“المُغربُ في حُلي المَغرب” للمؤرخ الأندلسي القرطبي علي بن موسى بين محمد بن عبد الملك ابن سعيد الغرناطي الأندلسي المتوفى سنة 685 هــ، من الكتب المهمة في التراث الأندلسي وفي نقل الحياة الأندلسية والعمران المدني والاجتماعي فيها، إذ إنه يتألف من خمسة عشر سِفرًا، ستة منها جاءت لمصر، استعادوا فيها نوادر ابن شداد السلطانية والكامل لابن أثير، وثلاثة أخرى لبلاد المغرب ذاكرين كتبًا وفصولًا كثيرة، وستة للأندلس، أطلق على القسم الخاص بالأندلس ” كتاب وشي الطرس في حلي جزيرة الأندلس”.
أُلف هذا المصنفُ بالموارثة، في مئة وخمسة عشر عامًا على يد ستة مؤلفين وهم بين أديب وشاعر، خمسة منهم من أسرة واحدة وآخرهم ابن سعيد الأندلسي أشهرهم وأذيعهم منزلة في التأليف والتصنيف حيث انتهى من تأليفه عام 645هـ، فكانت رحلة تأليفه 115 عامًا، قام موسى بن محمد – وهو مؤلف وأديب – والد ابن سعيد بإتمام الكتاب بعد والده الذي قضى حياته قبل أن ينهي الكتاب، فصارت من بعده مهمة إتمام الكتاب على ابن سعيد الذي له مصنف آخر على غرار المغرب في الاسم والمضمون سماه “المُشرق في حُلى المشرق”.
لقد استمد ابن سعيد مادة هذا الكتاب من المسامراتِ والمشاهداتِ والرواياتِ الشّفوية والمصنّفات التي أُلفتْ حول الأندلس والأدب الأندلسي، فقد قام برحلة طويلة إلى الأمصار المختلفة تنقل فيها بين مصر والعراق والشام، وآخر محطاته كانتْ في تونس، حيث توفيّ فيها، وتقول بعض الروايات إنه توفي في دمشق.
إنَّ طريقة الكتاب والمنهج الذي سار عليه صاحبه في سرد المضامين قائمة على تصنيف الكتاب تصنيفًا مرتبًا، فكلما ذكر بلدًا ذكر كوره وما يحيط بها من أنهار ومتنزهات وكلّ من وفد إليه من ملوك وأدباء وشعراء؛ فبدأ بذكر طبقة الأمراء، فطبقة الرؤساء، ثم طبقة الشعراء، وبعدها طبقة من الأشخاص الذين لم يذكر لهم نظمًا، بالإضافة إلى ذكر النوادر لإبعاد الملل عن القارئ.
إن كتاب “الُمغرب في حُلى المغرب” يعد من مفاخر ابن سعيد ومحاسن، وقد جمع فيه بين العلم والأدب والهزل، وعلى كثرة ما جاء فيه من علم ومعرفة بالأدب واللغة والشعر وغيره،، وهو بذلك يمتاز بسلاسة الأسلوب، نصاعة البيان، ثراء اللغة، دقة التعبير، تحديد الأسماء، والتمييز بين الأوصاف والعبارات.
كما وقد ذُكر في هذا الكتاب التعريف بكثيرٍ من العلماء والأدباء والشعراء والأمراء، وتخريج الكثير من الشعر ونسبته إلى قائليه وتصحيح مفرداته من مصادر معتمدة ومن الديوان إن وجد، وكذلك التعريف بالبلدان والأماكن ليسهل تناوله من قِبل الباحثين والقراء.
أول ما جاء تقسيم المصنف إلى ثلاثة كتب: أولها كتاب “وشي الطرس في حلى جزيرة الأندلس” وينقسمُ هذا الكتاب إلى ثلاثة كتب هي:
1- كتاب العُرس في حلى غرب الأندلس.
2- كتاب الشفاه اللُّعس في حلى مَوْسَطة الأندلس.
3- كتاب الأنس في شرق الأندلس.
إن كل كتاب من هذه الكتب يشتمل على مجموعةٍ من التقسيمات، مثلاً كتاب “العُرس في حلى غرب الأندلس” ينقسم إلى سبعة كتب أولها كتابُ الحُلَّة المذهَّبة في حُلى مملكة قرطبة، وهذا الأخير بدوره ينقسم إلى أحد عشر كتابًا أولها كتاب الحلة الذهبيَّة في الكُورَة القرطبية، والذي ينقسم بدوره إلى خمسةِ كتبٍ أولها كتاب النغم المطربة في حلى حضرة قرطبة، وهكذا، فنجد أن التقسيم الأول الذي شمل ثلاثة كتب يتفرع منه عدد كبير من التقسيمات التي تضم أسماء الكثير من الكتب، وكل كتاب يدور حول موضوعٍ معينٍ وجانب خاص من الحياة الأندلسية، أدبًا وفنًا، ويذكر فيه الكثير من أسماء الأمراء والعلماء والشعراء والعامة ممن ينظمون الشعر.
يذكر ابن سعيد في بداية كتاب “النغم المطربة في حضرة قرطبة” ملخصًا عن طريقة سير الكتاب فيقول: “حضرة قرطبة إحدى عرائس مملكتها، وفي اصطلاح الكتاب: للعروس الكاملة الزينة مِنَصَّةٌ وهي مختصة بما يتعلق بذكر المدينة في نفسها، وتاجٌ وهو المختص بالإيالة والسلطانية، وسلكٌ وهو مختصٌ بأصحاب دُرِّ الكلام من النثار والنظام، وحُلَّة وهي المختصة بأعلام العلماء والمصنّفين الذين ليس لهم نظم ولا نثر، ولا يجب إهمال تراجمهم، وأهدابٌ وهي مختصة بأصحاب فنون الهزيل وما ينحو منحاه .. المنصة … التاج..”، وهنا نجد أنه أوضح منهجية التأليف؛ حيث إن مفردة (كتاب) استخدمها المصنف لما نقول عنه في مصنفات العصر الحالي (الفصل) فجاء الكتاب بعدة أبواب وعدة كتب/ فصول، ولكل منها تقسيمات أصغر تنطوي تحتها كــ (المنصة، التاج، والعروس) مستخدمًا بذلك أسلوبًا فريدًا مختلفًا في التقسيم، يجعل المعنى أبلغ في الإشارة للأماكن، أو التقسيمات بين الشعراء والأمراء وأنواع الفنون كما أوضح في تعليقه.
ويشمل تقسيم المصنف على البقعة الجغرافية أيضًا، وهذا ما نجده جليًا واضحًا في الجزء الثاني من “المُغرب في حُلى المَغرب” حيث يورد ابن سعيد ذكر الممالك كمملكةِ طُليطلة وتقسيماتها، والحيّان وتقسيماتها، وكذلك إلبيرة والمرية وتدمير، حيث يذكر تقسيماتها والأمراء والشعراء والعلماء الذين سكنوها، ولا يقتصر الكتاب على الشعر فقط، فقد أورد أبن سعيد الكثير من علماء القرآن الكريم، الحديث، النحو، التاريخ، الفلسفة، التنجيم، الموسيقى، والطب.
إن هذه المنهجية التي سار عليها ابن سعيد جعلتْ للكتاب قيمة وأهمية كبيرة في العرض التاريخي للأندلس، رغم ما أخذ عليه من أنه نقل الكثير من مصنفات أخرى كنفح الطيب في غصن الأندلس الرطيب للإمام المقري، لكن ذلك لا يخدش من نصاعة ما قدمه ابن سعيد، إذ يعد الكتاب من المعاجم التي تنقل لنا الحياة الأندلسية من شعرها وأماكنها، إلى مصر وكتابها، والمغرب وروائع مبدعيها، فهو بمثابة التقرب إلى الزمن البعيد عبر ما قصه علينا ابن سعيد بسلاسلة الأسلوب وجمال الصياغة وحبكة التأليف، هو باختصار سفر مجاني إلى عوالم الأندلس.
الاقتباسات وتفصيلات التقسيم جاءت من:
* “المغرب في حلي المغرب” لابن سعيد الأندلسي.
* “الأدب الأندلسي من الفتح حتى سقوط غرناطة” منجد مصطفى بهجت أستاذ الأدب الأندلسي في الجامعة الإسلامية العالمية بماليزيا.