ترجمة وتحرير نون بوست
كما هو الحال مع زملائها في جميع أنحاء العالم الغني، تتخوف رئيس بلدية بالتيمور، ستيفاني رولينجز بليك، من اللاجئين الذين أرسلوا لمدينتها من قِبل المسؤولين الفيدراليين، حيث تشمل حصة المدينة هذه السنة، ولأول مرة، بضع مئات من اللاجئين السوريين، ولكن القلق الأكبر، والأقل انتشارًا، الذي يرواد السيدة رولينجز، يتمثل بخوفها من عدم استقرار سوى عدد قليل جدًا من اللاجئين ضمن بلدتها.
بالتيمور، التي كانت ميناءً مزدهرًا ومدينة صناعية فاعلة، فقدت ثلث سكانها منذ عام 1950، وانخفض تعدادهم إلى حوالي 622.000 نسمة، وكغيرها من مدن الشمال الشرقي، عانت بالتيمور من إرهاصات التدهور الاقتصادي، وتقلص وارد الضرائب، والتركة المسمومة للقوانين العنصرية التي حشدت السكان السود في مناطق اُبتليت بالتعليم السيء وانتشار الجريمة.
استطاعت مشاريع التجديد الحضري استقطاب السياح والمهنيين إلى بعض المناطق بعد عقود من فرار السكان البيض، ولكن مشروع رولينجز المفضل، المتمثل باستقطاب 10.000 أسرة جديدة إلى بالتيمور، يبقى حلمًا بعيد المنال.
لأكثر من عقد من الزمان، تم استخدام أكبر مدينة في ولاية ميريلاند كمدخل للاجئين إلى أمريكا، فرغم إرسال الوكالات الفيدرالية التي تعمل تحت قيادة وزارة الخارجية لحوالي 700 إلى 800 لاجئ في كل سنة خلال السنوات الأخيرة منحدرين من الأماكن المضطربة كنيبال والعراق وأريتريا، إلا أن حول ثلثي هذا العدد ينتقل من المدينة بعد بضع سنوات، مسترشدين بشبكات الأهل والأقارب الذين بنوا حياتهم في أماكن أخرى.
رئيس البلدية تريد للاجئين أن يبقوا في المدينة، وفي سبتمبر الماضي انضمت إلى 17 رئيس بلدية آخر للإشادة بقرار الرئيس باراك أوباما بقبول حوالي 10.000 لاجئ سوري في العام المقبل، وحثه على قبول أعداد أكبر من ذلك، حيث أوضحت رولينجر بأن الترحيب بالغرباء هو أكثر من مجرد مسألة خيرية، فاللاجئون يتمتعون بمرونة استثنائية، “إنهم يريدون حياة أفضل لهم ولأبنائهم، وإنهم على استعداد للعمل من أجل ذلك”، قالت رولينجز.
في عام 2014 افتتحت السيدة رولينجز مكتب العمدة للهجرة وشؤون الثقافات المتعددة، وخولته سلطة لإنقاذ الوافدين الجدد من متاهات البيروقراطية، حيث يستطيع المكتب مثلًا إخبار الوكالات المدنية عن الأسباب الوجيهة لافتقار اللاجئين لشهادات الميلاد، كما أن مدينة بالتيمور توفر مساعدة خاصة اللاجئين للتدريب على العمل، وفي هذا العام قامت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC)، وهي مؤسسة خيرية تمولها الحكومة لمساعدة اللاجئين للاستقرار في 26 مدينة أمريكية، بإطلاق خطة لمساعدة عملائها على شراء المنازل في بالتيمور.
أدوتي أكوي، ناشط في مجال حقوق الإنسان من توغو، طلب اللجوء في أمريكا عام 2005، وكان واحدًا من أوائل مشتري المساكن التابعين للجنة الإنقاذ الدولية “IRC”، السيد أكوي هو عبارة عن محرك دينامو بشري، فبعد سنوات من عمله في قيادة سيارات الأجرة، باشر بكتابة كتب للأطفال، والعمل على برنامج يعلم المهاجرين أسس إعادة تدوير القمامة، كما أسس مجموعة مجتمعية لتحسين العلاقات بين الأمريكيين السود والوافدين الأفارقة.
أكوي أيضًا ينتظر حصوله على براءة اختراع لاختراعه لافتة “عبور طلاب مدارس” جديدة تضم أضواءً وأجراسًا، وللعثور على منزله الجديد الذي يقع في شارع هادئ في حي فرانكفورد، استقل أكوي جولات الحافلة المجانية التي تنطلق من أمام مجلس المدينة، والتي تهدف إلى تعريف الوافدين على زوايا مدينة بالتيمور، وعرضت المدينة عليه منحة لتغطية مبلغ التأمين الذي يجب عليه وضعه لشراء المنزل، وهو الأمر الذي توفره المدينة لجميع الوافدين الذين يبدون استعدادهم للبقاء لمدة خمس سنوات على الأقل في المدينة، وبعد أن أظهر أكوي سجلًا مبهرًا في توفير المال، عرضت عليه لجنة الإنقاذ الدولية “IRC” منحة منفصلة لتغطية تكاليف صفقاته التجارية، فضلًا عن إعطائه دروسًا مجانية لمحو الأمية المالية.
بالمجمل، تلقى أكوي مبلغ 16.000 دولار لمساعدته في شراء منزله البالغ سعره 155.000 دولار، ولكن المساعدات النقدية ليست الإغراء الأساسي الذي يستقطب اللاجئين الذين يصلون إلى أمريكا، فأعظم مكافأة يأخذونها تتمثل بإعطائهم الحق الفوري بالعمل، يليها فتح المجال القانوني أمامهم لاستصدار الإقامة الدائمة التي تخول حاملها للحصول على الجنسية الأمريكية في نهاية المطاف.
المدفوعات الفعلية التي يقدمها نظام الرعاية الاجتماعية تعد صغيرة، فاللاجئ البالغ الذي يأتي إلى بالتيمور يتلقى مبلغ 1125 دولار من الحكومة الاتحادية لدى وصوله، ومن ثم يتلقى مزايا تقدمها الولاية على المدى القصير بالإضافة لمبلغ 288 دولار بالشهر، هذه المزايا، والتي تشمل تأمينًا صحيًا مؤقتًا، تتوقف الولاية عن تقديمها بعد ثمانية أشهر على الأكثر، بل تعمد الولاية أحيانًا للطلب من اللاجئين سداد القروض التي تم دفعها لتغطية مصاريف قدومهم إلى أمريكا.
“الرسالة التي يتم توجيهها للاجئين تتمثل بوجوب إيجادهم للعمل ودفع فواتيرهم”، يقول روبن تشاندراسيكار، رئيس مكتب IRC في بالتيمور، ولكن القليل من اللاجئين بحاجة لأن يتم دفعهم إلى العمل، فهم “يعرفون إحساس فقدان المنزل، لذا فإن أول فاتورة يدفعونها هي إيجار المنزل” يقول تشاندراسيكار، ومن ثم يحاول الوافدون الجدد اتباع إستراتيجية توفير كبيرة لإدخار بعض المال.
في بالتيمور، يتم إهدار الكثير من المواهب، فاللاجئون الحاصلون على شهادات متقدمة يعملون كحراس لمواقف السيارات أو يدفعون الكراسي المتحركة في مطار بالتيمور، ولكن مع ذلك، لا يزال لدى المدينة الكثير لتقدمه، فمنازلها أرخص من سعر المنازل في واشنطن، والتي تبعد عن بالتيمور مدة ساعة إلى الجنوب، وعلى عكس العديد من الضواحي، تقدم المدينة وسائل النقل العام، وتختلف مشارب سكانها بشكل كبير، وهذا التنوع يبعث على الراحة ويشكل نعمة اقتصادية كبيرة، لأن التنوع يوفر الأسواق المتخصصة للأعمال الصغيرة، فمثلًا بالتيمور الآن تضم محلات بقالة نيبالية، وخدمة سيارات متخصصة بنقل لاجئي دارفور إلى أعمالهم.
إسكات مثيري الذعر
هذا لا يعني بأن أمريكا هي جنة طالبي اللجوء، فالبلاد قبلت حتى الآن 70.000 لاجئ في السنوات الأخيرة، ويكفي لنا لنتبين ضآلة هذا العدد أن نقارنه بالمليون ونصف المليون لاجئ الذين قد تستقبلهم ألمانيا في هذه السنة وحدها.
اللاجئون في أمريكا ليسوا موضع ترحيب من الجميع، فكما يقلق العديد من الأوروبيين بشأن تقاسم أنظمة الرعاية الاجتماعية السخية، يخشى الكثير من الأمريكيين تسلل الإرهابيين إلى بلادهم، حيث شهدت بعض الولايات المحافظة، مثل ولاية كارولينا الجنوبية، اجتماعات عامة غاضبة حول اللاجئين السوريين في بلدات لم تستقبل أي لاجئ سوري حتى الآن.
كأس البطولة لمثيري الذعر بين السكان الأمريكيين يذهب بجدارة إلى دونالد ترامب، رجل الأعمال والمرشح الجمهوري للرئاسة، ففي حال انتخابه، قدم ترامب وعودًا بطرد جميع اللاجئين السوريين في حال اختباء المتطرفين الإسلاميين ضمنهم، حيث أشار إلى أن طالبي اللجوء قد يكونون “أعظم حصان طروادة وُجد في جميع العصور”، رغم أنه في الواقع، يتم فحص اللاجئين أمنيًا من قِبل العديد من وكالات الاستخبارات والأمن الأمريكية لمدة 18 شهرًا أو أكثر، حتى أن ديفيد ميليباند، وزير الخارجية البريطاني السابق الذي يترأس لجنة الإنقاذ الدولية، قال ساخرًا بأن فحص الوضع الأمني هو الطريق الأكثر صعوبة للاجئين للوصل إلى أمريكا، عدا الطريق الذي ينطوي على السباحة عبر المحيط الأطلسي للوصول إليها.
بالتيمور وغيرها من المدن ما بعد الصناعية لا يمكنها أن تمتص جميع اللاجئين، ولكنها مع ذلك تُؤكد بأنه بالنسبة لهذه الأماكن القاحلة، الترحيب بالغرباء ليست مسألة لطف مجرد، فإذا تم تنفيذ ذلك بالشكل الصحيح، استضافة اللاجئين وتأمينهم بملاذات آمنة، قد يكون من أكثر أعمال المصلحة الذاتية حكمة.
المصدر: الإيكونوميست