مخالفًا لمعظم الاستطلاعات التي توقعت فشل الحزب في استعادة أغلبيته البرلمانية، ووقوفه عند نسبة لا تتعدى 45%، حصل حزب العدالة والتنمية اليوم على نسبة تفوق 49% على أقل تقدير، وهي ثاني أعلى نتيجة له بعد انتخابات 2011 التي حصل فيها على 49.8%، ليضمن بسهولة أكثر من 300 مقعدًا، وبالتالي تشكيل الحكومة منفردًا بعد انقطاع قصير في الأشهر الأخيرة التي شكل فيها حكومة ائتلافية مؤقتة مع بعض الشخصيات من الأحزاب المعارضة، ليستمر حكمه منفردًا والذي بدأ في نوفمبر عام 2002، وسيستمر وفق تلك النتائج حتى أواخر العام 2019 ما لم تتم الدعوة لانتخابات مبكرة خلال السنوات الأربع المقبلة.
على الناحية الأخرى، حافظ حزب الشعب الجمهوري كالمعتاد على ثباته بالخروج بنفس النسبة التي خرج بها في يونيو الماضي، وهي 25%، ليحصد المراكز الأولى في الولايات الساحلية على البحر المتوسط في الجنوب كما يفعل دومًا، وهي إزمير وأديرنه وأيضن وموغلة وقرقلر إيلي وتكيرطاغ، غير أنه خسر ولايات مرسين وأسكي شهر وجنق قلعة وزونغولداك التي حصل عليها في يونيو الماضي حيث تراجعت فيها نسب أصواته عن العدالة والتنمية الذي خرج فيها بالمركز الأول.
الخسارة الأكبر، والمتوقعة في الحقيقة، كانت من نصيب حزب الحركة القومية، القومي التركي، والذي هبطت نسبته من 16% في يونيو إلى 12% اليوم ليعبر بصعوبة حاجز الـ10%، ويحصل على 40 أو 42 مقعدًا هذه المرة بهبوط وصل لخمسين بالمائة، بعد أن كانت مقاعده في يونيو قد وصلت لثمانين، وليخسر الولاية الوحيدة التي خرج فيها بالمركز الأول في يونيو وهي ولاية عثمانية بجنوب الأناضول.
رسم بياني لنسبة الأصوات من 2002 وحتى يونيو (حزيران) ونوفمبر (كاسِم) 2015: العدالة والتنمية بالأصفر، الشعب الجمهوري بالأحمر، الحركة القومية بالأزرق، والشعوب الديمقراطي بالبنفسجي
المفاجأة الثانية والتاريخية للسياسة التركية وبرلمانها هي حصول حزب الشعوب الديمقراطي الكردي على عدد من المقاعد أكبر من تلك التي حصل عليها القوميون الأتراك، حيث وصلت مقاعدهم إلى 59 مقعدًا، وإن كان هذا يقل عن المقاعد التي حصل عليها في يونيو وهي 80 أيضًا (والتي تساوت أنذاك مع القوميين)، فرُغم أن النسبة التي حصل عليها الحزب عبرت الـ10% بنصف في المائة، وهي 10.5%، في إشارة لهبوط نسبة مصوتيه هو الآخر، والتي انعكست في خسارة المركز الأول بولايتي أقصى الشمال الشرقي، قارس وأردخان، إلا أن دخوله البرلمان مجددًا بعدد مقاعد يضعه في المركز الثالث بعد الحزب الحاكم والعلمانيين تطور إيجابي.
بالنسبة لأعداد الأصوات، وليست نسبتها المئوية، حصل العدالة والتنمية على أكثر من 23 مليون صوت وهو أكبر عدد من الأصوات يحصل عليه في تاريخه (وإن كانت النسبة أقل قليلًا من 2011 أخذين في الاعتبار الزيادة السكانية وبالتالي زيادة العدد الكلي للمصوتين،) ليرتفع بأكثر من أربعة ملايين صوت عن يونيو حين حصل على 18.8 مليون صوت فقط، وهو عدد كان أقل من 2011 التي حصل فيها على 21.4 مليون صوت، وعكس خسارة بعض الأصوات للقوميين كما أشارت النتائج المحلية لكل ولاية.
بالتبعية، وبينما عادت أصواته إليه إن جاز القول، فقد القوميون عددًا كبيرًا ليعودوا للرقم الذي حصلوا عليه في 2011 وهو 5.5 مليون صوت، بعد أن وصلوا في يونيو إلى 7.5 صوت نتيجة تحفظ جزء من أنصار العدالة والتنمية على سياسات الحزب مع الأكراد والتي اعتبروها منفتحة أكثر من اللازم (كما يشير تحليل ما بعد انتخابات يونيو)، هذا بينما استقرت قواعد المصوتين لحزب الشعب الجمهوري العلماني، والتي قلما تشهد تقلبات كبيرة نظرًا لولائها الحزب، لتزيد من 11.5 مليون في يونيو إلى حوالي 11.9 اليوم، وتضع مقعدين إضافيين في رصيد الحزب الذي يملك الآن 134 مقعدًا في البرلمان.
أعداد الأصوات التي حصل عليها كل حزب في الانتخابات البرلمانية منذ 2002 وحتى اليوم
من جانبه، وبينما نجح في دخول البرلمان بالكاد، فقد حزب الشعوب الديمقراطي حوالي مليون صوت، ليهبط من حوالي ستة ملايين إلى خمسة ملايين صوت، وهي خسارة انعكست في معظم الولايات الكردية التي شهدت صعود نسبة العدالة والتنمية وهبوط نسبة الشعوب الديمقراطي، وإن ظل الأخير في المركز الأول في تلك الولايات فإن الفارق لصالحه كان أكبر في يونيو، وهو ما يعكس عودة القليل من الأكراد للتصويت لحزب العدالة والتنمية بعد العمليات العسكرية، مما يشير باستيائها ربما من الصلة بين حزب الشعوب وحزب العمال الكردستاني، أو رغبتها في تحقيق الاستقرار ليس إلا.
في أول كلمة له بعد الفور، قال رئيس الوزراء أحمد داوود أوغلو أن اليوم هو انتصار، لا لحزب العدالة والتنمية فقط، بل لتركيا كلها وللديمقراطية، وأن تركيا تنتظر أربع سنوات من الاستمرار في تقديم الخدمات الجيدة لمواطنيها، وأن الحزب يتطلع لتحقيق نفس الإنجازات مجددًا في 2019 حين يتجدد موعد الانتخابات البرلمانية، “اليوم ليس يومًا للانتصار فقط، ولكن للتواضع أيضًا، هذا الفوز ملك للشعب، وأنا مدين لكن بالشكر، فأنتم أساس وجودنا، ونحن سنظل بجانبكم حتى في أصعب الأوقات.”
على صعيد آخر، لم تصدر بعد أية تصريحات رسمية من الأحزاب الأخرى، كما انتشرت شائعات باستقالة دولت بغشلي رئيس حزب الحركة القومية بعد أداء حزبه السيء وخروجه رابعًا بعدد المقاعد، وهي شائعات ستشكل صغطًا عليه بالطبع ليستقيل بالفعل، لا سيما وأنه السياسي التركي الوحيد الباقي على الساحة السياسية منذ التسعينيات، في حين تُعَد كافة القيادات الموجودة الآن لكل الأحزاب وجوه جديدة لما بعد 2002.
في النهاية، فإن حزب العدالة والتنمية بهذه النتيجة يمتلك أغلبية مريحة ليشكل الحكومة، كما يمكن له باجتذاب مجموعة من النواب القوميين أو الأكراد أن يحاول كتابة دستور جديد وطرحه للاستفتاء، إن لم يكن عازمًا على وضع دستور توافقي مع حزب الشعب الجمهوري، والذي سيتميّز حينئذ بعدم حاجته لاستفتاء نظرًا لتجاوز مقاعد الحزبين معًا الأربعمائة مقعد، وأيضًا إن لم يتوصل لصيغة مع حزب الشعوب الكردي، والذي سيكون دوره مهمًا في عملية وضع دستور جديد، حيث لا يتصوّر أن يُكتَب دستور تركيا الجديد بينما يظل ملف القضية الكردية عالقًا.