يبدو أن تبعات سقوط الطائرة الروسية، السبت الماضي، بعد 23 دقيقة من إقلاعها من مطار شرم الشيخ الدولي وعلى متنها 224 شخصًا قتلوا جميعًا في الحادث، لن تنتهي؛ حيث شغلت القضية جزءًا لا بأس به من الرأي العام العالمي الذي تحدث في صدارة عناوين الصحف عن فقدان مطار شرم الشيخ لأبسط القواعد الأمنية، وهي لا شك ضربة موجعة للسياحة في مصر.
الجميع يتحدث في أسباب الحادث دون خروج نتيجة التحقيق الرئيسي الذي يجري على الأراضي المصرية، دول غربية كبرى آثرت أن تشارك في التحقيق بنفسها ربما لعدم ثقتهم في قدرة المصريين على إخراج الحقيقة كاملة، انضمت روسيا لبريطانيا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، وبلجيكا مؤخرًا في تعليق رحلات بلادهم إلى مطار شرم الشيخ، كما حذرت دول أخرى شركات الطيران من التحليق فوق شبه جزيرة سيناء.
هذه الإجراءات التي يمكن اعتبارها إجراءات احترازية فحسب، ولكنها تنم عن معلومات خفية وصلت إليها تلك الدول بعيدًا عن التحقيق المصري المزعوم استجوبت إجراءات تأمينية سريعة لرعاياها، حيث تحدثت وسائل إعلام عالمية ترجح احتمالية انفجار قنبلة على متن الطائرة، ليطرح الجميع تساؤلًا عن كيفية مرور هذه القنبلة إلى الطائرة دون أن يعترضها أحد من الأمن في واحد من أهم المطارات المصرية التي تستقبل وفودًا سياحية بشكل يومي.
الإجابة جاءت على لسان بعض السياح البريطانيين الذين يتم إجلاؤهم من مصر، الذين أكدوا أنك تستطيع المرور من جميع حواجز المطار الأمنية ونقاط التفتيش مقابل 15 جنيهًا إسترلينيًا دون أن يعترضك أحد من رجال أمن مطار شرم الشيخ، كما أن أمتعتك ستعبر إلى الطائرة دون أن تتعرض لأي نوع من أنواع التفتيش اليدوي أو الإلكتروني، كما رويت بعض الشهادات الساخرة التي نشرتها الصحافة العالمية، التي تتحدث عن انشغال رجال الأمن في المطار باللعب على هواتفهم الجوالة أثناء عمليات التفتيش.
كل ذلك يعزز التفكير في اتجاه احتمالية تفخيخ الطائرة من الداخل، عن طريق تمرير قنبلة عبر حقائب المسافرين إلى داخل الطائرة في غياب تام لرجال الأمن، كما لا يستبعد البعض الآخر إمكانية تجنيد أحد ضباط المطار واستخدامه في وضع متفجرات داخل نقطة شحن حقائب المسافرين، خاصة مع إعلان تنظيم الدولة تبنيه للحادث دونما الحديث عن كيفية التنفيذ، وهو ما أثار الشكوك حول إمكانية اختراق أمني داخل المطار.
تلاحقت ردود الأفعال الرسمية العالمية في تنحية واضحة لأي مصداقية مصرية في الحادث، حيث نقلت شبكة سي إن إن الإخبارية، الخميس، عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما قوله إنه يوجد “احتمال” بأن يكون حادث تحطم طائرة الركاب الروسية في مصر نجم عن قنبلة على متنها، فيما رجح مكتب رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في بيان عن الحادث، “بينما التحقيقات جارية فإنه لا يمكننا القطع بالسبب وراء تحطم الطائرة الروسية، لكن مع تكشف المزيد من المعلومات تنامى لدينا قلق من أن الطائرة ربما تكون قد أُسقطت بعبوة ناسفة”.
في حين انتقدت القاهرة وموسكو هذه المعلومات المسربة من جهة الولايات المتحدة وبريطانيا مطالبين الدولتين بالاعتماد على التحقيقات الجارية التي تجريها مصر وروسيا في هذا الصدد.
فيما تمسك البريطانيون باستنتاجهم حتى تثبت التحقيقات العكس، حيث أكدت المصادر البريطانية أن معلوماتهم مستندة إلى جهود استخباراتية، وكذا الأمر في البيت الأبيض الذي أوضح أن الولايات المتحدة ستبذل جهودًا للمساهمة في كشف غموض الحادث، بالرغم من وجود أدلة لدى الولايات المتحدة عن طريق أحد الردرات الموجودة بالقرب من الحادث التي قد تساعد بشكل أو بآخر في تأكيد فرضية تفجيرها من الداخل، كما تحدث مسؤولون أمريكيون عن اعتراض محادثة إلكترونية تعزز نظرية إسقاط الطائرة الروسية بعبوة ناسفة.
أما عن الروس الذين وجهوا إعلامهم لمهاجمة هذه التصريحات الغربية، فيبدو أنهم بشكل أو بآخر قد تأكدوا من صحة هذه المعلومات بعض الشيء، حيث اتخذت روسيا إجراءً احترازيًا بتعليق الرحلات الجوية الروسية إلى مصر إلى حين، وهو الأمر الذي استدعى اتصالًا هاتفيًا من الرئاسة المصرية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محاولة لإقناعه بالعدول عن هذا الإجراء، الذي سيصيب السياحة المصرية في مقتل؛ كون المكون السياحي الروسي له نصيب الأسد في السياحة المصرية.
المعلومات التي تتكتم عليها القاهرة منذ وقت طويل تظهر الآن في شكل خبر تلو الآخر، بداية من إعلان الرئيس المصري عن أن بلاده وافقت على طلب بريطاني في السابق منذ عدة شهور لمراجعة إجراءات أمن مطار شرم الشيخ، وقد استجابت القاهرة لهذا الطلب، وفي إجابة عن السؤال الذي قد يُطرح بتعجب عن هذا الطلب البريطاني؛ اتضح أن الأمر خلفه حادث غير معلن، تحدثت عنه صحيفة الديلي ميل البريطانية، لحادثة وقعت منذ شهرين، حيث تفادت طائرة ركاب تجارية بريطانية صاروخًا أُطلق عليها أثناء التحليق فوق سماء شرم الشيخ، وقد كانت الطائرة على ارتفاع 1000 قدم نهارًا، ولم يخبر طاقم الطائرة الركاب بما حدث، وقد تم التكتم على الحادث من الجانب المصري والبريطاني في آن واحد، ولم يظهر إلا مع التحقيق في حادث الطائرة الروسية.
هذا الأمر يُفسر بكل وضوح لجوء بريطانيا إلى إجراءات سريعة لحماية رعاياها المتواجدين في مصر، حيث عرضت بريطانيا إجلاء رعاياها بطيران عسكري، لعدم ثقتهم في تأمين حركة الطيران المدني في مصر، وهو الأمر الذي استهجنته مصر، وقد تم التوصل إلى اتفاق وسط يقضي بوصول طاقم أمني بريطاني لتأمين مطار شرم الشيخ لإجلاء قرابة 20 ألف بريطاني.
أما عن الجانب المصري فلم يعلن الأمن المصري عن أي معلومة ذات قيمة تخص الحادث سوى تكذيبات لما أعلنته بريطانيا والولايات المتحدة واتهامات بالتسرع، رغم علم الأمن المصري جيدًا أن الولايات المتحدة تتابع الأمر عن كثب، بسبب قياداتها للقوات الدولية المتواجدة في سيناء، والتي تتخذ من مدينة شرم الشيخ مقرًا لقيادتها.
وفي أحدث ردود الأفعال المصرية حول الحادث، أعلنت مصر عن إقالة مدير مطار شرم الشيخ في ظل القلق الدولي حول سلامة وأمن الطيران في سيناء، ومطار شرم الشيخ على وجه التحديد، خصوصًا بعد أن أشارت الأنباء عن إسقاط الطائرة الروسية بواسطة قنبلة على متنها.
لكن الإقالة لمدير المطار تبعها ترقية له ليصبح مساعد مدير الشركة التي تدير المطارات المدنية في مصر، دون الإشارة إلى أي تقصير من جانبه في إجراءات الأمن داخل المطار، حيث تعتبر مصر مطار شرم الشيخ آمنًا.
كما أعرب مسؤولون مصريون عن أملهم في مراجعة بريطانيا لقراراتها المتعلقة بالسفر إلى مصر، انتظارًا لنتائج التحقيق الجاري حول تحطم الطائرة بدلًا من تعليق رحلاتها الجوية فوق سيناء، وهو ما يشير إلى شيء من اللامبالاة المصرية في التعامل مع الحادث، وهو الذي يستنتج البعض من خلاله أن ما في جعبة الدول الغربية التي تتعامل مع الحادث أكثر مما تعرفه مصر ونظامها عن الحادث الواقع على أراضيها، وأكثر مما يعرفه الشعب المصري.
ففي الوقت الذي يتحدث فيه العالم أجمع عن تبعات هذا الحادث الذي وقع على الأراضي المصرية، وتخرج الصحافة العالمية لتنشر أخبارًا في منتهى الخطورة عن الوضع الأمني للمطارات في مصر، تقف الصحف المصرية والإعلام المصري موقف المتجاهل للكارثة وتبعاتها على الاقتصاد والسياحة في مصر، ممارسين دورهم المفضل في التمجيد في إنجازات الجنرال السيسي التي لا يعترف بها أحد سوى الصحف المصرية فقط.