حاولت روسيا في محادثات فيينا الأخيرة المتعلقة بالوضع السوري أن ترسم لمصر دورًا أكبر في الملف السوري وأن تضع حليفًا لها آخر على طاولة المفاوضات بجانب إيران، محاولةً تمرير مشروع يبدو سياسيًا، جوهره وضع الأسد عنوة على الخارطة السورية بعدما كان قاب قوسين أو أدنى من مفارقتها، وذلك عبر طلب روسي رسمي من مجموعة الدول الفاعلة بالشأن السوري استدعاء مصر إلى هذه المحادثات.
تعتبر روسيا أنه يمكن أن يكون لمصر دورًا أكبر مما هي عليه الآن في الأزمة السورية، بحيث لا تكتفي بدعم نظام الأسد خفية، إذ ترى أنه يمكن إدخال مصر على خط دعم وجهة النظر الروسية في حل القضية السورية بشكل علني وأكثر حيوية، وهو ما يُعرف بصناعة المحور الروسي في سوريا.
هذا المحور تدعمه الإمارات بالطبع وأقنعت روسيا الأردن بأن تدخل فيه عن طريق تنسيق عسكري مشترك، وتنتظر روسيا من النظام المصري شراكة أكبر فيه، لتحشد روسيا نفوذها الإقليمي بجانب النفوذ الإيراني لتعديل كفة الصراع السوري لصالحها بعد التدخل العسكري المباشر، بحيث تضمن وضعًا آمنًا لمصالحها الإستراتيجية في سوريا مع أي تسوية قد تُفرض في الوقت اللاحق.
وبالتأكيد ستدخل مصر إلى المحور الروسي في سوريا عبر بوابة مكافحة الإرهاب وهي نفس البوابة التي دخلت منها الإمارات والأردن، والتي ترى أولوية قتال الفصائل الإسلامية المسلحة المعارضة للأسد، وهو النفس الشيء الذي تفعله القوات الروسية على الأراضي السورية، حيث يمكن اعتبار هذه الفصائل هي الأقوى على الأرض والأخطر على نظام الأسد.
فروسيا بتدخلها العسكري المباشر في سوريا وجهودها الدبلوماسية دوليًا تحاول فرض أمر واقع على كافة الدول المعنية بالأزمة، بالعمل على صياغة مشروع سياسي يأخذ شكل الحل في سوريا وفي نفس التوقيت يضمن مصالحها، هذا المشروع يتضمن بقاء الأسد كورقة ضغط في يد الروس لتسوية هذا الملف بأقل الخسائر، وهذا المشروع يتم تحضيره الآن من قِبل المحور الروسي العربي لتقديمه إلى بقية الدول المؤثرة في الشأن الروسي.
تُعرض وجهة النظر الروسية هذه على الدول الرافضة لبقاء الأسد وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وتركيا وبعض الاتجاهات الغربية بأن يتم احتواء الأسد ضمن عملية سياسية شاملة تحتضن المعارضة العلمانية والفصائل المسلحة المستأنسة من قبل الروس والغرب، بعد ذلك ينسحب الأسد من السلطة بخروج آمن، وفيما يتعلق بنقطة الخلاف المتمحورة حول الجيش، فإن الروس يرون أن يتم دمج الفصائل المسلحة المدعومة غربيًا في الجيش السوري تحت قيادة جديدة.
هذا العرض يبدو وأن الروس يريدون استغلال العلاقات المصرية الخليجية لتمريره أو بالتحديد العلاقات المصرية السعودية، إذ تحدث موقع “أورينت24” عن تسريب لم يتسن لنا التأكد من صحته يتحدث عن استقبال النظام المصري ممثلين عن قادة فصائل مسلحة في الداخل السوري، من بينهم قائد جيش الإسلام وممثلين عن حركة أحرار الشام والجبهة الإسلامية، وأيضًا عددًا من كبار الضباط المنشقين عن النظام، في دعوة رسمية وجهتها وزارة الخارجية المصرية، وبطلب فرنسي سعودي قطري ودولة خليجية أخرى.
على فرضية صحة هذا الخبر ووفقًا للتوجه الروسي الداعم لدور مصري فاعل في القضية السورية، فإن مصر قد تقلدت بذلك دورًا جديدًا على الساحة السورية، يقضي بالمساهمة في صياغة المشروع الروسي هناك، حيث حل النقطة الخلافية في مشروع الحل السياسي المطروح الذي تتحدث عن الجيش والأجهزة الأمنية.
فبحسب الخبر الوارد فإن الاجتماع ناقش وضع هيكلية جديدة، لتشكيل مجلس عسكري أعلى في سوريا، يضم جميع الضباط المنشقين عن النظام، بالإضافة لضباط أسموهم بـ “المقبولين”، من الذين يعملون مع النظام حتى هذه اللحظة.
وتضمن المشروع استبعاد مايقارب 100 ضابط من النظام، ممن ثبت تورطهم بمجازر ضد الشعب السوري، وحل الفرقة الرابعة والحرس الجمهوري، وضم عناصرهم وضباطهم إلى الجيش النظامي، بالإضافة إلى حل المخابرات الجوية، والمخابرات العسكرية (الأمن العسكري) وإنهاء خدمتهم العسكرية، ومحاكمة الضباط المتورطين في جرائم حرب، بالإضافة إلى حل الأمن السياسي، وضم عناصره إلى وزارة الداخلية وحل جميع مليشيات الدفاع الوطني، وسحب السلاح منهم، ويتم الإبقاء على أمن الدولة، كجهاز أمني، غير مرتبط بشؤون المدنيين، وتقتصر مهامه على الأمور العسكرية وما يخص أمن البلاد.
وفيما يتعلق بالفصائل المعارضة المسلحة ناقشت الاجتماعات دمج فصائل الجيش الحر مع قوات النظام، ووضعهم تحت تصرف المجلس العسكري الأعلى، وتكون النسبة الأكبر لفصائل الثوار، وقد أوردت أورينت أن الاجتماعات أمنتها المخابرات العامة المصرية، وكذلك نقلت تعهد وزير الخارجية المصري سامح شكري بنقل نتائج الاجتماعات إلى نظيره الروسي سيرغي لافروف.
ثمة ثغرات لنقد هذه الرواية التي نشرها موقع أورينت 24 نقلًا عن مصادر أسماها “عربية مطلعة”، وأبرز هذه الثغرات العداء المصري للمعارضة السورية لا سيما الإسلامية منها، حيث إن حركة أحرار الشام التي ادعت هذه الرواية حضورها اجتماعًا تنسيقيًا في قلب القاهرة مصنفة كحركة إرهابية من قِبل النظام في مصر، ومن غير المنطقي حضور ممثلًا عنها إلى القاهرة بهذه السهولة.
كما أن النظام المصري يتحفظ بشكل عام على التعامل مع المعارضة السورية السياسية فضلًا عن العسكرية، فقد رفضت القاهرة حضور ممثل عن المعارضة السورية بطلب سعودي في القمة العربية الأخيرة التي عقدت في مصر، وفضلت القاهرة أن يظل مقعد سوريا شاغرًا.
أما البعض الآخر رأى في هذه الرواية منطقًا متماشيًا مع التوجه العام لمصر وروسيا تتماهى معه السعودية مؤقتًا في محادثات فيينا دون إبداء مؤشرات رفض أو قبول، حيث محاولة صياغة مشروع متكامل لإقناع السعودية بتعديل موقفها من الأسد، لكن حتى اللحظة لم تبد السعودية أي تجاوب مع هذا الطرح، ويبدو أن السعودية تركت الروس ومحورهم العربي المشكل حديثًا يتلاعبون بالأوراق لحين فراغ الحليف التركي من أزمته الداخلية المتمثلة في الانتخابات البرلمانية، وها قد تفرغ الأتراك بعد تجاوز الاضطراب السياسي الداخلي، وفيما يبدو ينتظر السعوديون حضورهم بقوة لرفض مثل هذه التحركات الروسية العربية وإعلان موقف أكثر صرامةً من مسألة بقاء الأسد والحل السياسي بشكل عام.
وبعيدًا عن دقة هذا الخبر المتدوال وتفصيلاته التي يصعب الجزم بها، لا نستبعد أبدًا أن تلعب مصر دورًا أكثر حيوية في المسألة السورية سواء كان بدافع روسي أو غيره، فربما يوكل إليها مهمة إقناع السعوديين باتخاذ مواقف أكثر ليونة أمام الحلول السياسية المطروحة، لكن مع عودة الأتراك إلى الحليف السعودي بقوة يُعتقد أن المهمة المصرية ستكون أعقد في هذا الصدد.
وبهذا يمكن القول أيضًا إن مصر لن تكتفي بدور المشاهد في الصراع السوري أو الداعم الخفي لنظام بشار، وإنما سيوكل إليها مهمات أخرى بجانب ذلك سيكون غالبيتها دبلوماسية سياسية، ولا يستبعد أن تحاول الاستحواذ على جزء من المعارضة السورية العلمانية، بحيث لا تترك الساحة فارغة للغريم التركي، وهو نفس الأمر الذي يعمل عليه الروس في ذات الآونة داخل سوريا بحيث تستقطب مجموعات مسلحة تصفها بالمعتدلة تدعم بها موقفها الميداني في سوريا.