إن الشغف الذي تابعت به جماهير غير تركية الانتخابات بالأمس يعطي صورة أن هذه الانتخابات لم يربحها حزب العدالة والتنمية التركي فحسب، بل إن هناك من غير الأتراك من قاسم الحزب فرحته بعودته إلى تصدر مشهد الحكم التركي منفردًا.
الجماهير العربية تابعت هذه الانتخابات بشغف شديد قد يفوق متابعة بعضهم للانتخابات التي تجري في بلادهم، وانقسمت تلك الجماهير كالعادة بين مؤيد للعدالة والتنمية وبين رافض للحزب بيد أنهم لا يملكون سويًا سوى انتظار رأي الشعب التركي، الذي جدد ثقته في حزب العدالة والتنمية وأعطاه أغلبية مريحة لتشكيل الحكومة منفردًا، وهو ما نتج عنه خسارة رهان بعض العواصم العربية والعالمية على فشل الحزب.
اللاجئون السوريون
مثلت الانتخابات البرلمانية التركية للاجئين السوريين في تركيا تحديًا كبيرًا لم يكن لهم فيه أي يد فاعلة، لذلك فإن نجاح حزب العدالة والتنمية بالأمس عده البعض انتصارًا لهم بسبب مواقف الحزب المتعاطفة مع اللاجئين.
فقرابة المليون وستمائة لاجئ سوري، وبعض التقديرات تشير إلى أن العدد غير الرسمي وصل إلى مليونين، رهنوا مصيرهم في الملاذ الآمن من الحرب بالنسبة إليهم – تركيا – بمصير حزب العدالة والتنمية، وتوجهاته التي تدعم استقبالهم في تركيا، كما تتصدى لنظام الأسد في الداخل السوري.
لا سيما وأن أي نتيجة بعيدة عن هذه ربما كانت ستؤدي إلى مصير غير محمود بالنسبة لهذا العدد الضخم من السوريين، بعد توعد حزب الشعب الجمهوري – أكبر أحزاب المعارضة التركية – بأن يعيد السوريين إلى بلادهم، كما سيعمل على تطبيع العلاقات مع نظام بشار الأسد في حال فوزه بالانتخابات.
وقد تصدى حزب العدالة والتنمية لحملة العداء التي شنتها المعارضة التركية على اللاجئين السوريين، حيث أكد قادة الحزب تمسكهم بنهجهم المتبع مع الفارين من الحرب في الجوار السوري مع استمرار فتح الحدود إليهم، وتسهيل حالة اندماجهم في المجتمع التركي، وتقديم كافة الخدمات الأساسية لهم كالتعليم والرعاية الصحية، هذا الأمر كلف الحكومة التركية التي يقودها حزب العدالة والتنمية قرابة 6 مليارات دولار حسبما أعلن خالد جيفيك، المندوب التركي الدائم لدى الأمم المتحدة.
لذلك كان من الطبيعي جدًا أن تلمس حالة القلق في التجمعات السورية قبيل هذه الانتخابات، وأن تلمس الفرحة العارمة في نفس التجمعات بعد إعلان النتيجة بالأمس، بعد تسرب شعور الأمان النسبي إليهم والاستقرار، ولو على المدى القريب، لذلك استحق السوريون أن يكونوا أبرز الفائزين في هذه الانتخابات بجانب العدالة والتنمية.
المعارضة السورية المسلحة
يمكن تصنيف بعض أطياف المعارضة السورية المسلحة في الداخل كأحد أبرز الفائزين المستفيدين من انتصار حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات، خاصة وأن توجهات حكومة العدالة والتنمية على مدار الأعوام التي تلت اندلاع الثورة السورية هي دعم أطياف مسلحة تصفها بالمعتدلة، كما تسهل ممرًا آمنًا للداخل السوري لاستقبال المقاتلين وعلاج بعضهم.
لذلك فإن أي تغير في المشهد السياسي الداخلي التركي سينعكس سلبًا على هذه الفصائل المسلحة المدعومة تركيًا بشكل كبير، كما أن توجهات تركيا بشأن زيادة الدعم العسكري للفصائل المعتدلة داخل سوريا – في وجهة نظرهم – سيتأثر بتغير تركيبة الحكم في أنقرة إذا أتت الانتخابات بغير نتيجة الأمس.
هذا الدعم الإضافي الذي تنتظره المعارضة السورية المسلحة من أوروبا يتمثل في تفعيل تصريحات وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، الذي أكد نية تركيا في السابق الدعم الجوي لحماية قوات المعارضة السورية التي تم تدريبها في برنامج قادته الولايات المتحدة على الأراضي التركية، في مشروع يهدف إلى تدريب 15 ألف جندي لقتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” داخل سوريا، ولا شك أن نتيجة الانتخابات كانت أحد العوامل المؤثرة في هذه الخطوة.
كذلك نتيجة الانتخابات التركية الإيجابية هذه ستجعل هناك متسعًا للمضي في خطوات إقامة منطقة عازلة أمنة، ستستخدم بلا شك من جانب المعارضة السورية كمركز انطلاق ضد النظام السوري، وانتصار العدالة والتنمية الأخير سيمكنه من استكمال عملية جلب التأييد السياسي الإقليمي والدولي لهذه الخطوة.
وجهة النظر السعودية في الأزمة السورية
وعلى عكس الكثير من العواصم العربية ربما باتت الرياض أمس مطمئنة بوجود حليف لوجهة نظرها في القضية السورية، حيث وصل التنسيق السياسي والعسكري في سوريا بين الأتراك والسعوديين ذروته قبيل هذه الانتخابات، ونتيجة الانتخابات الإيجابية هذه بالتأكيد معناه تصعيد هذا التعاون بين أنقرة والرياض في الملف السوري.
وجهة النظر السعودية التركية هذه تشترك في النظر إلى الأسد باعتباره تهديد للمنطقة يجب إزاحته، حيث يُنظر إلى أن هذا التحالف بين تركيا والسعودية بدأ في مارس الماضي، حينما سافر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الرياض للقاء الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، وكان الأمر بمثابة إعادة ترميم للعلاقات بين تركيا والمملكة بعد توترات في عهد الملك السابق الراحل عبد الله بن عبد العزيز.
حيث اتفق الطرفان بشكل كبير على توفير الدعم اللوجيستي، عن طريق تركيا بتمويل سعودي، إلى الفصائل المسلحة التي تمولها السعودية في الداخل، حيث أثمر هذا الاتفاق عن ظهور تحالف ميداني في الداخل السوري بين الفصائل المسلحة تحت اسم “جيش الفتح” الذي ضم العديد من الفصائل المقاتلة الإسلامية بقيادة “جبهة النصرة” المبايعة للقاعدة، وقد نجح هذا التحالف في السيطرة على محافظة إدلب ومدينة جسر الشغور، حيث تؤكد تقارير أن هذه الانتصارات تمت بعد تدخل الأتراك والتمويل السعودي الذي أمّن لجيش الفتح دعمًا لوجيستيًا واستخباراتيًا.
كذلك ترى السعودية في الأتراك بعد الانتخابات هذه حليفًا قويًا في الملف السياسي للقضية السورية بعد تدخل الروس العسكري المباشر في تركيا، ومحاولتهم الضغط على الجميع للقبول ببشار الأسد كأمر واقع في أي حل سياسي، ونجاح العدالة والتنمية وتوجهها الرافض لبقاء الأسد يمثل انتصارًا لوجهة النظر السعودية التي ستعمل مع الأتراك على تكوين جبهة رافضة للحل الروسي في سوريا.
المعارضة المصرية في الخارج
تنفست المعارضة المصرية في الخارج الصعداء بعد ظهور النتيجة بالأمس، واحتفلت في شوارع اسطنبول مع أنصار حزب العدالة والتنمية بانتصارهم، حيث خشيت المعارضة المصرية المتواجدة على الأراضي التركية، في ضيافة حكومة أوغلو ومن قبله أردوغان، من دخول تركيا في اضطراب سياسي يؤثر على موقفها الرسمي من النظام المصري، وبالتالي يؤثر على هذه المعارضة المتواجدة في تركيا.
إذ تستضيف تركيا أبرز قيادات جماعة الإخوان المسلمين في الخارج المعارضين لنظام الانقلاب العسكري في مصر، وقد قدمت تركيا إليهم دعمًا لوجستيًا كبيرًا؛ بتسهيل إقامتهم على الأراضي التركية، وإعطائهم مساحة إعلامية لإطلاق عدة فضائيات معارضة للنظام في مصر، وهو دعم ربما لا يمكن توفره في أي دولة أخرى.
كما يحرص قادة جماعة الإخوان المسلمين المتواجدين في تركيا على استمرار الدعم السياسي التركي لهم المتبني لقضيتهم الرافضة لنظام الانقلاب في مصر، بعد أن تخلى عنهم غالبية الحلفاء، وذلك مع تراجع الدعم القطري إليهم بالنظر إلى الدعم التركي.
لذلك كانت متابعة الجماعة وأنصارها للانتخابات بهذا الاهتمام الشديد أمرًا متوقعًا؛ إذ حاولت الجماعة دعم العدالة والتنمية بما تستطيعه قبيل انطلاق جولة الانتخابات، عن طريق بيان من الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين المقرب من جماعة الإخوان يؤيد حزب العدالة والتنمية ويدعو إلى انتخابه في جولة إعادة الانتخابات، وبعدما حسم الحزب الانتخابات بالأمس أصدر مكتب الإخوان المسلمين المصريين المتواجدين في الخارج تهنئة مبكرة للغاية تنم عن شغل الانتخابات التركية حيزًا كبيرًا من تفكيرهم، نظرًا لحساسية موقفهم في تركيا وارتباطه بتوجه حزب العدالة والتنمية.
القضية الفلسطينية
تابع الفلسطينيون الانتخابات التركية باهتمام بالغ أيضًا، وعدّوا أنفسهم منتصرين مع العدالة والتنمية بعد ظهور النتيجة التي تعني استمرار أكبر الداعمين الدوليين السياسيين للقضية الفلسطينية في الوقت الحالي، بعد أزمات المنطقة التي أدت إلى تخاذل عربي أمام سطوة دولة الاحتلال الإسرائيلي.
كما كانت غزة أحد أبرز الفائزين من هذه الانتخابات ونتيجتها أيضًا؛ حيث تلعب تركيا دورًا بارزًا في دعم القطاع وحركة حماس الحاكمة له، والتي تتمتع بعلاقات مميزة مع الجانب التركي المحتضن لها في الفترة الأخيرة، إذ تنسق القيادة السياسية للحركة مع الجانب التركي في العديد من المواقف وتحظى بقبول كبير في الشارع التركي بفضل توجهات حزب العدالة والتنمية الحاكم.
ولم تكن تتحمل الحركة تغير هذا المشهد في الوقت الراهن بعدما فقدت الحركة حليفًا إقليميًا مهمًا كمصر بفعل انقلاب الجيش على الرئيس السابق محمد مرسي، وهو ما يعني حاجة الفلسطينيين بشكل عام وحركة حماس بشكل أخص إلى الاستقرار السياسي في تركيا الذي ينعكس على دعم قضيتهم.
هؤلاء يعدوا أبرز الفائزين بجوار العدالة والتنمية وأنصاره وقياداته، حيث خاضوا المعركة الانتخابية معهم لكن بلا تأثير أو يد فاعلة في الأمر، متعلقين بآمال استمرار الحزب في قيادة تركيا بتوجهاته الخارجية الداعمة لهم، وقد كانوا يتحضرون لمأزق كبير في حال استمرار الحالة الرمادية في الحكم داخل تركيا، إلا أن هذه النتيجة ضمنت لهم استمرار توجهات تركيا على ما هي عليه نسبيًا بل مع رفع سقف التوقعات بزيادة الدعم التركي لهم.