أبرز نشر حيثيات حكم محكمة النقض المصرية إلغائها لقرار النائب العام الصادر أواخر مارس الماضي الذي وضع حينها عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب عدة مفاجآت، القرار الصادر عن محكمة النقص اعتبر قرار النائب العام السابق هشام بركات الصادر برقم 1 لسنة 2015 لغوًا لا أثر له، وسلبًا لسلطة الدائرة الجنائية المختصة بـ “استئناف القاهرة” التي تنظر القضية المتهمين فيها.
الحكم الصادر بعدم جواز نظر طعن مرشد جماعة الإخوان محمد بديع ونائبه خيرت الشاطر والمرشد السابق محمد مهدي عاكف و15 آخرين من قيادات الجماعة على قرار النيابة العامة رقم 1 لسنة 2015 بإدراجهم على قائمة الإرهاب، لا يعتبر تأييدًا لاستمرار إدراج قيادات الإخوان على القائمة كما نُشر حينها على عدد من وسائل الإعلام، وإنما المفاجأة أن المحكمة لم تعتد أصلًا بقرار النيابة واعتبرته منعدم الأثر.
ووفقًا لما نشرته جريدة الشروق المصرية مؤخرًا من حيثيات الحكم الصادر في مطلع سبتمبر الماضي فإن المحكمة اعتبرت النيابة ارتكبت خطأ قانونيًا بإصدار قرار إدراج 18 من قيادات جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب استنادًا لحكم القضية المعروفة إعلاميًا باسم “أحداث مكتب الإرشاد”.
وبهذا يعتبر كل ما ترتب على وضع عدد من قيادات جماعة الإخوان المسلمين على قائمة الإرهاب من إجراءات لاغٍ، سواء أكان بسحب جوازات السفر الخاصة بقيادات الجماعة، أو قرارات التحفظ على أموالهم، وكذلك يمكن اعتبار كافة البلاغات المقدمة إلى الإنتربول الدولي بناء على ذلك القرار غير قانونية.
ويشمل ذلك كلٍ من: “مرشد الجماعة محمد بديع، ونوابه محمد خيرت الشاطر، ومحمد رشاد بيومي، ومحمود عزت، وكذلك المرشد السابق للجماعة محمد مهدي عاكف، وأيضًا البرلماني عصام العريان وكذلك محمد البلتاجي، بالإضافة إلى وزير الشباب السابق أسامة ياسين وكذلك مصطفى عبدالغني فهمي، وعبدالرحمن محمد عبدالحكيم، وعاطف عبدالجليل عباس، ومحمد عبدالعظيم محمد، ومحمد سعد توفيق، وأيمن عبدالرءوف، وحسام أبو بكر، وأحمد محمود، ومحمود أحمد أبوزيد، ورضا فهمي خليل”.
المحكمة أوضحت أن قرارها جاء بناءً على عدم اتباع النائب العام السابق هشام بركات للقانون حينما أصدر قراره، وقالت: “الطعن أقيم في 28 مايو الماضي على قرار النيابة العامة الذي صدر في 29 مارس الماضي، ورغم أن الدفاع قدمه في الميعاد القانوني المحدد بالمادة 34 من قانون حالات وإجراءات الطعن بالنقض، إلا أن هذا الإجراء شابته مخالفة للمادة ذاتها، حيث أودع الدفاع الأسباب التي بنى عليها الطعن، لكنه لم يقدم تقريرًا بالطعن بالنقض”، وهو ما يجعل الطعن غير مقبول شكلًا.
هذا وفندت المحكمة في عدة نقاط ما يوضح ذلك، إذ قالت إن المشرع قصر دور النيابة على مجرد إعداد قائمتي الكيانات الإرهابية والإرهابيين التي تدرجت عنها هذه الكيانات، وأضافت أنه على إثرها قررت الدائرة المختصة بمحكمة جنايات القاهرة إدراجهم في القائمة، وأوضحت أنه بنظرها لنصوص المواد 2 و3 و6 من القرار بقانون 8 لسنة 2015 فإنه اتضح أن المشروع أناط اختصاص نظر طلبات الإدراج على القائمتين والفصل فيها، بدائرة أو أكثر من دوائر الجنايات بمحكمة استئناف القاهرة، منعقدة في غرفة مشورة، ولها أن تنظر طلبات الإدراج بقرار مسبب خلال 7 أيام بسلطة الفصل المخولة إليها.
فيما اعتبرت المحكمة هذا النص مطلقًا دون قيد وعامًا بغير تخصيص، ما يفتح المجال لتلك الدائرة على وجه الخصوص أو الدوائر الأخرى لتكون الجهة الوحيدة المخولة بنظر طلبات الإدراج على قائمتي الإرهاب، حتى في الحالات التي ترى النيابة إدراجها لسابقة صدور أحكام جنائية نهائية أسبغت وصف الإرهاب على كيانات بعينها أو متهمين بعينهم، وأوضحت أن دور النيابة العامة يقتصر على إعداد القائمة.
المحكمة أجازت في حيثيات حكمها للنيابة العامة تقديم طلبات لإدراج متهمين أو كيانات في قائمة الإرهاب إلى الدائرة الجنائية المختصة باستئناف القاهرة، وأكدت أن تلك الدوائر هي الوحيدة من تملك قرار الفصل في طلب النيابة حسب تقديرها، واعتبرت قرار الدائرة الجنائية المختصة بالإدراج في قائمتي الإرهاب بمثابة قضاء، لا يصح إصداره من غير المختص به، كما لا يحل للنيابة العامة سلب تلك السلطة من القضاء.
وبهذه الأسباب التي عرضتها وفندتها المحكمة في حيثيات حكمها أكدت أن سلطة الادعاء “النيابة العامة” مارست عملًا خارج سلطتها هو من دور القضاء وحده، وأوضحت أن القرار الصادر من النائب العام السابق لا يجوز الطعن عليه لأنه غير جائز بالأساس، مضيفةً أن القانون يجيز الطعن فقط على قرار الدائرة الجنائية المختصة بالإدراج أمام الدائرة الجنائية بمحكمة النقض سواء من ذوي الشأن أو النيابة العامة، مستندة في ذلك إلى المادة 6 من قانون الكيانات الإرهابية.
رغم أن محكمة النقض لم تقبل النقض المقدم من دفاع المتهمين من الناحية الشكلية، بيد أنها نظرت فيه لعدم جواز قرار النائب العام السابق، إذ أقرت المحكمة أن النظر في شكل الطعن المقدم لها يكون بعد الفصل في جواز الحكم الصادر أولًا.
كما أن عدم تأييد محكمة النقض للنيابة العامة في كل قرارتها الصادرة بحق معارضي النظام الحالي من جماعة الإخوان المسلمين بكوادرها وأعضائها إلى الحركات الشبابية يعد دليلًا ملموسًا على تسييس النيابة العامة لقراراتها بما يوافق رغبة النظام الحالي الحاكم في مصر؛ ما يفتح مجالًا لإعادة النظر في العديد من القرارات الإدارية التي صدرت في العامين الماضيين من قِبل السلطات الأمنية والتنفيذية، من بينها قرارات اعتبار جماعة الإخوان المسلمين إرهابية والتي يُحاكم على إثر ذلك القرار آلاف من أعضاء الجماعة، حيث إن جل تلك القرارات مبينية على أحكام صادرة من جهات غير مختصة.