ماذا إن مد الرجل الذي تريد أن تصافحه فجأة يدًا آلية غريبة الشكل ليصافح بها يدك، أو خلع زميلك في العمل حذاءه لتخرج قدم آلية تمشي، لابد وأنك ستصاب بالفزع كأنك في أحد أفلام الخيال العلمي، لكن، يبدو أن عصر الآلات المتقدمة المتصلة بالدماغ قادم، إذ إن التفاعل بين المخ البشري والآلة يتخذ منحنيات جديدة تمامًا لم تكن موجودة من قبل.
أبسط عضو آلي متصل بالدماغ نستطيع استخدامه هو اليد الآلية، فقد تمكن العلماء من جعلها تتفاعل مع أوامر الدماغ والأفكار بل وحتى الصوت، فقد تمكننا من حوسبة الأفكار وأوامر الصوت كي تصبح الأوامر مفهومة لليد، لكن كل ذلك ما يزال محدودًا، وهي عملية بطيئة تسرق من الوقت والاهتمام اللازم لإنجاز المهمة التي يريدها الإنسان.
لكن، ماذا إن تم وصل العقل البشري مع الآلة بشكل جديد يوسع فهم المعلومات، بإرسالها، ليس عبر الأعصاب والعضلات المكونة من اللحم الحي، وإنما عن طريق الأسلاك وأشباه الموصلات المصنوعة من المعدن؟ حسنًا، إن ذلك سوف يفتح باب مستقبل جديد تمامًا في الطب.
هناك نوعان أساسيان من التفاعل اللذان يحدثان بين الدماغ والآلات؛ فهناك معلومات داخلة ومعلومات خارجة، والمعلومات عامة تتخذ صورة عضو حسي صناعي أو عضو بشري تم تعديله لترسل الإشارات بشكل مباشر إلى الجهاز العصبي المركزي، مثل زرع القوقعة أو العين، والمعلومات الخارجة، مثل المعلومات التي تتوجه من الدماغ إلى ذراع آلية بيونية وتحريكها بالأفكار فقط، أما العضو الآلي الأكثر تطورًا حتى الآن، فو الذراع البيونية الحساسة، القادرة على إرسال واستقبال المعلومات في الوقت ذاته.
ومن المهم أن نستطيع التفريق بين الآلات التي تقرأ والتي ترسل الإشارات إلى الدماغ، وبين الآلات التي تقوم بخلق إشارات عصبية في الجهاز العصبي ثم تسمح للجهاز العصبي بتمرير هذه الإشارات إلى المخ وحدها، ويوجد هناك ميزات وعيوب لكل من الطريقتين.
ولكي نفهم الفرق، نستطيع أن نأخذ على سبيل المثال الذراع التعويضية التي يمكن تحريكها بالأفكار فقط دون قول أي شيء، فقد زرع الأطباء أقطابًا على سطح المخ، ثم استخدموا هذه الأقطاب لقراءة وتسجيل نشاط المخ، وقد تمكنوا من تعليم الكمبيوتر بهذه الطريقة، التي تسجل كل أنواع الأفكار، من أن يفرق بين الأمنيات المختلفة وينفذ الأفكار الخاصة به فقط، وهذا شيء شاق جدًا على تكنولوجيا التحكم بالتفكير، حيث إننا نفكر في أشياء غير نهائية، وما على كمبيوتر اليد الآلية إلا أن ينفذ نسبة ضئيلة جدًا من كل هذا.
وتعد عملية التعرف الكمبيوتري هذه محاولة لإعادة اختراع شيء أقدم بكثير جدًا من العجلة، فقد قام التطور في الإنسان بتكوين هياكل عصبية تستطيع أن “تخرج الإبرة من كومة القش”، حيث تتعرف بدقة على الأفكار المطلوبة وسط كل هذا التعقيد التركيبي للمخ والأعصاب، لتنتج أوامر حركية بسيطة، والعكس أيضًا، ولكن، ليس من الفعال أن نضيع وقتنا ونحن نطلب من الكمبيوتر أن يعيد تعلم ما يقوم به المخ والأعصاب من غربلة للإشارات.
توجد فكرة مبتكرة جديدة في الأطراف الصناعية العصبية، وهي “إعادة تعصيب العضلة المستهدفة”، وهذا يسمح للعلماء في بعض الحالات، بالحفاظ على جزء من العضلات التالفة قرب موضع البتر، واستخدام هذه العضلات للإبقاء على الأعصاب عديمة الاستخدام على قيد الحياة، هذه الأعصاب لا تسيطر على شيء بعد قطع الطرف المختصة به، لكن إبقاؤها حية يبقي على وصول الإشارات إليها، والشيء الجيد هو أن الإشارات الواصلة إليها تكون مغربلة بالفعل، مما يسهل على الطرف الآلي قراءتها، وبذلك يحرك الشخص مبتور الطرف يده دون حاجة نظام معقد يغربل الإشارات في مخه.
هذه الفكرة تم تطبيقها أيضًا في الرقائق الصناعية المزروعة في العين، بجعلها ترسل الإشارات إلى العصب البصري، وليس إلى المخ نفسه، وبذلك نتخلص من تعقيد الأمر وتصل الإشارات كأي إشارات طبيعية للمخ.
وقد تطورت قراءة المخ المباشرة للإشارات مؤخرًا بخطوات رائعة للأمام، فمن الشبكات العصبية فائقة التقدم والقابلة للحقن، إلى الحلول البصرية المعدلة جينيًا والتي يمكن أن تجبر الخلايا العصبية على التحفيز بمجرد التعرض للضوء، وكذلك تركيب الأقطاب على الرأس من الخارج، ومع إن ذلك قد لا يبدو جميلًا ظاهريًا، لكنك قد ترغب بتجربة واحدة في المستقبل القريب.
أما على المدى البعيد، فلا يمكن لنا أن نخمن المدى الذي سيصل إليه تفاعل المخ البشري مع الآلات، فهل سنكون قادرين يومًا على الوصول إلى أجزاء جديدة أوسع من القشرة المخية الحركية مكبرة بفضل تقدم البرمجيات؟ هل يمكن أن ننقل على الكمبيوتر كل أفكارنا كاملة وليس شيئًا مخصصًا فحسب؟ إذا كنت في محل وكنت محتارًا بشأن شراء سترة لصديقك، هل تستطيع إرسال الإحساس بملمس السترة له عن بعد عن طريق الإنترنت؟ الزمن وحده سوف يجيب على هذه الأسئلة.