انتهت صباح الجمعة رحلة الرئيس العسكري المصري عبدالفتاح السيسي إلى العاصمة البريطانية لندن، بعد زيارة استمرت عدة أيام.
الزيارة، التي هيمنت عليها أخبار الطائرة الروسية التي انفجرت فوق سيناء بعد إقلاعها من مطار شرم الشيخ، لم تكشف عن الكثير من التعاون السياسي بين مصر وبريطانيا، إذ تُصر القاهرة على أن الطائرة الروسية سقطت بسبب أعطال ميكانيكية، في حين تقول لندن، وواشنطن لاحقا، أن الطائرة سقطت بانفجار عبوة ناسفة زُرعت على متنها.
ورغم أن المملكة المتحدة هي أكبر شريك مستثمر من غير العرب في مصر، وأن الزيارة التي قام بها السيسي نُظر إليها على أنها وسيلة لضمان استمرار هذه العلاقات، إلا أن وسائل الإعلام المصرية التي عادة ما تقوم بتضخيم أي اتفاقات شراكة أو تعاون يبرمه السيسي لم تتحدث عن أي اتفاقات جديدة.
السيسي يعرف كيف يخاطب صُناع القرار في الغرب، فالديكتاتور المصري يؤكد في كل زياراته الخارجية، وحواراته مع الصحفيين الأجانب على أربع نقاط رئيسية: الأولى هي دور مصر في “الحرب على الإرهاب”، واستهلاك فزاعة الإسلاميين، وأحيانا فزاعة الهجرة واللاجئين أيضا في إقلاق الغرب، والثانية هي التزام مصر بدورها المرسوم في منظومة الاقتصاد الرأسمالي كسوق مفتوح وممر للتجارة، والثالثة هي التأكيد على “خصوصية مصر” وأن على الغرب ألا يحكم على فساد السلطة في مصر أو سوء الوضع الحقوقي بما يسميه السيسي “المنظور الغربي”، و “مراعاة التباين الثقافي والاقتصادي”.
النقطة الأخيرة وهي الأكثر جذرية في خطاب السيسي هو التأكيد على دور مصر في القضية الفلسطينية، وفي هذا الجانب، يقوم المصريون بفرض حصار على قطاع غزة، وبالسماح للإسرائيليين بالعمل والنشاط داخل الأراضي المصرية لمجابهة الجهاديين، وأخيرا تبني خطاب مشترك مع دولة الاحتلال ظهر بوضوح أثناء حديثه عن رغبته في “إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من يونيو وعاصمتها القدس (الشرقية)”.
بنظرة على وسائل الإعلام المصرية، لا يبدو أن الزيارة إلى لندن قد حققت أي نتائج ملموسة، سوى التقليل من شأن العزلة التي يحاول معارضو النظام العسكري فرضها عليه في الخارج، لا سيما في بريطانيا، إحدى الدول الرئيسية التي ينشط فيها الإخوان المسلمون خارج مصر.
بالإضافة إلى ذلك قدمت الصحافة المصرية الكثير من الكلام الإنشائي لوصف الزيارة، فالسيسي يقول إن “مصر تقدر علاقاتها مع بريطانيا وتتطلع إلى تدعيمها والارتقاء بها إلى آفاق أرحب”!، كما أنه يعرض “الرؤية المصرية لمكافحة الإرهاب” على وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون.
لكن الرؤية المصرية لمحاربة الإرهاب لا يبدو أنها تجدي نفعًا في إقناع البريطانيين، فالسلطات المصرية التي تحتجز أكثر من 40 ألف شخص بتهم تتعلق بالإرهاب، وبدون محاكمات عادلة في المطلق، أو بدون محاكمات في الغالب، لم تستطع أن توقف تفجير طائرة باستخدام عبوة ناسفة كما يعتقد البريطانيون.
البريطانيون من جانبهم لا يثقون بالإجراءات الأمنية المصرية في المطارات، إلى الحد الذي قرروا فيه تسيير 29 رحلة جوية اليوم لإنقاذ مواطنيهم من السياح العالقين في مصر.
من ناحية أخرى، فإن الإعلام البريطاني ركز في مجمله على حادث الطائرة الروسية، وفشل الدولة المصرية في تأمين مطاراتها، وتصاعدت الانتقادات التي وُجهت للحكومة البريطانية بسبب استضافة السيسي.
لكن أبرز ردود الأفعال جاءت من صحيفة التايمز التي أوردت في افتتاحيتها أن الزيارة لم تتميز “بالابتسامات ومصافحة قوية للأيدي، ولكنها تميزت بنوع من الغضب البارد.”
وتشير الافتتاحية إلى أن القاهرة ترى أن التحرك البريطاني بالإعلان عن الأسباب الحقيقية لسقوط الطائرة الروسية لا يحترم مصر، ووصفته بـ”المتعجل وغير الضروري”. وفي الوقت الذي تحاول فيه مصر تشجيع الاستثمار البريطاني، فإن الحكومة وجهت ضربة قوية لأهم مصدر للعائدات المصرية، وهو السياحة.
الزيارة لم تمر بسلاسة أيضا، فقد تقدم محامون بريطانيون موكلون عن حزب الحرية والعدالة في مصر بطلب رسمي لشرطة “سكوتلاند يارد” يطالبون فيه اعتقال أعضاء من الوفد المرافق للسيسي، كما أن مئات المعارضين للانقلاب العسكري قاموا بالتظاهر أمام مقرات البرلمان والحكومة البريطانية إلى حد تأخير السيسي عن دخول البرلمان لنحو ساعة كاملة.