تواصلت عمليات الطعن واستهداف الجنود والمستوطنين الإسرائيليين رغم الإجراءات الأمنية المكثفة والمحاولات المستمرة لتهدئة الأوضاع سياسيًا وشعبيًا، حتى أن السماح للفلسطينيين من الأعمار كافة بدخول المسجد الأقصى والصلاة فيه لم يعطِ الشبان إلا مزيدًا من الاندفاع لهذه العمليات تأكيدًا على قوتها في فرض الواقع الذي يريدونه.
لكن هذه الانتفاضة ومع تصاعد أحداثها، بدأت تصطدم بمنعطفاتٍ خطيرة تواجه استمرارها وقوتها على التأثير، وفي هذا التقرير أرصد أهم هذه المنعطفات:
أولًا: الإعدامات الميدانية للشبان
شهدت الأيام الماضية إعدامات ميدانية واضحة للعيان قام بها جنود الاحتلال الإسرائيلي بحق شبان فلسطينيين بحجة محاولتهم تنفيذ عمليات طعن ضد المستوطنين أو الجنود الإسرائيليين، وقد بدا واضحًا أن القتل أو الاستهداف كان متعمدًا وفوريًا، وعلى الرغم من أن الصور التي ينشرها إعلام الاحتلال لهؤلاء الشبان تظهر وجود سكين بجوارهم، إلا أن صورًا أخرى من زوايا أخرى للحادث كانت تثبت أن وضع السكين بجوار الشبان كان متعمدًا وبفعلة فاعل، وهو إن دل فإنما يدل على نيّة متعمدة للقتل وتزييف الأحداث من خلال اتهام هؤلاء الشبان المقتولين بمحاولة تنفيذ عمليات طعن.
وقد وصف المحلل السياسي الدكتور فايز أبو شمالة هذه الظاهرة الجديدة التي رافقت أحداث الانتفاضة مؤخرًا بالقول “إنها سياسة إسرائيلية تقوم على نشر الخوف، وتعميم ظاهرة الرعب بين الشباب الفلسطيني ومحاولة للردع وشل يد الفلسطينيين عن المقاومة ونقل حالة الرعب التي يعيشها الإسرائيلي إلى نفوس الفلسطينيين”، لكنه في المقابل يعتبر أن “النتائج التي تطل علينا حتى اليوم تؤكد أن الشباب الفلسطيني لا يرتدع ولا يخاف، ويقدم على الموت ببأس شديد، وهذا ما انعكس بمزيدٍ من الرعب على الإسرائيليين الذين صاروا يطلقون النار على أنفسهم، وزملائهم من شدة الرعب”.
ثانيًا: فقدان القيادة الموحدة
وعلى الرغم من دخول هذه الانتفاضة شهرها الثاني، واتساع رقعة أحداثها حتى وصلت إلى نقاطٍ كثيرة داخل الضفة الغربية والقدس وحتى داخل الأراضي المحتلة عام 48 وعلى حدود قطاع غزة، إلا أنها عملياتها ونقاط الاشتباك فيها بقيت في إطار الأعمال الفردية أو الدعوات المناطقية والطلابية للتوجه إلى نقاط التماس مع الاحتلال، ولم تتوحد عملياتها وخطوط تحركها تحت قيادة ميدانية شاملة وموحدة تكسب الأحداث عوامل الاستمرارية والتأثير القوي والإرباك للاحتلال.
كما أن عدم وجود القيادة الموحدة يحرم هذه الموجة الشعبية من النظرة المستقبلية والإستراتيجية، التي تنظمها وتبقي مسار أحداثها واضحًا وآفاقها مرصودة، فبقاء هذه الأمور مجهولةً تحيط بها علامات الاستفهام قد يدفع البعض إلى الإحجام عن المشاركة أو الاستمرار فيها.
الناشط والمتابع لأحداث الانتفاضة ياسين عز الدين، أوضح بأن “المطلوب هو قيادة ميدانية تنسق بين فصائل المقاومة المختلفة، وهذا متحقق في الجامعات وبعض الفعاليات الشعبية”، مطالبًا بتعميمها بشكل أكبر حتى لا تهدأ “الانتفاضة” ويستمر نبضها قائمًا إلى أطول مدى ممكن، منوهًا إلى أن “المطالبة بتشكيل قيادة سياسية سيكون عبئًا يدخلنا في صراع حول شكل القيادة ومطالبها وطبيعتها، وسيدخلنا أيضًا في نفق مساومة الاحتلال والضغط على هذه القيادة وابتزازها لتحصيل تنازلاتٍ منها”.
لكن المحلل أبو شمالة اعتبر أن “القيادة الموحدة موجودة بفعلها على الأرض، بنقل الصدام من حارة إلى حارة، ومن حاجز إلى حاجز، وتحمل اسم الكتل الجامعية حينًا، وحينًا اسم القوى الوطنية والإسلامية، وحينًا تحمل اسم بعض التنظيمات المقاتلة”، معتبرًا أن “المهم هو النتيجة التي تؤكد أن هذا الكائن الحي المسمى انتفاضة يتنفس من رئتين سليمتين تجلبان له الإرادة، وتنقلان عنه الفعل الموجع للعدو”.
ثالثًا: محاولات التهدئة
وقد كانت الدعوة إلى عدم التسرع في قطف ثمار هذه الانتفاضة واحدةً من أهم ما دعا إليه المحللون السياسيون والنشطاء الفاعلون منذ بداية الأحداث، وقد وقعت هذه الانتفاضة في الأيام الأخيرة أمام اختبار قطف الثمار ومحاولة فرض حلول واتفاقات لتهدئة الأمور، وليس أخيرًا الاتفاق الأردني – الإسرائيلي وزيارة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى الأراضي المحتلة وتدخل وزير الخارجية الأمريكي جون كيري على خط الوساطة، وعلى الرغم من أن هذه التحركات الرسمية والدبلوماسية كافة لا تفرض على الحِراك الشعبي أيةً التزامات فيما يتعلق بالتصعيد أو الهدوء، إلا أن الكثيرين ينظرون إلى هذه المحاولات بعين الحذر من السعي إلى وأد الانتفاضة تحت ذرائع عِدة منها تحقيق منجزاتٍ فيما يتعلق بالمسجد الأقصى المبارك أو أوضاع الفلسطينيين في الضفة الغربية.
ويعتبر أبو شمالة أن “أوحش النهايات التي تنتظر الشعب الفلسطيني هي نهاية الانتفاضة دون تحقيق أهدافها، وعلى الأقل تصويب المسار السياسي في هذه المرحلة”، معتبرًا أن التهدئة فكرة إسرائيلية أمريكية تشاركهم فيها الأمم المتحدة والرباعية الدولية، وأن “تواصلها رغم الاتفاق الأردني الإسرائيلي هو خير دليل على فشل مشروع التهدئة الذي قاده كيري، ورحبت فيه الأطراف التي تُسمي الانتفاضة بالهبة الشعبية”.
كما ويرى الناشط عز الدين أن لا أفق لنجاح هذه المحاولات، بسبب الإصرار الشعبي والفصائلي على مواصلة الطريق، متوجهًا إلى الفصائل بالدعوة إلى عدم استعجال قطف الثمار، لأن ذلك سيؤدي لدفن هذه الانتفاضة قبل أن تحقق أية مكاسب حقيقية.
رابعًا: المواجهة على حدود غزة
وعلى الرغم من ارتقاء أكثر من 17 شهيدًا وإصابة 792 شابًا، حسب آخر إحصائيةٍ رسمية، في الاشتباكات التي تندلع في يوم الجمعة من كل أسبوعٍ على الحدود بين قطاع غزة والأراضي المحتلة دون وجود تأثير واضح لهذه المواجهات، إلا أن الدعوات إلى الخروج فيها ما زال مستمرًا، في حين يصف الكثيرون هذه التحركات بأنها “قطفٌ لأرواح شبانٍ دون شمِّ عِطرها”، ومحاولةٌ لنقل الصورة من الضفة إلى غزة، وهو ما قد يؤثر على انتفاضة القدس والضفة ويحرف عنها الأنظار وقد يؤسس إلى القضاء عليها لصالح معركةٍ جديدة مع القطاع.
خامسًا: الافتقار إلى الدعم العربي
وقد ترافقت الانتفاضتان الأولى والثانية منذ اندلاعمها بدعمٍ عربيٍ وإسلاميٍ واسع، لكن هذه انتفاضة القدس التي يمكن وصفها بـ”اليتيمة”، التي لم تجد لها صدى تضامنيًا لدى العالم العربي والإسلامي إلا من بعض الوقفات الجماهيرية والشعبية التي نظمت على استحياء، في ظل التفات معظم شعوب المنطقة إلى أزماتها الداخلية وحروبها الإقليمية.