أكدت المنظمة الدولية لمناهضة التعذيب تواصل ممارسات التعذيب وغيره من العقوبات والمعاملات القاسية واللاإنسانية والمهنية في تونس بعد الثورة، ودعت المنظمة السلطات التونسية خلال ندوة صحفية عقدتها أمس الجمعة بالعاصمة تونس تحت شعار “الإفلات من العقاب = تواصل للتعذيب”، إلى تتبع مرتكبي جريمة التعذيب وإلى توفير الدعم اللازم لضحاياه وعائلاتهم حتى يرد إليهم اعتبارهم بالكامل.
وأشار مختار الطريفي عضو المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تصريح إعلامي على هامش الندوة إلى تسجيل عدد كبير من حالات التعذيب في مراكز الإيقاف التابعة لوزارة الداخلية التونسية، مؤكدًا تلقي المنظمة شكاوى عديدة من قِبل من مورس ضدهم التعذيب ومعاملات قاسية ولا مهنية.
ويقصد بالتعذيب في تونس حسب الفصل 101 مكرر جديد الذي أضيف للمرسوم عدد 106 لسنة 2011 المؤرخ في 22 أكتوبر 2011 “كل فعل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد جسديًا كان أو معنويًا يلحق عمدًا بشخص ما بقصد التحصيل منه أو من غيره على معلومات أو اعتراف بفعل ارتكبه أو يشتبه في أنه ارتكبه هو أو غيره”، ويعد تعذيبًا تخويف أو إزعاج شخص أو غيره للحصول على ما ذكر، ويدخل في نطاق التعذيب الألم أو العذاب أو التخويف أو الإرغام الحاصل لأي سبب من الأسباب بدافع التمييز العنصري، ويعتبر معذبا الموظف العمومي أو شبهه الذي يأمر أو يحرض أو يوافق أو يسكت عن التعذيب أثناء مباشرته لوظيفته أو بمناسبة مباشرته له، ولا يعتبر تعذيبًا الألم الناتج عن عقوبات قانونية أو المترتب عنها أو الملازم لها.
من جهة أخرى شدد الطريفي على ضرورة تتبع مرتكبي جريمة التعذيب، مبينًا أن الإفلات من العقاب يساهم في تواصل التعذيب.
وينص الفصل 23 من دستور 26 التونسي الجديد على: “تحمي الدولة كرامة الذات البشرية وحرمة الجسد، وتمنع التعذيب المعنوي والمادي، ولا تسقط جريمة التعذيب بالتقادم”.
كما أشارت المنظمة إلى ضعف الإرادة السياسية في هذا الملف، ودعت في هذا الإطار السلطات التونسية إلى تكريس إرادتهم السياسية في أعمال ملموسة تضمن وقاية ناجعة من التعذيب وسوء المعاملة، بالإضافة إلى وضع حد للإفلات من العقاب وتقديم مقترفي أعمال التعذيب إلى القضاء وبذل تعويضات للضحايا.
ويعاقب القانون التونسي حسب الفصل 101 ثانيًا بالمرسوم عدد 106 لسنة 2011 بالسجن مدة ثمانية أعوام وبخطية قدرها عشرة آلاف دينار الموظف العمومي أو شبهه الذي يرتكب الأفعال المنصوص عليها بالفصل 101 مكرر من هذه المجلة وذلك حال مباشرته لوظيفه أو بمناسبة مباشرته له، ويرفع العقاب بالسجن إلى اثني عشر عامًا وبخطية قدرها عشرون ألف دينار إذا نتج عن التعذيب بتر عضو أو كسر أو تولدت عنه إعاقة دائمة، ويكون العقاب بالسجن مدة عشرة أعوام وبخطية قدرها عشرون ألف دينار إذا سلط التعذيب على طفل، ويرفع العقاب إلى ستة عشر عامًا والخطية إلى خمسة وعشرين ألف دينار إذا تولد عن تعذيب طفل بتر عضو أو كسر أو إعاقة دائمة، وكل تعذيب نتج عنه موت يستوجب عقابًا بالسجن بقية العمر دون أن يمنع ذلك من تطبيق العقوبات الأكثر شدة المقررة للاعتداءات على الأشخاص إن اقتضى الحال ذلك.
واعتبر رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان عبد الستار بن موسى في وقت سابق أن انتهاكات التعذيب في تونس مرتبطة بعقلية أمنية لم تتغير بعد رغم العديد من المحاولات لإصلاحها، وأوضح بن موسى أن ظاهرة التعذيب ستبقى موجودة طالما لم يقع إصلاح للمنظومة الأمنية بصفة جذرية وطالما لم تفتح السجون أبوابها لمنظمات المجتمع المدني لزيارتها.
ويرجع عديد من المتابعين تواصل التعذيب في مراكز الإيقاف والسجون التونسية بعد الثورة إلى عدم جدية القائمين على الحكم على الحد من هذه الجريمة بالإضافة الى عدم محاسبة جلادي الأمس، كما لم يتغير القائمون على السجون ومراكز الإيقاف ولم تقع محاسبة كل من ثبت تورطه في قضايا تعذيب مارسها أعوان بن علي وشرطته ضد معارضين للسلطة آنذاك وخاصة منها الإسلاميين.
تحتل تونس المرتبة الثالثة في أفريقيا بعد المغرب والجزائر، من حيث عدد المساجين بواقع 30 ألف سجين، وفق بيان مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان لسنة 2013، يتوزع النزلاء على 28 سجنًا وسبعة مراكز توقيف، كانت مخفية عن الرقابة والإعلام قبل الثورة.
ووثقت المنظمة التونسية لمناهظة التعذيب قرابة 500 ملف تعذيبب بواقع 15 ملفًا شهريًا، ووقعت 73% من حالات التعذيب بعد 23 أكتوبر 2012، حصلت 51% منها داخل مراكز الشرطة و31% داخل السجون و16% داخل مراكز الحرس حسب إحصائيات سابقة للمنظمة، كما وثقت المنظمة 8 حالات وفاة مريبة داخل مراكز الإيقاف والسجون بعد الثورة في ظروف مريبة جراء الإفراط من التعذيب على غرار محمد علي بالناجي الذي توفي في سجن صفاقس في 23 مايو 2012، والذي أكدت عائلته تعرضه لسوء المعاملة والتعذيب، إضافة إلى قبيل الجبالي المتوفى في سجن المرناقية في 6 مايو 2012، والذي أكّد والده تعرّضه للتعذيب، وتشير أيضًا إلى شبهات تعذيب في وفيات وليد دنقير سنة 2013 ومحمد علي السنوسي وعلي اللواتي سنة 2014.
الملاحظ أنه رغم ترسانة التشريعات وتنقيح القانون وتشديد العقوبات ضد مقترفي هذه الجرائم في تونس إلا أنّ ذلك لم يضع حدًا لهذه الممارسات القديمة الجديدة، وفي ظل تواصل نفي السلطات التونسية وجود انتهاكات وتعذيب داخل السجون ومراكز الإيقاف، فان عدّة منظمات حقوقية منها الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان ومنظمة حرّية وإنصاف والمنظمة التونسية لمناهضة التعذيب، تؤكد تواصل الاعتداءات على مساجين سواء في مراكز الإيقاف أو السجون، ووثقت هذه المنظمات عشرات الأسماء ممن بلغتهم من عائلاتهم شكاوى، أثبتت تواصل انتهاكات الماضي.