بعد أن نزل الدكتور أحمد الجلبي من الطائرة المروحية الأمريكية، في قاعدة عراقية قريبة من مدينة الناصرية جنوبي العراق، في بداية أبريل 2003 برفقة مقاتليه في حركة مسرحية موجهة للإعلام الغربي بشكل خاص موحيًا أن رجلهم بدأ لصناعة العراق الجديد.
ولكن من هو “أحمد الجلبي” الرجل الذي جر أمريكا إلى الحرب في العراق؟
ولد أحمد الجلبي في بغداد عام 1945 لأسرة شيعية غنية ذات نفوذ اقتصادي وسياسي؛ فجده عبدالحسين الجلبي هو أحد رؤساء الوزارة في العهد الملكي ووالده هادي ذو نفوذ اقتصادي هائل وصلات وثيقة بقصر الرحاب الملكي في بغداد، فمدينة الحرية اليوم كان يملكها بالكامل والده، وكانت تسمى في العهد الملكي مدينة الهادي.
ترك العراق مع أسرته عام 1958 متوجهًا إلى الأردن ثم بريطانيا والولايات المتحدة حيث أكمل دراسته الجامعية وحصل على الدكتوراة من جامعة هارفارد وعمل في الجامعة الأمريكية في بيروت حيث تزوج من عائلة عسيران الشيعية اللبنانية المعروفة.
أحمد الجلبي السياسي
بعد اتهام الجلبي باختلاس 300 مليون دولار من بنك البترا الأردني وهروبه وأسرته (مرة أخرى) من الأردن إلى الانزواء والتخفي والتزام الصمت، ثم بدأ يتجه إلى معارضة نظام صدام حسين، شعارًا يختفي خلفه ويغطي ما علق به من اتهامات وإدانات تمس ذمته وسمعته، فمن المؤكد أن رغبته عارمة في العودة بأسرته إلى السلطة والنفوذ، وأصبح أحمد الجلبي، محور العلاقة النشطة بين فصائل المعارضة العراقية في الخارج ووزارة الدفاع الأمريكية.
الوصول إلى السلطة يمر بإسرائيل
تذكر صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية في مقال لها بعدد 2 مايو 2003 أنه في عام 1990 التقى بالجنرال (احتياط) داني روتشيلد، الذي ترأس فرع الأبحاث في مخابرات قوات الدفاع الإسرائيلية وذهب لمقابلته سرًا وبعد مجموعة لقاءات سرية في لندن قادت إلى سلسلة من الزيارات السرية الأخرى في تل أبيب، تم تقديم أحمد الجلبي إلى الأمريكيين بواسطة المخابرات الإسرائيلية، وإيصاله بكبار المستشارين في البيت الأبيض والبنتاجون ووكالة المخابرات المركزية، ونتيجة لهذه التوصيات منحه جيمس وولسلي مدير المخابرات المركزية الأمريكية السابق رعايته.
وفي عام 1992 أسس الجلبي تنظيم المؤتمر الوطني العراقي وأصبح المؤتمر الوطني العراقي الجهة المحظية بالدعم من وكالة المخابرات المركزية الموجهة للإطاحة بالنظام العراقي.
الجلبي رجل أمريكا الليبرالي أم رجل إيران الشوفيني؟
ازدواجية الولاء
حاول الأمريكيون الحصول على دعم إيران لغزو العراق فأرسلوا أحمد الجلبي بين عامي 2002 و2003 للتنسيق مع إيران، وليعلن من طهران أن علاقة المؤتمر الوطني بإيران علاقة إستراتيجية، ويبدو أن الأمريكان فهموا كلمات الجلبي بأنها محاولة لطمأنة إيران من قِبل رجلهم، ولم يفهموا حينها أن الجلبي قصد كل كلمة قالها ولكنهم فهموا ذلك في منتصف 2004 بعد أن داهمت القوات الأمريكية مقر المؤتمر الوطني في منطقة المنصور ببغداد حيث استولت على وثائق سرية تؤكد أن الجلبي نقل وثائق ومعلومات لإيران بالغة الخطورة على الأمن القومي الأمريكي وتشكل تهديدًا لحياة مواطنين أمريكين حسب الـ CNN.
وهكذا تحول أحمد الجلبي الرجل الذي يناضل من أجل الحرية بين عامي 1992 و2004، ويصفونه بأنه ”أحد رجال التضليل في التاريخ”.
عراب الطائفية أحمد الجلبي
نجح أحمد الجلبي بشدة في إشعال الفتنة الطائفية؛ حيث يُتهم الجلبي باغتيال الكثير من المعارضين السياسين بين عامي 2003 و2004، وكان من رموزالفتنة الطائفية ورئيس هيئة اجتثاث البعث المتهمة باستئصال السنة عمومًا، ومن الداعين لتقسيم العراق مذهبيًا وإثنيا؛ حيث قام بالدعوة لإنشاء البيت الشيعي في محاولة منه وليكون بحق عراب الطائفية في العراق، ولينشأ بعد ذلك المجلس السياسي الشيعي ليكرس تمزيق النسيج الاجتماعي العراقي.
وتظهر طائفية الجلبي في مشاركته في المؤتمرات الطائفية؛ ففي مؤتمر نظمه حزب الله في لبنان عام 2011 حول ما أطلقوا عليه “انتهاكات حقوق الإنسان في البحرين”، قام أحد المشاركين المصريين بمقاطعة الجلبي أثناء إلقائه كلمة في المؤتمر تكلم فيها عن “ظلم شيعة البحرين”، حيث قام بضربه بالحذاء، في تكرار لمشهد ضرب الرئيس بوش بالحذاء من قِبل منتظر الزيدي.
ويتضح ذلك عند روايته للقائه بصدام حسين الرئيس العراقي السابق في ديسمبر 2003 بعيد اعتقاله من قِبل الأمريكيين، حيث التقى به مع أربعة من أعضاء مجلس الحكم بالإضافة إلى بريمر، يقول أحمد الجلبي عضو مجلس الحكم ورئيس المؤتمر الوطني العراقي “كان صدام متسمًا بسلامة العقل تمامًا، وكانت لديه سيطرة على قدراته، ولم يكن مستعدًا للاعتذار للشعب العراقي، ولم ينكر أيًا من الجرائم التي وجه بارتكابها، وحاول أن يبررها”، وقال الجلبي إن صدام قال خلال اللقاء: “لقد ألقيت خطابًا وقلت إن الأميركيين يمكن أن يأتوا إلى العراق ولكنهم لا يستطيعون احتلاله وحكمه، وقلت إنني سأقاتلهم بالمسدسات، وقد فعلت”، وقال الجلبي إنه “لم يقل ذلك بشكل مباشر ولكنه كان يحاول إعلان المسؤولية عن ذلك”.
والجلبي يريد أن يقرن المقاومة في العراق بصدام حسين وبالتالي يقول إن المقاومة المسلحة للاحتلال في العراق مقاومة بعثية صدامية.
ويبقى السؤال الكبير لمصلحة من أطلق الجلبي السعار الطائفي في محاولة لتمزيق المجتمع العراقي وتقسيم أرضه، وفي قراءة لمعرفة من المستفيد يبدو أن أمريكا وإيران لهم في ذلك منافع ومضار، ولكن يبدو أن إسرائيل وحدها لديها منافع فقط من تقسيم العراق.