أبو ياسين، الذي كان يحلم بأن يصبح محامياً وبدأ مشواره بذلك لولا أن الظروف دعته لترك كل ذلك والعمل كمندوب مبيعات عاد بعد ذلك ليدرس هندسة شبكات ثم ينتقل للعمل بها في لبنان، منذ أن بدأ مسلسل الثورات العربية رافق شاشة التلفاز طوال اليوم وأخذ يتابع الأخبار أولاً بأول حتى انطلقت شرارة الثورة في سورية و أوغل النظام في القتل والتدمير ليترك عمله ويعود الى حلب مروراً بدمشق حيث ودّع أهله وعائلته التي لم يرها منذ ذلك الحين ليبدأ عهد عمله الثوريّ .
تطوّع بداية بالعمل كسائق لسيارة إسعاف لإحدى المجموعات المقاتلة التي خسرها بعد إصابتها بقذيفة هاون نجح بالخروج منها قبل ثوانٍ من انفجارها، ثم خسر سيارة أخرى تعرضت إلى اطلاق نار كثيف على خزان الغاز مما أدى اشتعالها، ذات مرة زار مخزن الكتيبة للأسلحة ولاحظ النقص الشديد بالذخيرة في ظل تزوّد قوات النظام بأشد وأفتك الأسلحة من رصاص وقذائف وقنابل وصواريخ وطائرات، بينما كانت الكتيبة التي ينتمي اليها تعاني من نقص حتى في رصاص الكلاشنكوف الخفيف الذي أعطى مرة قائد الكتيبة مجموعة كاملة ٥٠ رصاصة ليقول في نفسه : ” هؤلاء ذاهبون الى الموت “.
لم يكن بسنواته التي قاربت على الأربعين عاماً ذا خبرة عسكرية كبيرة، لذا تراجع عن خطوط القتال الأمامية ليعيد بشكل بسيط جداً اعادة تصنيع الفوارغ بحشوها مواد متفجرة ليعاد استخدامها ضد قوات النظام، ليشكل مع الوقت ما أسماه الكتيبة العسكرية الهندسية التي من مهمتها شراء المواد اللازمة وجمع الفوارغ لاعادة انتاج الذخيرة والسلاح وبيعها للمجموعات المقاتلة .
وأنت تدخل الى المكان الذي اتخذ منه أبو ياسين مصنعاً له، تجد مجموعة متنوعة من الذخائر وضعت على الأرض وبراميل ألقتها الطائرات لكنها لم تنفجر، قذائف هاون بيضوية الشكل، قذيفة مدفع كبيرة مع ذيل ملتو، صف مرتب من القنابل العنقودية الروسية بلون رمادي شاحب، هذه الأخيرة منزوعة منها الصواعق، كل ذلك من القذائف والقنابل ومثيلات لها سيتم تفريغها ثم اعادة تصنيعها لتصبح صالحةً لاعادة الاستخدام لاحقاً .
أبو ياسين واحد من كثيرين دفعتهم الحاجة لتصنيع السلاح لتتطور هذه المهنة مع الوقت ليصبح هنالك في سورية عدة مصانع بكفاءة عالية وسرعة انتاج تنتج آلاف الأطنان من المتفجرات يومياً بعدة أشكال، حديثاً أصبح أبو ياسين مهندس الشبكات السابق أحد أهم مصعني السلاح ويرتاد مصنعه كتائب ومجموعات مقاتلة كثيرة علّها تجد لديه حاجتها من القذائف والذخائر، مما حذى بأن يخصص قيمة عظمى من الكمية التي بامكان كل مجموعة شرائها حتى يتسنّى له تزويد أكبر كمية من المجموعات في محاولة منه للعدل في التوزيع .
كثير من القنابل والقذائف والصواريخ تصنع بمعدّات وأدوات بسيطة جداً كسندات النتيروجين ونترات الامونيوم التي تستخدم كأسمدة ويسهل الحصول عليها بكميات كبيرة والتي تشكل أساس المواد المتفجرة بالتفاعل مع مواد أخرى من تلك التي يتم افراغها من القذائف والبراميل التي لم تنفجر، كل ذلك يوضع في أنابيب وأكواع تمديد المياه بحيث تغلق من الطرفين بعد أن تحشى بالمواد المتفجرة ثم يمتد لها فتيل صغير الى الخارج، هذه القنابل تقذف بعد اشعالها اما بالأيادي او بما يسمّى ” مقليع “، وهو عبارة عن حبل مطاطي مثبت من طرفيه بمواد حديدية مصنوعة على شكل حرف U ثم تطلق لتأخد مدى أوسع، أو يتم وضعها في عبوات ناسفة تزرع على جوانب الطرق .
لم تتوقف صناعة السلاح في سورية عند هذا الحد، بل تطوّرت الى انتاج سيارات مصفحة تم تحوريها لتصبح مضادة للرصاص أو القذائف باستخدام مواد مضادة يعاد تشكيلها بطريقة بدائية جداً ليتم استخدامها في المعارك والاقتحامات، مدافع منتقلة وثابتة عالية الكفاءة مصنّعة من أنابيب من الحديد او تم تطويرها من مدافع تقليدية، صواريخ محليّة الصنع بصواعق بدائية، قذائف وقواذف، اضافة الى استحداث أنواع اخرى من الرصاص المتفجر او تطوير الرصاص العادي .
مصانع السلاح في سورية لم تكن حدثاً طارئاً بل ضرورة أحدثها واقع القتال المتواصل وشحّ الدعم بالسلاح بعد أن غدت وعود الدعم بالسلاح من الدول المانحة اضحوكة يتداولها الناس داخل سورية في ظل استمرار دارسة تسليح الجيش الحر – على حدّ وصف الدول المانحة – .
المصادر: Wired و TotallyCoolPix