وفقًا لنتائج انتخابات السابع من يونيو 2015 في تركيا التي لم تمكن حزب العدالة والتنمية من تشكيل الحكومة بمفرده، تواردت عدة تقارير تشير إلى انعكاس هذه النتائج على السياسة الخارجية التركية، وبالفعل ظهر هذا جليًا على أسلوب ولهجة السياسة الخارجية التركية التي بدت أكثر مرونة بحيث قبلت استخدام الولايات المتحدة لقاعدة إنجرليك وعقدت بعض الاجتماعات مع وفود إسرائيلية لنقاش ملف عودة العلاقات وخففت من انتقاداتها للنظام المصري وغير ذلك من السلوكيات المشابهة.
وعلى صعيد العلاقات الخليجية التركية فقد بدت حتى أوائل العام 2015 مختلفة مع كل من الإمارات والسعودية والبحرين تحديدًا بسبب الموقف من الأحداث في مصر، وإن كانت متفقة معهم في سوريا، أما علاقاتها مع قطر فقد كانت تشهد تقدمًا كبيرًا مع مرور الأيام، كما حافظت أنقرة على علاقات جيدة مع الكويت وعمان.
وفي السعودية منذ مجئ الملك سلمان إلى سدة الحكم، حرص الأتراك على عدم تفويت الفرصة لفتح صفحة جديدة في العلاقات ودار حديث عن بوادر تقارب تعززت مع التأييد التركي لعملية عاصفة الحزم في اليمن، تلاه ظهور بوادر تقارب سعودي – تركي مع زيارات رسمية ، تم توقُّع حصول انعكاسات له من خلال عمل مشترك في سوريا للقضاء على نظام بشار الأسد، ومع بوادر التقارب تعالت أصوات تنادي بتطوير التقارب إلى تحالف لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة، ولكن كانت هناك معوقات أمام الوصول للتحالف، لعل أبرزها كان يتمثل في نتائج الانتخابات السابقة التي كانت أرقامها لا تعطي ثقة لحزب العدالة والتنمية نحو اتخاذ قرارات كبيرة وإستراتيجية.
وقد تأكد في ذلك الوقت أنه إذا كانت هناك اتفاقات مع دول خليجية للعمل معًا في سوريا، فإن هذه الاتفاقات لن يكون من السهل تطبيقها في حال تشكَّلت حكومة ائتلافية في أنقرة؛ حيث كان سيناريو تراجع حزب العدالة والتنمية في تركيا لا يخدم فكرة التعاون التركي الخليجي أو السعودي تحديدًا، إلا أن العلاقة مع الدول الخليجية بشكل عام كان من المتوقع أن تسير بشكل جيد، خاصة إذا ما كانت تُقرأ في سياق التنافس الإيراني – الخليجي وبعد الاتفاق على البرنامج النووي بين إيران والغرب.
ومع صدور نتائج انتخابات الأول من نوفمبر 2015 وحصول حزب العدالة والتنمية على أغلبية تؤهله لتشكيل الحكومة وحده، فقد اتضح أن انعكاس السياسة الداخلية على السياسة الخارجية أيضًا يحتاج لوقفة من جديد؛ فقد تغيرت المعطيات وبالتالي فإن السياسة الخارجية أصبح لديها هوامش تحرك أكبر وثقة أكثر وربما ثباتًا وتقدمًا على عكس ما حدث مع نتائج الانتخابات السابقة.
لذا وعلى سبيل المثال فمن الوارد فيما يتعلق بغارات التحالف الدولي في سوريا أن نشهد مرة أخرى حدثًا مشابهًا لرفض البرلمان التركي استخدام الأراضي التركية لضرب العراق في 2003، ومواقف أكثر جرأة في سوريا سواء على المستوى السياسي أو الميداني خاصة بعد التدخل الروسي الواضح.
أما فيما يخص العلاقات التركية الخليجية فإن العلاقات يتوقع لها أن تتطور بشكل كبير مع كل من السعودية وقطر والكويت وقد ظهرت بوادر إيجابية في احتفال السفارة التركية في الكويت بذكرى استقلال تركيا قبل الانتخابات بيوم واحد؛ حيث شارك في الحفل رئيس مجلس الأمة ووزير التجارة وكبار الشخصيات وهو ما يدل على تزايد الاهتمام المشترك، أما العلاقة مع عمان فستبقى في الأغلب على حالها وذلك ربما يرجع لطبيعة السياسة العمانية التي تحب أن تنأى بنفسها، بينما من الواضح أن العلاقات مع الإمارات باقية على توترها ويمكن الاستدلال على ذلك من تغريدات رئيس شرطة دبي ضاحي خلفان التي كانت موجهة ضد حزب العدالة والتنمية، ومن خلال تغطية بعض القنوات للانتخابات التركية أيضًا.
ولعل تركيا تولي اهتمامًا كبيرًا بالتعاون مع السعودية كأكبر بلد خليجي وتحديدًا فيما يتعلق بالملف السوري وقد رأينا أن هناك توافقًا خلال زيارة وزير الخارجية السعودي عادل الجبير إلى أنقرة قبل أسبوعين والتي أكد فيها على رفض تركيا والسعودية لبقاء بشار الأسد في أي حل سياسي وربما يتطور هذا الموقف ليكون أكثر صلابة بعد فوز حزب العدالة والتنمية، ثم تلا هذه الزيارة زيارة لرئيس هيئة الأركان السعودية إلى تركيا وربما أيضًا نشهد دعمًا مكثفًا للمعارضة السورية من قِبل تركيا وقطر والسعودية خاصة مع التدخل الروسي كما ذكرنا، كما من المرجح أن يستمر التأييد التركي لسياسة السعودية في اليمن.
ولعل القلق المشترك والثقة المتناقصة في كل من الرياض وأنقرة في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية خاصة في الملف السوري وفي ملف العلاقات الأمريكية الإيرانية تحثان السعودية وتركيا على تكثيف التعاون لرفض الحلول التي تقدم المصالح الغربية على مصالح سكان المنطقة وشعوبها، ومن خلال تعاون البلدين مع الجهات المتفقة معهما كقطر والمعارضة السورية وغيرها يمكن مواجهة المشاريع الخارجية في سوريا وبقية مناطق التوتر كالعراق واليمن.
أما على صعيد العلاقات الاقتصادية والثقافية فإنه من المرجح أن تستمر العلاقة في التطور مع كافة دول الخليج بشكل عام ومع السعودية وقطر والكويت بشكل خاص، وهو ما يعزز التفاهم والتنسيق بين تركيا ودول الخليج التي باتت تلعب دورًا مفصليًا في قضايا المنطقة.