قررت الهيئة التأسيسية لحركة نداء تونس في نهاية اجتماعها مساء أمس الثلاثاء بمقر الحزب بضفاف البحيرة في العاصمة تونس، الإبقاء على اجتماعها مفتوح على أن تعقد جلسة أخرى يوم الخميس القادم 12 نوفمبر 2015 للحسم في موعد انعقاد المؤتمر التأسيسي للحزب.
وأرجع أعضاء الهيئة التأسيسية الموالين لنائب رئيس الحزب حافظ قائد السبسي هذا القرار لفسح المجال للمساعي التوافقية وإلى ضرورة القيام بمزيد من المشاورات مع الأطراف المقاطعة لهذا الاجتماع ورأب الصدع الموجود بينهم، في إشارة إلى الأمين العام للحزب محسن مرزوق ومن والاه.
وفي مقابل ذلك هاجم قياديون موالون لمحسن مرزوق الأمين العام للحزب هذا الاجتماع ومنظميه، حيث قال النائب في البرلمان عن نداء تونس أحمد الجلاد في هذا السياق “لا سبيل أن تقرر مجوعة من 9 أعضاء مصير حزب حاكم”.
وقاطع 6 من أعضاء الهيئة التأسيسية وعلى رأسهم الأمين العام للحزب محسن مرزوق هذا الاجتماع باعتبار الهيئة “غير شرعية ومنحلة” حسب وصفهم، رغم استدعائهم من طرف حافظ قائد السبسي عن طريق عدل منفذ، الأمر الذي اعتبره مرزوق وجماعته إهانة واستهتار من قِبل “الانقلابيين”.
وكان رئيس حركة نداء تونس بالنيابة محمد الناصر (رئيس البرلمان) قد صرح في وقت سابق أن الهيئة التأسيسية هي الهيئة الشرعية الوحيدة للحزب إلى حين انعقاد مؤتمره وأن قراراتها نافذة وعلى الجميع تطبيقها.
تصريحات وتصريحات مضادة تؤكد عمق الأزمة داخل أروقة الحزب الأول في تونس، وصلت إلى حد قيام أحداث عنف خطيرة خلال محاولة عقد اجتماع طارئ للمكتب التنفيذي للحزب (الموالي لمحسن مرزوق) الأحد الماضي، حيث شهد اجتماع المكتب التنفيذي لحزب نداء تونس يوم الأحد الماضي في مدينة الحمامات، أحداث عنف واستعمال للهروات وتشابك بالأيدي بين أنصار حافظ قائد السبسي وأنصار محسن مرزوق وصلت إلى حد تهشيم مدخل النزل وحدوث العديد من الإصابات بين الحاضرين ومنع بعض القيادات من دخول قاعة الاجتماع.
الأمر الذي جعل حوالي 30 نائبًا له داخل البرلمان يعلنون نيتهم تأسيس حزب آخر وكتلة أخرى داخل البرلمان إذا استمر الحال على ما هو عليه الآن، معتبرين أن “مليشيات مدفوعة الأجر” أرسلها حافظ قائد السبسي لتخريب اجتماع المكتب التنفيذي لحزبهم.
تصريحات اعتبرها الرئيس السابق لنداء تونس الباجي قائد السبسي (الدستور التونسي يحتم استقالة رئيس الجمهورية من منصبه الحزبي) بمثابة خيانة مؤتمن وأنها أخطر من الأحداث التي جدّت يوم الأحد في مدينة الحمامات خلال محاولة انعقاد اجتماع المكتب التنفيذي للحزب (الشق الموالي لمحسن مرزوق)، بالإضافة إلى كونها تمثل خطرًا كبيرًا على استقرار البلاد والاستقرار السياسي.
الملاحظ هنا أن أزمة الحزب في تونس ما فتئت تتسع رغم محاولات رأب الصدع المتكررة والتي كان آخرها يوم الإثنين حين دعا رئيس الجمهورية ومؤسس الحزب الباجي قائد السبسي نواب الحزب داخل البرلمان للالتحاق بقصر قرطاج والاجتماع معه للتباحث وإيجاد الحلول للأزمة التي يمر بها الحزب، اجتماع حضره أكثر من 50 نائبًا من الموالين لحافظ قائد السبسي وقاطعه النواب الموالين لمحسن مرزوق، معتبرين أن مؤسسة الرئاسة مساهمة في الصراع وتدعم طرف دون آخر في إشارة إلى شق السبسي الابن.
وأمام تكرر الأزمات وازدياد حدتها داخل حركة نداء تونس يرى عديد من الملاحظين أن الصراع بين شقي الحزب المتنازعين دخل مرحلة جديدة أسماها البعض بـ “مرحلة اللاعودة” وأن انقسام الحزب بات وشيكًا، خاصة أنه لا يوجد قاسم مشترك بين مكونات هذا الحزب؛ فهو بدأ هجينًا لا هوية سياسية له سوى عداء حركة النهضة الإسلامية والرغبة في الوصول إلى السلطة، فالنداء ضم في بداية تكوينه منتصف 2012 يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين ومستقليين، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى إنفك العقد لدقة خيطه حسب رأيهم؛ فانقسم النداء إلى شقين: أول يتزعمه نائب رئيس الحزب حافظ قائد السبسي المسيطر على الهياكل والمكلف بإدارتها وإلى جانبه العديد من القيادات الأخرى من ذلك رؤوف الخماسي عضو المكتب السياسي المكلف بالتونسيين بالخارج، والنائب في البرلمان خميس قسلية والعديد من الوزراء في حكومة الحبيب الصيد ، وشق ثانٍ بزعامة الأمين العام للحركة محسن مرزوق والوزير المستقيل الأزهر العكرمي.
ويرى عديد من المراقبين أن تدارك الوضع داخل الحزب الأول في البرلمان التونسي يستلزم الإسراع بعقد مؤتمر الحزب التأسيسي في أقرب وقت رغم استحالته في الوقت الراهن، مع ضرورة وضع خارطة طريق واضحة المعالم وموحدة الرؤى والمواقف بين مختلف قيادات الحزب من الشقين والمشارب لتجنب مصير مجهول العواقب للحزب وللمشهد السياسي العام للبلاد فحن أمام أزمة يمكن أن تعصف بالحزب الحاكم في البلاد.