نسور قرطاج
عن أبناء قرطاج سنتحدث، وما أدراك ما قرطاج؟ تلك المدينة التي حملت عبق الشرق إلى الغرب، إذ بناها فينيقيو سورية قبل الميلاد، لتغدو خلال فترة قصيرة حاضرة للعلم والحضارة والتمدن، وتبسط نفوذها على ما حولها من مناطق الشمال الأفريقي (المغرب العربي حاليًا)، بل وتمتد سطوتها لتشمل جنوب شبه الجزيرة الأيبيرية (إسبانيا والبرتغال)، لتغدو تلك المدينة التي بنتها الأميرة الفينيقية الهاربة أليسا، وبلغت أوج ازدهارها إبان حكم القائد الشهير حنيبعل، إمبراطورية كبرى نازعت في قوتها وجبروتها الإمبراطورية الرومانية العظمى.
عن أبناء تلك المملكة العظيمة، التي لم يبق منها سوى أطلال تحكي قصص الماضي، سنتحدث، إنهم أبناء تونس الخضراء، ذلك البلد المعطاء، الذي لم يبخل على الحضارة العربية والإسلامية، والإنسانية عمومًا بالعلماء والأدباء، والحكماء والشعراء والساسة العظماء، ومن منا لا يعرف بورقيبة، والشابي، والقيرواني، وابن خلدون، وغيرهم من رجالات الفكر والتنوير والرقي والإبداع الأثير، الذي تجلى في شتى ميادين العلوم والفنون ولا يزال، وليست الرياضة ببعيدة عن هذا المجال، فلأبناء قرطاج في ألعاب القوى والقوة والسباحة باع مديد، ولهم في ألعاب الكرات -ولا سيما كرتي المضرب واليد – اسم عتيد، وكذلك في كرة القدم، كان لمنتخب نسور قرطاج صولات وجولات، وأيام غراء ولاعبون وبطولات، سنتعرف عليها عبر قادم الفقرات.
بطاقة تعريفية
بدأت الحكاية إبان الاستقلال، وتحديدًا عام 1957 حيث تأسست الجامعة التونسية لكرة القدم، ومعها تأسس أول منتخب للبلاد تحت إشراف المدرب رشدي توركي، ولعب أولى مبارياته الدولية يوم 25 يونيو عام 1957 أمام المنتخب الجزائري، وانتهت بالخسارة بهدفين لهدف، وانضمت بعدها تونس إلى الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) عام 1960، لتبدأ مشاركاتها الدولية اعتبارًا من العام التالي حيث شاركت في تصفيات كأس العالم.
أكبر انتصار مسجل في تاريخ نسور قرطاج كان منذ عدة أشهر ضمن تصفيات كأس أمم أفريقيا الحالية، وتحديدًا في 12 يونيو من العام الحالي، حين سحقوا جيبوتي بنتيجة 8-1، أما أكبر هزيمة فتعود لعام 1960، حين خسروا أمام المجر وديًا بنتيجة 10-1.
أفضل تصنيف بلغه المنتخب ضمن جدول منتخبات الفيفا، كان المركز الـ19 في فبراير من عام 1998، وأدنى مركز كان الـ65 في يوليو من عام 2010، أما المركز الحالي فهو الـ36 عالميًا (والرابع أفريقيًا).
أفضل إنجازات المنتخب: الفوز بكأس أفريقيا للأمم عام 2004، إضافة إلى بلوغ نهائيات كأس العالم 4 مرات.
أبرز الأندية التونسية: الترجي (الفائز بدوري أبطال أفريقيا عامي 1994 و2011)، الأفريقي (الفائز بدوري أبطال أفريقيا عام 1992)، والنجم الساحلي (الفائز بدوري أبطال أفريقيا عام 2007).
تونس في المحافل الدولية
نجح نسور قرطاج في بلوغ نهائيات كأس العالم 4 مرات سنستعرضها بالتسلسل:
الظهور الأول كان في الأرجنتين عام 1978، حيث دشن النسور سجلهم المونديالي بفوزهم على المكسيك بنتيجة 3-1، ذلك الفوز الذي أدخلهم التاريخ باعتبارهم أول منتخب أفريقي يحقق الفوز في تاريخ كؤوس العالم، ومن بعده هُزموا أمام بولندا بهدف وحيد، قبل أن يحقق أبناء المدرب عبد المجيد الشتالي تعادلًا تاريخيًا مع ألمانيا الغربية، دون أن يكون ذلك كافيًا للعبور إلى الدور التالي.
التواجد الثاني كان في مونديال فرنسا عام 1998، حيث ودع فريق المدرب البولندي هنري كاسبرجاك (مدرب المنتخب الحالي) البطولة من دورها الأول، مكتفيًا بنقطة وحيدة حصدها من التعادل في ثالث المباريات مع رومانيا بهدف لمثله، بعد تلقيه هزيمتين قبلها أمام كل من إنكلترا بهدفين، وكولومبيا بهدف واحد.
ثالث ظهور كان في المونديال التالي عام 2002 في كوريا واليابان، وفيه لم يحقق النسور – تحت قيادة المدرب عمار السويح – نتيجة أفضل من مشاركتهم السابقة، فحصدوا نقطة يتيمة من تعادلهم في المباراة الثانية أمام بلجيكا بهدف لمثله، مقابل خسارتهم أمام كل من روسيا واليابان المضيفة بهدفين نظيفين.
أما التواجد الرابع والأخير فكان عام 2006 في مونديال ألمانيا، وهو الثالث على التوالي لنسور قرطاج، الذين تعادلوا في أولى مواجهاتهم أمام شقيقهم العربي السعودي بهدفين للكل، قبل أن يتعرضوا لهزيمتين متتاليتين أمام كل من إسبانيا بنتيجة 3-1، وأوكرانيا بهدف نظيف، ليجد فريق المدرب الفرنسي روجيه لومير نفسه خارج المونديال.
وعلى صعيد كأس القارات، سنحت للنسور فرصة الظهور في بطولة عام 2005 التي استضافتها ألمانيا، كممثلين لقارة أفريقيا، حيث تعرضوا لهزيمتين أمام كل من الأرجنتين بهدفين لهدف، وألمانيا بثلاثية بيضاء، قبل أن ينتزعوا الفوز في ثالث مبارياتهم على أستراليا بهدفين نظيفين، دون أن يكفيهم ذلك للعبور إلى نصف النهائي.
الإنجاز الأفريقي
تحفل سجلات المنتخب التونسي بـ17 مشاركة في بطولات أفريقيا للأمم، استطاعوا من خلالها تحقيق اللقب مرة واحدة عام 2004، إضافة إلى حلولهم في مركز الوصيف عامي 1965 و1996، وفي المركز الثالث عام 1962 (في أول ظهور لتونس في البطولة الأفريقية)، وفي المركز الرابع عامي 1978 و2000، إضافة إلى بلوغهم الدور ربع النهائي أعوام 1998، 2006، 2008، 2012، و2015، فيما اكتفوا بلعب الدور الأول أعوام 1963، 1982، 1994، 2002، 2010، و2013.
إنجاز عام 2004 تحقق على الأراضي التونسية، وعلى يد نجوم، يقودهم الفرنسي المحنك روجيه لومير، استطاعوا إسعاد الجماهير المتعطشة للانتصارات والإنجازات، حيث تصدروا مجموعتهم بعد الفوز على كل من رواندا بهدفين لهدف، والكونغو بثلاثية بيضاء، قبل أن يتعادلوا مع غينيا بهدف لمثله في آخر مباريات مجموعتهم، ليواجهوا السنغال في ربع النهائي ويتخطوها بهدف ثمين، قبل أن يتمكنوا من تجاوز العملاق النيجيري بفارق ركلات الترجيح بعد التعادل بهدف لمثله، لتحين ساعة المواجهة النهائية والتي جمعتهم بشقيقهم المغربي، في ملعب رادس الذي غص بالجماهير، التي جاءت لتشهد على أهم انتصار رياضي في تاريخ البلاد، ذلك الانتصار الذي محا خيبة النهائيين السابقين (أمام غانا عام 1965، وأمام جنوب أفريقيا عام 1996)، وأبدلها بفرح عارم بعد انتهاء المباراة بنتيجة هدفين لهدف لفائدة نسور قرطاج، الذين نجحوا أخيرًا في تدوين اسم بلادهم ضمن سجل أبطال القارة السمراء.
بطولات أخرى
على صعيد البطولات العربية، تحمل تونس لقب أول بطولة لكأس العرب عام 1963 في لبنان، كما تحمل لقب بطولة عام 1973، التي أُقيمت في ليبيا تحت مسمى (كأس فلسطين)، إضافة لإحرازها فضية مسابقة كرة القدم في دورة الألعاب العربية التي أقيمت عام 1957 ببيروت.
وعلى صعيد دورات ألعاب البحر المتوسط، أحرز النسور ذهبية مسابقة كرة القدم عام 2001 بتونس، وفضية عام 1971 بتركيا، فضلًا عن برونزيتي 1975 بالجزائر، و2013 بتركيا.
أبرز اللاعبين في تاريخ تونس
لدى الجماهير التونسية ما تتغنى به من أجيال ونجوم أضاءت في سماء قرطاج، بدءًا بنجوم أواخر الخمسينات والستينات كعبد المجيد الشتالي، الحبيب موقو، مختار بن ناصف، محمد صلاح الجديدي، عبد المجيد التلمساني، وعز الدين شقرون، ومن بعدهم ظهر نجوم السبعينات وأوائل الثمانينات، وعلى رأسهم طارق ذياب (التونسي الوحيد المتوج بجائزة أفضل لاعب أفريقي، وذلك عام 1977)، إلى جانب بقية نجوم مونديال 1978، كمحمد عقيد، تميم الحزامي، حمادي العقربي، رؤوف بن عزيزة، والحارس طارق الساسي الشهير بـ(عتوقة)، فيما لم تحمل بقية فترة الثمانينات وأوائل التسعينات الكثير من المواهب، واقتصرت على أسماء قليلة؛ كنبيل معلول، فوزي الرويسي، محمد علي محجوبي، وخالد بن يحيى.
في النصف الثاني من التسعينيات ظهرت ملامح الجيل الذهبي الذي حقق جل إنجازات نسور قرطاج، كعادل السليمي، الزبير بيا، مهدي بن سليمان، سراج الدين الشيحي، الهادي بلرخيصة، سامي الطرابلسي، حسان القابسي، علي الزيتوني، والحارس شكري الواعر، قبل أن يبرز جيل أبطال أفريقيا 2004، بمدافعين رائعين من طينة حاتم الطرابلسي، كريم حقي، خالد بدرة، وراضي الجعايدي (صاحب أكبر مشاركات في تاريخ المنتخب برصيد 105 مباريات)، ومن خلفهم الحارس علي بومنيجل، وفي الوسط كل من مهدي النفطي، قيس الغضبان، رياض بوعزيزي، وسليم بن عاشور، وفي الخط الأمامي كل من فرانسيلودو سانتوس وزياد الجزيري صاحبي هدفي نهائي رادس الشهير.
لم يتبق من ذلك الجيل في المنتخب الحالي أي لاعب، وظهرت بالمقابل أسماء جديدة، أبرزها مدافع فالنسيا الإسباني أيمن عبد النور، الذي يعد واحدًا من أفضل مدافعي العالم، ومعه نجم بوردو وهبي الخزري، وثلاثي الدوري القطري يوسف المساكني، ياسين الشيخاوي وعصام جمعة (أفضل هداف في تاريخ المنتخب برصيد 36 هدفًا)، إضافةً إلى أبرز لاعبي الدوري المحلي كصابر خليفة، علي معلول، حمزة المثلوثي، فخر الدين بن يوسف، أحمد عكايشي، وغيرهم من النجوم القادرين على إحياء ذكرى الجيل الذهبي، وإعادة نسر قرطاج للتحليق عاليًا.