تسربت الأنباء عن سعي رئيس الحكومة العراقية السابق، نوري المالكي، لإعادة تصدر المشهد العراقي عبر عدة إجراءات وتحالفات سياسية تستهدف بالأساس رئيس الحكومة الحالي، حيدر العبادي، وذلك في محاولة لسحب الثقة منه، ومن ثم فتح طريق جديد لعودة المالكي أو أحد المقربين منه لتصدر واجهة الحكم في العراق.
فيبدو أن المالكي مقتنع تمامًا بإمكانية عودته إلى صدارة الحكم عبر بوابة التحالفات السياسية الجديدة التي يسعى لتكوينها قبيل الانتخابات البرلمانية العراقية وانتخابات مجالس المحافظات، المقرر إجراؤهما في العامين 2017 و2018 على التوالي، مستغلًا حالة السيولة السياسية التي تمر بها العراق والخلافات القائمة في الحزب الحاكم “حزب الدعوة الإسلامية” الذي ينتمي إليه رئيس الوزراء الحالي العبادي.
حيث يخوض العبادي وفريقه حربًا أمام نوري المالكي وداعميه داخل الحزب، والذي يستند على دعم مليشيات الحشد الشعبي وبعض التجمعات السياسية الشيعية الأخرى، كما يحاول المالكي استجداء الدعم الإيراني لإعادة إنتاجه سياسيًا عبر مشروع جديد يضمن مزيدًا من المصالح الإيرانية في العراق، ملوحًا بجنوح العبادي وحكومته إلى المصالح الأمريكية داخل العراق.
المالكي يلعب دائمًا على العواطف والتضحيات الطائفية لتكون مصدر قوة سياسية تضاف لرصيده، حيث رُصدت تحركاته في المحافظات الجنوبية، التي تعج بمقاتلي الحشد الشعبي الذين يتصدون لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، والتي يسعى من خلالها إلى ضمهم إلى صفه في معركته مع رئيس الحكومة الحالي، مع الترويج لعملية دعم مقاتلي الحشد الشعبي لاستعادة المدن المقدسة، حيث بدأت اجتماعات المالكي في النجف حول ذلك.
وصلت الخلافات بين العبادي والمالكي إلى حد أن طالبه نواب برلمانيين بالاستقالة من حزب الدعوة الإسلامية، الذي يترأسه المالكي، على خلفية دعوات الإصلاح التي أطلقها العبادي بعد اتهام الحزب بالتورط في العديد من قضايا الفساد، لكن رئيس الوزراء قابل هذا الطلب بالرفض.
هذه الإصلاحات هي السبب الرئيسي لتفجير الخلافات داخل حزب الدعوة الإسلامية، بالرغم من إعلان الحزب تأييده للإصلاحات ظاهريًا بضغط من جناح العبادي داخل الحزب، لكن المالكي وجناحه يرفضون إجراءات العبادي شكلًا ومضمونًا، ويعملون على ممارسة نوع من الضغط عليه للتراجع، وهو السبب الرئيسي وراء إطلاق دعاوى لاستقالة العبادي من الحزب للتخلص من هذه الضغوطات.
يُذكر أن الإصلاحات التي ينفذها رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي شملت إقالة نواب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء، فضلًا عن ترشيد عدد الوزارات ومخصصات بعض الشخصيات السياسية، بالإضافة إلى إجراءات أخرى تساهم في تعزيز مكافحة الفساد بالعراق.
ضغوطات المالكي الحزبية على العبادي في هذا الاتجاه تضمنت تهديدًا بإنشاء حزبًا جديدًا يحمل اسم “حزب الدعوة الإصلاحي”، بعدما نجح المالكي في إقناع كبار قادة الحزب بالانضمام إلى صفه، وهو ما عده البعض انقلابًا من قِبل المالكي على جناح العبادي داخل الحزب الذي يجمعهما، وهو الأمر الذي من شأنه إضعاف موقف العبادي في موقعه كرئيس للوزراء.
يُفسر البعض هذا الاصطفاف داخل قيادات حزب الدعوة الإسلامية ضد الإصلاحات التي أطلقها العبادي بأنها محاولة للدفاع عن أنفسهم أمام إجراءات مكافحة الفساد التي ستطولهم لا محالة إذا ما استمرت حكومة العبادي فيها، بعد تورطهم في العديد من قضايا الفساد إبان عهد المالكي، متعللين بإطلاق حزمة الإصلاحات هذه دون مشاورتهم.
كما يحاول المالكي أيضًا أن يلعب على وتر محاربة داعش؛ عبر تأييده التدخل الروسي في العراق أسوة بسوريا، لكن هذا الأمر واجهه العبادي بتعهده للإدارة الأمريكية بعدم السماح لروسيا بتنفيذ أي أعمال عسكرية في العراق، وهو ما نجح المالكي في تسويقه عند الإيرانيين الداعمين للتحالف الوطني الحاكم المدعوم إيرانيًا، حيث تؤيد إيران التدخل العسكري الروسي في العراق، وذلك لتكوين جبهة تتألف من روسيا، إيران، العراق، وسوريا.
بهذا الأمر أصبح العبادي أمام صدام مع التحالف الوطني الحاكم، الذي بدأ المالكي التهديد من خلاله بإقالة العبادي إذا لم ينصاع لتوجهيات التحالف الحاكم، والتي تصوغها طهران في أغلب الأحيان، وأعقب ذلك ظهور أصوات تقول بصراحة إن قادة التحالف طرحوا موضوع سحب الثقة من العبادي وإعادة النظر في التشكيلة الحكومية وتقديم شخص مؤمن بمبادئ التحالف الوطني ولا يتجاوزها.
ومنذ ذلك الوقت ويلعب التحالف الوطني الحاكم دور الضاغط على حكومة العبادي من خلال إبداء اعتراضات كثيرة على قرارات الحكومة، ابتداءً من عدم الموافقة على موازنة الحشد الشعبي باعتبارها قليلة، وعلى الإصلاحات التي وُصفت من قِبل بعض قادة التحالف بأنها غير حقيقية، ومن ثم الاعتراض الأخير على الالتزامات مع واشنطن.
وتحاول الآن عدة كتل منضوية تحت التحالف الوطني الضغط على العبادي بكل ما أوتيت من قوة للتراجع عن قرار الالتزام بعدم تدخل روسيا عسكريًا في العراق، ويعكس ذلك رغبة جامحة لدى عدة مكونات عراقية حاكمة للانسحاب من التحالف الدولي ضد داعش والانضمام إلى التحالف الروسي الإيراني، وهو الأمر الذي سيضع العبادي في مواجهة مباشرة مع واشنطن إذا رضخ لقبول هذا الاتجاه، بعد أن تم تهديده بالإقالة.
ويقود كل هذه الاضطرابات نوري المالكي “زعيم ائتلاف دولة القانون”، الذي أصدر بيانًا صريحًا يقول فيه إنه سحب تفويضه الممنوح للعبادي في البرلمان بشأن الإصلاحات، كذلك انتقد الائتلاف موقف العبادي من الحشد الشعبي بعد اتهامه بمحاولة إضعافه، وهي مسألة يستغلها ائتلاف المالكي لكسب التأييد الشيعي، حيث إن الحشد وقادته يدينون بالولاء للمالكي بالأساس منذ نواة تأسيس هذه المليشيات في عهد حكمه.
كما يتم ابتزاز العبادي الآن عن طريق هذه المليشيات التي تؤيد المالكي على طول الخط، حيث ظهر ذلك جليًا في تصريحات نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، أبو مهدي المهندس، الموجهة إلى العبادي، والتي هدد فيها بشكل واضح رئيس الحكومة، كما حملت تصريحاته ابتزازًا أيضًا للعبادي من نوع آخر يستهدف من خلاله السيطرة على جزء كبير من الموازنة العراقية، وكذلك زيادة مخصصات الحشد الشعبي، تعطيل برنامج الإصلاحات الذي أطلقه العبادي، ومحاولة الخروج من عباءة التحالف الدولي والدخول مع روسيا في تحالف عسكري تنفيذًا للرغبة الإيرانية.
لكن يرى البعض أن الأمر لن يستتب للمالكي بهذه السهولة حيث يشهد البيت الشيعي نفسه انقسامًا هائلًا متجاوزًا للمالكي ويهدد تماسك هذا التجمع السياسي الشيعي، إذ يضم تجمعات شيعية أبرزها حزب الدعوة الإسلامية بزعامة نائب رئيس الجمهورية المُقال، ورئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، المجلس الإسلامي الأعلى بزعامة عمار الحكيم، التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، حزب الفضيلة بقيادة عمار الطعمة، منظمة بدر بقيادة هادي العامري، وحركة مستقلون بزعامة حسين الشهرستاني.
في الوقت الذي يتهم فيه التيار الصدري المالكي بأنه مهندس الفرقة داخل البيت الشيعي والعراق بشكل عام، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى نزاع شيعي شيعي، كما أن المرجعيات الشيعية غير موافقة على سيطرة المالكي على الحشد الشعبي بهذه الصورة الحالية ويؤيدها في ذلك عدة فصائل داخل البيت الشيعي، وهو ما يطرح التساؤل حول مدى إمكانية تخطى المالكي للعقبات الشيعية في البيت الداخلي للإطاحة بغريمه العبادي ومن ثم الظهور على الساحة بشكل جديد.