مع بداية شهر أكتوبر من العالم الحالي، وبعد سلسلة من اعتداءات قوات الاحتلال على المسجد الأقصى، وهجمات المستوطنين على العائلات الفلسطينية في القدس والضفة الغربية، والتي أدت لاستشهاد عدد من الفلسطينيين كان من ضمنهم بعض أفراد عائلة دوابشة الذين أحرقهم المستوطنون في قرية دوما في الضفة الغربية، لم يتحمل الفلسطينييون أكثر من ذلك فبدأت سلسلة من ردود الأفعال الغاضبة من الشبان الفلسطينيين، تحاول في إحدى جوانبها ردع الاحتلال ومستوطنيه عن الاستمرار في ممارسات العربدة والظلم التي يقوم بها بحقهم.
وقد حاول الفلسطينيون الذين يعيشون في ظروف أمنية صعبة ممارسة حقهم الطبيعي بالمقاومة عبر عمليات الطعن والدهس التي بلغت في مجموعها في شهر أكتوبر قرابة 45 عملية، وفقًا لدراسة إحصائية أعدها مركز القدس للدراسات الإسرائيلية.
في ظل هذا الواقع الذي تعيشه القضية الفلسطينية لم ينقطع الاهتمام التركي بها سواء من القادة السياسيين أو النخب أو الوسط الصحفي والأكاديمي، ولكن بسبب بعض الظروف الداخلية التي تمر بها تركيا لوحظ تراجع في هذا الاهتمام، فقد عاشت تركيا في 10 أكتوبر 2015 انفجارين ضخمين في العاصمة التركية أنقرة أديا إلى مقتل حوالي 100 شخص وإصابة المئات، وقد طغى هذا الحدث على الإعلام والمجتمع التركي خلال شهر أكتوبر ومازالت آثاره إلى الآن، كونه أول حدث أمني يؤدي إلى مقتل هذا العدد في أنقرة في تاريخ الجمهورية التركية.
أما الأمر الآخر، فقد أرخت عملية التحضير للانتخابات التركية، التي تجري في مطلع شهر نوفمبر، بظلالها على الشارع والإعلام التركي بشكل كبير خاصة أن تنافسًا حادًا تخوضه الأحزاب التركية، حيث إن فوارق ضئيلة في الأصوات تؤدي إلى تغيير مسارات الهيكل السياسي برمته في تركيا من حكومة الحزب الواحد إلى الحكومة الائتلافية.
وعلى مستوى المسؤولين الأتراك لم تكن هناك تصريحات كثيرة تتعلق بالشأن الفلسطيني لكن ذلك لا يعني أن الساحة خلت تمامًا من التعليق عما يجري بفلسطين خاصة ما يتعلق بالمسجد الأقصى؛ ففي مطلع أكتوبر قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن اسرائيل ستدفع ثمن جرائمها التي ترتكبها في القدس والأقصى، وشدد أرودغان على أن “إسرائيل غير صادقة وغير مستقيمة، وهذا ما عرفناه عنها دائمًا، واعتداؤها على الأقصى جريمة لا يمكن السكوت عليها”.
وقد قال خلال افتتاح الجامع الكبير بموسكو، بحضور الرئيس الفلسطيني محمود عباس، إن اسرائيل تتجه إلى طريق خطير من خلال انتهاكها لقدسية المسجد الأقصى، وقد ناقش قبل ذلك بأيام اعتداءات اسرائيل على المسجد الأقصى مع رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل .
ثم عاد أردوغان بعد مضي 5 أيام من أكتوبر للقول بأن “ما يحدث في الأقصى جريمة بحق كل العالم الإسلامي وليس قضية فلسطينية فقط، ولهذا فإن على إسرائيل أن تقيَّم الموضوع بشكل مختلف تمامًا فهي تلعب بالنار وستدفع ثمن ما تقوم به في أماكن أخرى وبشكل آخر”، وقد اتصل أردوغان بالملك سلمان والملك عبد الله وأمير قطر من أجل موضوع الأقصى للتباحث حول اتخاذ موقف مشترك.
ومن الجدير بالذكر أن تصريحات الرئيس التركي والقضايا التي يهتم بها تلقى متابعة ورواجًا كبيرًا في الشارع التركي؛ ولهذا فإنه كلما تحدث عن فلسطين والمسجد الأقصى فإن حديثه يكون بمثابة محفز لوسائل الإعلام لتناول القضايا التي يتحدث عنها بالتحليل والمتابعة أو الذكر في الحد الأدنى، وهو ما يعني مزيد من توعية المواطن التركي بما يدور في فلسطين، وكذلك الحال تصريحات رئيس الوزراء أحمد داود أوغلو، الذي قال في الأمم المتحدة أن المسجد الأقصى سيتحرر قريبًا وسيرفرف عليه العلم الفلسطيني.
ولكن كما ذكرنا فإن التفجيرات التي وقعت في أنقرة ووجود معلومات لدى قوى الأمن بوجود احتمالات لحدوث أعمال أخرى قد حولت دفة الاهتمام مع اقتراب الانتخابات التركية إلى الداخل التركي.
ولما سبق فإن عددًا محدودًا من بين مئات المقالات التي تُنشر يوميًا في تركيا قد تناول قضية المسجد الأقصى أو الانتفاضة، فخلال شهر أكتوبر ربما نجد فقط 10 مقالات قد سأل بعضها في عنوانه نفس التساؤل، وهو هل تحدث انتفاضة ثالثة؟ وفيما تناول أغلب المقالات الحق الفلسطيني منحازًا له، جاء مقال أو اثنان بصيغة تحمل الرواية الإسرائيلية فقط أو تدافع عنها، ولعل ما يمثل هذا ما كتبته الكاتبة التركية فيردا أوزير، التي كتبت تحت عنوان فلنضع لها اسم الانتفاضة الثالثة، حيث حرصت الكاتبة، مما بدا في مقالها، على فهم الوضع وشرحه اعتمادًا على مقابلات مع صحفيين سياسيين سابقين إسرائيليين، ولم تقم بعمل مقابلات مع أي فلسطيني فعملت لقاء مع الصحفي أراد نير ومع المستشار السابق في الخارجية الإسرائيلية ألون ليل، وذكرت بعض الأسماء الفلسطينية التي تُتهم بأن لها دورًا في الانتفاضة، والتي تقيم في تركيا أو تزورها مثل الشيخ رائد صلاح الذي يشارك باستمرار في مؤتمرات تُنظم في تركيا.
أما على صعيد مواقع التواصل الاجتماعي فقد كان للانتفاضة حضورًا ولكنه كان ضعيفًا أيضًا، فبعض المغردين الأتراك غردوا تحت وسم الانتفاضة الثالثة وبعضهم قد غرد تحت وسم انتفاضة السكاكين، ولعل هذا يُفهم أيضًا في سياق الانشغال في الأحداث الداخلية.
وفي الشارع التركي هناك تعاطف استثنائي مع القضية الفلسطينية لكنه بحاجة لمزيد من التوعية والتوجيه والاستثمار نحو مساندة الحق الفلسطيني.
سننتظر إلى ما بعد الانتخابات التركية حيث إن فوز حزب العدالة والتنمية سيعني مزيدًا من الاهتمام بالقضية الفلسطينية والمسجد الأقصى، ومن جهة أخرى فإن على الفلسطينيين والعرب المقيمين في تركيا والذين يجيدون اللغة التركية أن يساهموا في التوعية بقضايا الحق التي تحتاج للتوعية، والترويج لما لذلك من أثر وإن لم يكن في المدى المنظور.