انطلق الحوار السياسي الليبي من قاعدة تشكيل حكومة توافق وطني، وسحب الكتائب المسلحة من المدن، ووقف العمليات العسكرية، وذلك في أول لقاء بين أعضاء مقاطعين لجلسات مجلس النواب في طبرق، وآخرين حاضرين لها بمدينة غدامس جنوب غرب ليبيا في التاسع والعشرين من سبتمبر 2014 برعاية البعثة الأممية في ليبيا بقيادة برناردينو ليون.
هذه القاعدة العريضة للحوار بين الأطراف السياسية الليبية استمرت عضويا حتى بعد إضافة مشاركين جدد إلى الحوار، وذلك بعد حكم المحكمة العليا الليبية القاضي بحل مجلس النواب في طبرق، كالمؤتمر الوطني العام ومستقلين والمرأة وأحزاب سياسية ومجالس بلدية وقبائل.
توسع هذا المنطلق للحوار أيضا موضوعيا بإضافة هياكل جديدة من خلال الاتفاق السياسي، كتحول المؤتمر الوطني العام من جسم تشريعية إلى مجلس أعلى للدولة أغلب مهامه استشارية فيما يتعلق بمشاريع القوانين المقترحة من قبل حكومة التوافق الوطني، والإبقاء على البرلمان في طبرق كجسم تشريعي أوحد في ليبيا، وإنشاء مجلس للأمن القومي، وآخر للبلديات، على أن تحظى أقاليم ليبيا الثلاث “الشرق، الغرب، الجنوب” باحتضان أحد الأجسام الجديدة.
مسودة الاتفاق نصت على أن شرعية هذه الكيانات التشريعية والتنفيذية والاستشارية تستمد شرعيتها من الاتفاق السياسي الذي سيضمن إلى الإعلان الدستوري كتعديل عليه، وبالتالي سقوط الشرعيات الأخرى الانتخابية بمجرد دخول الاتفاق السياسي حيز التنفيذ بالتوقيع عليه نهائيا من كل الأطراف المشاركة في الحوار.
الخيارات البديلة. مجلس النواب
منذ مدة وأثناء التفاوض بين الأطراف السياسية برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا يطرح أعضاء بمجلس النواب الليبي في طبرق شرق ليبيا خيارات أخرى في حال فشل الحوار السياسي وعدم توافق الأطراف الليبية عليه.
أبرز تلك الخيارات هو انتخاب رئيس للبلاد بشكل غير مباشر، أي من قبل أعضاء مجلس النواب، وليس مباشرة من الشعب، وهو خيار أكده أعضاء من مجلس النواب ورئيس عقيلة صالح في أكثر من مناسبة.
يواجه هذا الخيار تحديات كثيرة أبرزها هو اعتراف المجتمع الدولي وقواه الكبرى بهذا الإجراء خاصة بعد أن انتهت ولاية البرلمان في العشرين من أكتوبر الماضي، وتحوله من طرف سياسي منتخب إلى كيان فعلي في الأزمة الليبية، رغم إجراء تمديده الذي قام به البرلمان الذي لم تتحمس له القوى الكبرى أو تدعمه، كذلك فعلت البعثة الأممية في ليبيا.
في مقابل ذلك طرح أعضاء آخرون بمجلس النواب بدائل لم تلق قبولا أو تفاعلا بين باقي الأعضاء الآخرين كتسليم السلطة لمجلس عسكري بقيادة اللواء المتقاعد خليفة حفتر، أو تسليمها إلى مجالس بلدية أو شيوخ قبائل، فهي خيارات غير عملية نظرا لطبيعة الانقسام السياسي حتى داخل معسكر طبرق.
خيارات المؤتمر الوطني العام
خرج المؤتمر الوطني العام عن طريق لجنته السياسية –المقربة من رئيس المؤتمر نوري أبوسهمين-من الموقف السلبي الرافض لاتخاذ قرار بشأن حكومة التوافق الوطني ومسودة الاتفاق السياسي، إذ لم يجر تصويت داخل المؤتمر على قبولهما أو رفضهما. خرج من ذلك إلى الإعلان عما أسمته اللجنة السياسية بالحوار “الليبي-الليبي” الرامي إلى عقد مفاوضات مباشرة بين مجلس نواب طبرق، ومؤتمر طرابلس، وترتيب لقاء بين الرئيسين نوري أبوسهمين وعقيلة صالح سواء داخل ليبيا أو خارجها.
النائب لرئيس المؤتمر الوطني عوض عبد الصادق أعلن في أكتوبر الماضي عن لقاءات جرت بين برلمانيين من المؤتمر والبرلمان بالعاصمة الليبية طرابلس، وسبق ذلك لقاءات بالعاصمة التونسية بين الطرفين.
المبادرة المطروحة في الحوار الليبي-الليبي تتخذ من مسودة الاتفاق السياسي التي تفاوضت حولها الأطراف الليبية في عدة بلدان عربية وأوروبية سقفا لها، وكذلك لإطار حكومة التوافق الوطني المعلنة من قبل برناردينو ليون بالصخيرات المغربية في أكتوبر الماضي.
إلا أن الإعلان عن جولة تفاوض ليبي –ليبي لم تلق صدا لدى مجلس النواب الليبي، ولم يعلن عن البدء فيها رغم مشاركة أعضاء من منطقة الجنوب الليبي بالمؤتمر الوطني ومجلس النواب في المفاوضات. حتى بعد تسريبات صحيفة الجارديان البريطانية لمراسلات بين وزير الخارجي الإماراتي عبد الله بن زايد والمبعوث ليون بشأن الانحياز لمجلس النواب في طبرق.
دار الإفتاء الليبية هي الأخرى دعمت خطوة الحوار الليبي-الليبي في مقالة للمفتي الصادق الغرياني نشرها على صفحة الدار بموقع التواصل الاجتماعي الفيسبوك.
في الرابع من نوفمبر الجاري وقع أكثر من خمسين عضو بالمؤتمر الوطني العام على بيان يطالبون فيه بتقليص وسحب صلاحيات رئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبوسهمين، خاصة تلم المتعلقة بإدارة ملف الحوار الليبي، داعين في الوقت ذاته إلى عقد جلسة واتخاذ قرار نهائي بشأن مسودة الاتفاق السياسي وحكومة التوافق الوطني.
وهي خطوة بحسب المتابعين للشأن الليبي تنبأ بعمق الانقسام الداخلي بالمؤتمر الوطني العام، وتوزعه إلى أعضاء داعمين للتوقيع على المسودة بصيغتها الأخيرة والقبول بحكومة التوافق المعلن عنها، بينما يوافق آخرون على المسودة والحكومة شرط إضافة تعديلات عليها. في حين يرفض آخرون بمن فيهم رئيس المؤتمر نوري أبوسهمين صيغة المسودة والحكومة بشكل نهائي.
ما بين خيار انتخاب رئيس جمهورية للبلاد بشكل غير مباشر من قبل مجلس النواب الليبي، وإجراء حوار ليبي-ليبي مباشرة بين البرلمان والمؤتمر، يقف الحوار الليبي متعثرا ومن المحتمل أن يزداد تعثره بعد تسريبات الجارديان البريطانية.