة”.
ولأن “الصدف” لا تحرق سوى أعداء الدولة العميقة، وفي الوقت الذي تسعى فيه الحكومة التونسية بكل طاقاتها إلى جلب المستثمرين الأجانب، فشلت قوات الحماية المدنية، صباح اليوم، في إنقاذ مصنع للملابس المستعملة في المنطقة الصناعية للضاحية الجنوبية للعاصمة التونسية، مملوكة لرجل أعمال إيطالي، كما فشلت قبل أسبوعين من الآن، في إنقاذ مصنع آخر للملابس المستعملة أيضا، مملوك أيضا لرجل أعمال إيطالي.
وفي الأيام الماضية، وإثر تداول خبر التفجير الذي وقع بالحديقة الخلفية لأحد النزل الواقعة في مدينة سوسة، سخر العشرات على مواقع التواصل الاجتماعي من توقيت التفجير، الذي لم يرح ضحيته سوى منفذه، ولم يتسبب في أي خسائر مادية للنزل، حيث قال أحد المعلقين: “حفاظا على أرواح السياح، تستهدف المرافق السياحية بعد انتهاء الموسم السياحي”.
في حين قال آخرون من بينهم الإعلامي سمير الوافي: “تفجيرين في سوسة والمنستير بالذات…نفس المدينتين شهدتا تفجيرين بنفس الطريقة منذ سنوات…وتم اتهام الإسلاميين بارتكابهما وحوكموا على ذلك وسجنوا”، مشيرين إلى تصريحات حديثة لمدير المخابرات التونسية، في فترة التسعينات، قال فيها أن الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، والذي كان في تلك الفترة وزيرا للداخلية، هو من دبر لتلك التفجيرات حتى يثير الشعب على الإسلاميين الذين كانت لهم شعبية كبيرة، وكانوا مرشحين للفوز بالانتخابات.
ويذكر أن تونس عاشت في السنتين الأخيرتين عمليتي اغتيال سياسي، استهدف الأول السياسي اليساري شكري بلعيد، الذي كان رافضا للتحالف ما بين اليساريين والتجمعيين(حزب التجمع الحاكم قبل الثورة)، والسياسي القومي محمد البراهمي، والذي كان رافضا للتحالف ما بين القوميين والتجمعيين تحت مظلة “جبهة الإنقاذ”، مع العلم بأن الاغتيال الأول وقع في اليوم الذي كان يفترض أن تتم فيه المصادقة على قانون العزل السياسي لرموز النظام السابق، المسمى في تونس بقانون تحصين الثورة، وأم الاغتيال الثاني فقد وقع في اليوم الذي كان يفترض أن يتم فيه الانتهاء من انتخاب اللجنة المستقلة للانتخابات، التي ستقوم بتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية القادمة.