أجرت لجنة توم لانتوس لحقوق الإنسان بالأمس جلسة استماع بالكونجرس الأمريكي لمناقشة ما وصفته بالتقارير المُقلقة بخصوص انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة في مصر منذ اندلاع الربيع، وتحت رئاسة كل من محمد مرسي وعبد الفتاح السيسي، على حد قولها، وهو دما دفعها لاستدعاء شهود عيان، ممثلين في محمد سلطان الناشط المصري والأمريكي والمعتقل سابقًا تحت نظام السيسي، وكل من شادي حميد الزميل بمعهد بروكينغز، وسارة ليا ويتسون المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة هيومان رايتس ووتش، ودانيل كالينجيرت نائب الرئيس التنفيذي لمنظمة فريدوم هاوس، وروبرت جورج رئيس اللجنة الأمريكية للحريات الدينية الدولية، وتوم مالينوفسكي نائب وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمال، ليقوم كل منهم بتقديم شهادته عن الوضع في مصر أولًا، واقتراحاته للسياسة الأمريكية مستقبلًا ثانيًا.
شهادة شادي حميد
ارتكزت شهادة حميد لأربعة حُجَج أساسية بنى عليها مطالبته بتعديل السياسة الأمريكية الحالية تجاه مصر، أولها أن مستوى القمع تحت حكم عبد الفتاح السيسي يفوق كثيرًا نظيره تحت حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، مستندًا في ذلك لأعداد المحبوسين والمصابين والمختفين قسريًا والمقتولين من جانب النظام خلال ما يزيد على عامين الآن منذ الثالث من يوليو 2013، وثانيها أن المنهج العنيف للسيسي فيما يخص ملف الأمن بسيناء يعزز في الحقيقة من التمرد المتطرف والعنيف هناك، ومن المفترض أن يُقلِق الولايات المتحدة، على حد قوله، والتي تعتمد على مصر كشريك كفء في مواجهة الإرهاب.
أما ثالث تلك الحجج فهي أن الكثير من المؤسسات المفترض أن تكون مستقلة ووطنية، أصبحت طرفًا في الصراع إلى جانب النظام، وأبرزها القوات المسلحة كلها ومنظومة القضاء والمؤسسات الدينية، والتي تساهم الآن بوضوح في قمع الدولة للنشطاء من كافة الاتجاهات، وللحركة الإسلامية بشكل عام وجماعة الإخوان المسلمين بشكل خاص، وهو ما يُحدِث تحوّلًا خطيرًا يكمن في نظرة أعداء النظام للدولة باعتبارها عدوًا بحد ذاته لا مؤسسة تحتاج إلى الإصلاح كما كان الحال في بدايات الثورة، وأن تسييس كافة المؤسسات الوطنية لصالح النظام يعني عدم قدرتها على الاضطلاع بأي دور للحوار والمصالحة في المستقبل.
أخيرًا، يصل حميد للنقطة الرابعة، والتي يرد فيها على كثيرين في أروقة السياسة الأمريكية ممن يدافعون عن السيسي ويقولون بأنه رغم سجله السيء الحقوقي والديمقراطي إلا أنه يضمن الاستقرار والأمن في مصر، وهي حُجة يقول حميد أنها لا تتفق والواقع على الأرض في مصر، حيث تُعَد البلاد الآن أكثر عرضة لحوادث العنف المنتشرة في سيناء أكثر من أي وقت مضى، كما شجعت أساليب الدولة العنيفة التنظيمات المتطرفة على إيجاد تبريرات لقيامها بالعنف هي الأخرى، كما هو الحال مع تنظيم أنصار بيت المقدس.
شهادة محمد سلطان
بصفتيه المصرية والأمريكية، أدلى سلطان بشهادته كمتضرر مباشر في السابق من قمع نظام السيسي، بدءًا من مذبحة رابعة العدوية التي شهدها بنفسه وحتى الأشهر التي قضاها متنقلًا بين سجون عدة، ليروي فيها بالتفصيل العنف الذي تعرض له يوم اعتقاله بالضرب، والتجاهل المتعمّد لحالته رغم إصاباته المتعددة ومعاناته بشكل خلص من مشكلة تجلّط الدم والتي تطلبت رعاية صحية خاصة، علاوة على أساليب ممنهجة داخل السجون لتعذيب المعتقلين مثل منعهم من النوم والضرب حتى الموت الذي شهده أحد زملائه.
على مستوى السلطة القضائية، ناقش سلطان تفاصيل قضيته ليشير للنقطة التي أكد عليها حميد، وهي فقدان المؤسسة القضائية للكثير من مصداقيتها وعدم مهنيتها في تناول قضايا كثيرة ومنها قضيته، والتي أضيفت لها مجموعة من المنتمين للإخوان المسلمين لكيلا تكتسب زخمًا إعلاميًا دوليًا على غرار قضية صحافيي الجزيرة، مشيرًا كذلك للعشوائية في الأحكام بالإعدام أو الإفراج عن أي متهمين على السواء.
في النهاية طالب سلطان، مستندًا للمبادئ التي تأسست عليها الولايات المتحدة باعتباره أحد مواطنيها، الكونجرس الأمريكي بالضغط على مصر لربط المعونات التي يتلقاها النظام في القاهرة بإطلاق سراح المعتقلين، لما في ذلك من رسالة قوية للنظام الذي يعتمد على دعم واشنطن بشكل حيوي، بينما لا تعتمد عليه واشنطن بالتأكيد بنفس الدرجة كما قال حميد، ولما في ذلك من عامل قد يساعد الكثير من الشباب على عدم فقدان إيمانهم بالديمقراطية بسرعة، وهو ما يحدث حاليًا بينما يتفشى شعور بالعجز حيال النظام وداعميه في الخارج.
شهادتا سارة ليا ويتسون ودانيل كالينجيرت
رسم بياني بعدد العمليات الإرهابية كل شهر من يناير 2011 وحتى يوليو 2015 من شهادة كالينجيرت
قدم كل من سارة ودانيل العاملين بمجال حقوق الإنسان شهادات أكثر اختصارًا عن رؤيتهما لوضع حقوق الإنسان في مصر انطلاقًا من المعلومات التي حصلوا عليها من المراكز الحقوقية لكل منهما، فقد أشارت سارة بشكل أساسي للإحصاءات الموجودة لديها عن أعداد السجناء بين يوليو 2013 وأبريل 2014 فقط، والتي بلغت 41،000، وأحكام الأعدام التي وصلت إلى 670، والمقتولين في أيدي القوات الأمنية ممن وصلوا لـ124، بالإضافة لـ3700 مدني مثلوا أمام محاكم عسكرية، لتختم شهادتها بالدعوة لاستكمال النهج الذي أعلن عنه أوباما في مراجعة المعونة العسكرية، وتقليلها مع رفع المعونة الموجهة للمنظمات المدنية، ومطالبة مسؤولي الدفاع في السفارة الأمريكية بالاضطلاع بشكل أكبر على جهود الجيش المصري في سيناء واستخدامات السلاح الأمريكي هناك.
في نفس السياق، عرض دانيل الهيمنة المتزايدة للقوات المسلحة على كافة مناحي الحياة السياسية المصرية مقابل تهميش كافة أشكال المعارضة الحقيقية، مع الإشارة لتراجع هامش الحرية المتاح لمنظمات المجتمع المدني منذ الانقلاب العسكرية، وتقييد الحريات الدينية بما في ذلك هيمنة نظام السيسي على المؤسسات الدينية الرسمية، وأخيرًا اتجه للإشارة لتزايد العمليات الإرهابية بسبب منهج النظام الحالي العنيف، مؤكدًا على ما أشار له سلطان وحميد، حيث عرض رسمًا بيانيًا لكثافة العمليات الإرهابية، والتي ارتفعت بقوة بعد الانقلاب، ليطالب هو الآخر بخفض المعونة الأمريكية، ووضع شروط صارمة لإنفاقها على النظام في مصر تتعلق بتحسن في ملفي الحقوق والديمقراطية.
شهادتا روبرت جورج وتوم مالينوفسكي
في شهادته ركز جورج على الحريات الدينية بشكل خاص، وناقش أوضاع المسيحيين وغيرهم من أقليات كاليهود والبهائيين، قائلًا بأن أوضاع المسيحيين متدهورة منذ اندلاع الثورة، وخاصة تحت حكم المجلس العسكري وأثناء رئاسة محمد مرسي، في حين شهد العامين الماضيين انخفاضًا في عدد عمليات العنف ضد المسيحيين، وهو ما اعتبره روبرت أمرًا مشجعًا، خاصة مع إشارته لزيارة السيسي للكنيسة مار مرقس بليلة عيد الميلاد مطلع هذا العام، والأولى من نوعها لرئيس مصري، بينما استعرض على الناحية الأخرى تشديد قبضة الدولة على المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر، ووجه انتقاداته لقوانين ازدراء الأديان، علاوة على استمرار الخطاب المعادي لليهود في الإعلام بشكل اعتيادي.
أخيرًا، قال مالينوفسكي في شهادته، ومن موقعه في وزارة الخارجية الأمريكية، أن القانون يوجب على واشنطن بالفعل أن توقف الدعم لأي قوة أمنية خارجية، وفي الحالة المصرية، فإن تطبيق القانون يجري على أرض الواقع، وأثر بالفعل على قدرة الولايات المتحدة على تقديم المساعدة لأقسام عديدة من المؤسسة الأمنية، خاصة الشرطة ووزارة الداخلية، ليشير أمام الجميع إلى أن الأمور ليست على ما يرام بين واشنطن والقاهرة كما يدعي كثيرون، وبشكل عام فإنه شهادته هو وجورج بحكم موقعيهما كانت الأكثر دبلوماسية والأقل حدة تجاه النظام المصري.
يمكنك قراءة الشهادات بالتفصيل باللغة الإنجليزية على موقع لجنة توم لانتوس