ترجمة وتحرير نون بوست
في 30 يوليو، قاد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي موكب جنازة النائب العام هشام بركات، الذي قُتل في اليوم السابق بتفجير سيارة مفخخة أثناء مغادرته لمنزله في القاهرة، “لن نتوانى وننتظر بخصوص هذه الحادثة”، قال السيسي وملامح الغضب بادية عليه، ببدلته السوداء ونظاراته الشمسية التي تحمل ذات اللون، وأردف قائلًا أثناء تجمع أقارب الضحية حوله، “سوف نعدل القوانين لكي نتمكن من تحقيق العدالة في أقرب وقت ممكن”.
تعهد السيسي بحملة أمنية أشد قسوة وضراوة ضد “أعداء” نظامه؛ فالمتشددون الإسلاميون سبق لهم اغتيال القضاة، ولكنهم الآن يستهدفون أركان النظام في قلب العاصمة، وتعهد السيسي بشن حربه الخاصة ضد الإرهاب، حيث أوفد آلاف القوات الإضافية إلى شبه جزيرة سيناء، وسّع “المنطقة العازلة” على طول الحدود مع قطاع غزة، شدد على عقد محاكمات سريعة للمتشددين المتهمين مع إصدار أحكام إعدام معجلة النفاذ، ومارس حملة متجددة من القمع على الصحافة.
وفعلًا، حقق السيسي جميع ما وعد به، ولكن ومع ذلك، وفي يوم الخميس، وبينما كان يقف داخل مبنى 10 داوننغ ستريت مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، ما كان ينبغي أن يكون مشهدًا يوثق الصورة التذكارية لانتصار السيسي، التي تشير إلى قبوله من قِبل المجتمع الدولي بعد عامين من إطاحة الجيش المصري بأول رئيس منتخب ديمقراطيًا في البلاد، تحول إلى موقف محرج للرئيس المصري، حيث صرّح كاميرون بقوله، “من الأكثر ترجيحًا أن تكون قنبلة إرهابية قد دمرت الطائرة الروسية المستأجرة” التي تحطمت في سيناء في 31 أكتوبر، مسفرة عن مقتل الـ224 راكبًا الذين كانوا على متنها، حيث أقلعت الطائرة من منتجع شرم الشيخ الشهير، وتحطمت إربًا بعد إقلاعها متجهة إلى سان بطرسبرج بحوالي الـ20 دقيقة.
بعد ساعات من وقوع الحادث، أعلنت جماعة ولاية سيناء، وهي إحدى الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، مسؤوليتها عن إسقاط الطائرة انتقامًا للتدخل العسكري الروسي في دعم نظام بشار الأسد في سورية، ولكن الشكوك الأولية التي ثارت حول إعلان مسؤولية الجماعة عن إسقاط الطائرة، أثارت استياء ولاية سيناء، مما دفعها لإصدار بيان ثان في 4 نوفمبر، أعلنت فيه بأنها “أسقطت الطائرة بعون الله، لكننا لسنا ملزمين بالكشف عن الآلية التي استخدمناها”.
من جهتهم، رفض المسؤولون المصريون والروس ادعاءات كاميرون، رغم أن بعض المسؤولين الأمريكيين ومسؤولي وكالات الاستخبارات الغربية أكدوا بأن الطائرة تدمرت إثر انفجار قنبلة زرعتها جماعة جهادية في مطار شرم الشيخ، ولكن بجميع الأحوال، فإن هذه الحادثة أثارت شكوكًا حقيقية حول قدرة نظام السيسي على الحفاظ على الأمن في أحد أكثر المدن أمنًا في مصر، والتي تعتبر وجهة سياحية كبرى، ومركزًا للعديد من المفاوضات في الشرق الأوسط ومؤتمرات القمة الإقليمية.
تحقيق الأمن ليس الوعد الوحيد الذي نكث السيسي بالحفاظ عليه، فعندما تولى السلطة، وعد الأخير بالعودة السريعة إلى الديمقراطية والحكم المدني، ولكن بدلًا من ذلك، تحول إلى ديكتاتور وطاغية، وهذا التحول يعتبر شاهدًا على المدى الذي ابتعد به الشرق الأوسط عن وعود وآمال ثورات الربيع العربي التي باشرت في وقت مبكر من عام 2011، والتي أطاحت بالرئيس المصري آنذاك حسني مبارك وغيره من الديكتاتوريين من على رأس السلطة، وكغيره من ديكتاتوريي الجيل السابق في العالم العربي، حنث السيسي بوعوده بالإصلاح، في الوقت الذي حاول فيه إيجاد سبلًا جديدة لتعزيز سلطته وحكمه.
وأيضًا كالديكتاتوريين الذين سبقوه، تعلم السيسي بأن الاعتقالات الجماعية، المحاكمات الصورية، وقمع الحريات المدنية، ليست إجراءات كافية لقمع المعارضين للحكم.
بعيد إطاحة الجيش بمحمد مرسي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين والرئيس المنتخب ديمقراطيًا، من السلطة في يوليو 2013، هبطت مصر في دوامة من العنف والقمع والانتقام المتصاعد الذي تتبناه الدولة، حيث أطلقت الحكومة الجديدة المدعومة من الجيش حملة عنيفة لقمع جميع المعارضين السياسيين، وملاحقة قادة الإخوان الذين فروا بعد الانقلاب، وتراجعت عن العديد من المكتسبات التي حققتها ثورة يناير 2011، وتقدر جماعات حقوق الإنسان بأن النظام المصري يحتجز أكثر من 40.000 سجين سياسي، أغلبهم من مؤيدي جماعة الإخوان المسلمين.
استطاعت مصر أن تتجنب بشكل كبير سفك الدم والمجازر التي طفقت ما بعد الثورات التي شهدتها سورية وليبيا واليمن، ولكن بعد الإطاحة بمرسي، كثف المتشددون الإسلاميون تمردهم في شمال سيناء، مما أسفر عن مقتل المئات من جنود الجيش ورجال الشرطة المصريين، وأعلن العديد من المتشددين في وقت لاحق ولائهم للدولة الإسلامية وزعيمها أبو بكر البغدادي، وفي نوفمبر من عام 2014، غيّر المسلحون في مصر اسم جماعتهم ليصبح ولاية سيناء، في خطوة تُظهر أنهم يعتبرون أنفسهم جزءًا من الدولة الإسلامية الأوسع التي أعلنها البغدادي.
السيسي، الذي كان وزيرًا للدفاع في حقبة مرسي والمحرض الرئيسي للانقلاب عليه، انتخب رئيسًا للبلاد في مايو 2014 بنسبة تصويت تبلغ 97% من كامل الأصوات، وهي حصيلة تليق بديكتاتور حقيقي، ومنذ ذلك الحين، أرجع السيسي العديد من عناصر الحكم العسكري، كما أعاد بعض المسؤولين من نظام مبارك السابق إلى السلطة، وحكم البلاد بالمراسيم الجمهورية لعدم وجود برلمان مصري منذ ثلاث سنوات، ولإخماد التمرد في شمال سيناء، أمر السيسي بتكثيف الغارات الجوية وأعلن سيناء منطقة عسكرية مغلقة محظورة على الصحفيين، واعتمد على التكتيكات الديكتاتورية الأخرى، كالاعتقالات الجماعية وهدم أكثر من 3000 منزل وغيرها من المباني المدنية بالقرب من الحدود مع غزة.
لفترة قصيرة، كان يبدو بأن عصر حكم الطغاة قد اقترب من نهايته؛ ففي أكتوبر 2011، تم القبض على الديكتاتور الليبي معمر القذافي مختبئًا في أنبوب للصرف الصحي بالقرب من مسقط رأسه في مدينة سرت، وحينها تعرض للضرب، وقُتل رميًا بالرصاص من قِبل المعارضين المسلحين، واضعين بذلك نهاية حقيرة لحكمه الذي استمر لمدة 42 عامًا.
معاصرو القذافي، من أمثال صدام حسين وحافظ الأسد، كانوا من الرجال العسكريين المنحدرين من الأسر الفقيرة والبلدات القاحلة الذين شقوا طريقهم إلى الأعلى من خلال ركوبهم على موجة المشاعر الثورية التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن المنصرم، وكان أولئك القادة يستمدون إلهامهم من جمال عبد الناصر الذي أطاح بالحكم الملكي المصري المدعوم بريطانيًا في عام 1952، وتعهد بتخليص العالم العربي من آثار الحكم الاستعماري؛ فالخطب المثيرة لعبد الناصر، والتي سمعها كامل العالم العربي من خلال راديو الترانزستور الذي كان قد اُخترع حديثًا حينها، أشعلت رؤى الوحدة العربية، وكانت تلك الفترة تمثل هيجانًا عامًا، وفي تلك الآونة خسر التجار والنخب الإقطاعية، وهم حلفاء القوى الأوروبية الاستعمارية القديمة، سيطرتهم على زمام الأمور، وفي البداية ظهر وكأن صدام، القذافي، والأسد يجسدون حقبة جديدة وواعدة للإصلاح، ولكن هؤلاء القادة وغيرهم قمعوا بسرعة أي معارضة، أعدموا منتقديهم، وأهدروا الموارد الوطنية.
بحلول عام 2011، بدأ طغاة العالم العربي يترنحون ويتساقطون واحدًا تلو الآخر، حيث ظهر جيل جديد من الشباب الثوريين الذين عززوا الشعور بالهوية العربية المتحدة حول المطالبة بالحقوق السياسية والاجتماعية الواسعة، ومع انطلاق الاحتجاجات في تونس في نهاية عام 2010، امتدت الحالة الثورية لتشمل مصر، ليبيا، اليمن، البحرين، وسورية، حيث استلهمت كل انتفاضة قواها من الأخرى، وظهرت طليعة من القادة المدنيين ضمن الثورات، الذين اعتمدوا على بعض الخطابات القومية العربية القديمة حول مناهضة الاستعمار ومقاومة إسرائيل، رغم أنهم كانوا يدركون جيدًا إخفاقات الجيل السابق من طغاة العرب في تحقيق هذه الشعارات.
المتظاهرون في ثورات الربيع العربي أعلنوا رفضهم للعقد الاجتماعي الذي يقوم على تماشيهم وتحملهم للقمع الحكومي، القوانين التعسفية، تقييد وسائل الإعلام ورقابتها، وحكم الحزب الواحد، مقابل تحقيق الحكومات للأمن والاستقرار، وبدلًا من ذلك، طالبوا بالعدالة والحرية والكرامة، “لا يجب أن يخاف الشعب من الحكومة، بل على الحكومة أن تخاف من الشعب” كُتب على لافتة شعبية في ميدان التحرير في القاهرة أثناء ثورة 2011.
ولكن الطرق القديمة أثبتت بأنها تتمتع بديمومة مدهشة، حيث تدخلت القوتين الإقليمتين المتناحرتين، المملكة العربية السعودية وإيران، في ثورات البحرين واليمن وسورية ومصر لدعم الطغاة الحاليين أو لاستعادة حكمهم أو لخلق طغاة جدد؛ فالنظام السعودي تكدر جرّاء سقوط نظام مبارك، المتحالف مع النظام السعودي منذ مدة طويلة، حيث وبخ السعوديون إدارة أوباما للتخلي عن مبارك، ولكن آل سعود شعروا بحالة غضب هيستيرية جرّاء امتداد ثورات الربيع العربي لتدخل اليمن على حدودها الجنوبية، والبحرين، الدولة ذات الأغلبية الشيعية التي يحكمها نظام ملكي سني قمعي، والتي تبعد 16 ميلًا فقط عن المنطقة الشرقية بالمملكة العربية السعودية، وهي المنطقة التي تتركز فيها معظم احتياطيات النفط في المملكة، كما أنها موطن للأقلية الشيعية المحرومة من حقوقها في السعودية.
اتهم آل سعود إيران بدعم انتفاضة البحرين، حيث أرسلت المملكة قواتها إلى داخل البحرين لسحق حركة الاحتجاجات، ومن جهتها، كانت إيران في بداية الأمر متحمسة لثورات الربيع العربي التي أسقطت طغاة تونس ومصر وليبيا، حتى هددت هذه الانتفاضات حليف طهران الوفي، الديكتاتور السوري بشار الأسد، الذي ورث دور الطاغية من والده في سورية، وحينها أرسلت إيران المال والسلاح والمستشارين العسكريين لدعم نظام الأسد، في حين عمدت المملكة العربية السعودية ودول عربية سنية أخرى لدعم المعارضين السوريين.
وجد آل سعود بالسيسي ضالتهم المنشودة في مصر، حيث كان الأخير يخدم كملحق عسكري في السفارة المصرية بالسعودية، ومع شنه لحملة القمع التي استهدفت الإخوان المسلمين، أصبحت السعودية الراعي الأهم للنظام المصري، حيث قدم آل سعود أكثر من 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد المصري المتهالك، وضغطوا على الإمارات العربية المتحدة والكويت لتتعهدا بتقديم المزيد من المساعدات للحكومة المصرية الجديدة؛ فمنذ الانقلاب، تلقى نظام السيسي أكثر من 30 مليار دولار من هذه الدول الخليجية الثلاث.
أظهرت سلسلة من التسجيلات الصوتية المسربة للسيسي وكبار الجنرالات، بأن الإمارات وفرت الأموال لحساب الجيش المصري لتمويل حملة الاحتجاجات الشعبية ضد مرسي، حيث يُظهر تسجيل مسرب قول رئيس مكتب السيسي، الجنرال عباس كامل، لجنرال آخر “سيدي، سنحتاج غدًا لـ200 من حساب تمرد، كما تعلم، الجزء العائد لدولة الإمارات الذي حولوه”، ويوضح كامل فيما بعد إن 200 تعني 200 ألف جنيه مصري أي حوالي 30.000 دولار في ذلك الوقت، علمًا بأن حركة تمرد هي الحركة التي تم تصويرها في الكثير من الصحف العربية والغربية على أنها حملة شعبية مستقلة ظهرت من تلقاء نفسها وأججت الاحتجاجات التي مهدت للإطاحة بمرسي قبل انتهاء فترته الرئاسية.
بعد الانقلاب، ظهر تسجيل آخر يُظهر السيسي وهو يعطي تعليماته للجنرال كامل لإبقاء مليارات الدولارات المقدمة على صورة مساعدات من السعودية وغيرها من دول الخليج في الحسابات التي تسيطر عليها وزارة الدفاع، بدلًا من وضعها في حسابات الحكومة المدنية، وفي تسجيل آخر يمكن سماع السيسي وزملائه الجنرالات وهم يضحكون لسهولة مطالبة دول الخليج بمبالغ نقدية كبيرة، “لماذا تضحك؟” يقول السيسي لكامل، “هم (الخليجيون) لديهم مال كالأرز يا رجل!”
وفي مكالمة أخرى، يظهر السيسي مرتابًا من المبالغ التي تلقوها من رعاتهم الخليجيين “لا لا لا، ليس 8 مليارات دولار في ستة أشهر” يقول السيسي، قبل أن يقتنع من خلال العد السريع بأنهم تلقوا في الواقع ما مجموعه أكثر من 30 مليار دولار، وعندها يقول السيسي “اللهم أدم الخير علينا” ويجيب كامل “يا رب يا سيدي”.
اليوم، يمكن لنظام السيسي مواصلة حملته القمعية متمتعًا بحصانة الإفلات من العقاب، والسبب بذلك يرجع جزئيًا إلى إعلان الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بأنها تفضل الاستقرار على الديمقراطية؛ فأغلب الأنظمة الغربية رضيت بالانقلاب، ولم توجه أي اعتراض على المحاكمات الصورية وأحكام الإعدام الجماعية التي أصدرها القضاء المصري، وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تقدم لمصر مبلغ 1.3 مليار دولار سنويًا على شكل مساعدات عسكرية، ولكنها مع ذلك مترددة في استخدام هذه المساعدة كورقة ضغط ضد النظام المصري، والرئيس أوباما ووزير خارجيته جون كيري لم ينتقدا ديكتاتورية السيسي بشكل جوهري، وحتى بعد حكم الإعدام الذي أصدره القضاء المصري بحق مرسي في وقت سابق من هذا العام، كان أشد انتقاد وجهته وزارة الخارجية الأمريكية يتمثل ببيان فاتر أعربت فيه عن “قلقها العميق” من الوضع المصري، ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من أن السيسي وجد بديلًا عن مساعدات الولايات المتحدة من خلال اعتماده المتزايد على تمويل المملكة العربية السعودية وغيرها من دول الخليج، ولكنه لا يستطيع أن يجد بديلًا للمعدات العسكرية المتطورة التي تقدمها له واشنطن.
في منتصف يونيو، صدّقت محكمة مصرية عقوبة الإعدام الصادرة بحق مرسي، أول زعيم للإخوان المسلمين يتولى رئاسة دولة عربية، حيث حُكم عليه بعقوبة الإعدام جنبًا إلى جنب مع أكثر من 100 متهم آخر، لمشاركتهم المزعومة في حادثة الفرار من السجن، وكان هذا الحكم أحدث حلقة في سلسلة المحاكمات الصورية وأحكام الإعدام الجماعي التي أصدرها القضاء المصري منذ الانقلاب، ولكن بغض النظر عن مصير مرسي، أحكام الإعدام الجماعية ترسل رسالة خطيرة للإسلاميين في جميع أنحاء المنطقة، تتمثل بأن الطريق الوحيد للوصول إلى السلطة السياسية يتجسد باستخدام العنف، وتبين تجربة الإخوان المسلمين الأخيرة في مصر بأن القوات السلطوية والعلمانية، والتي غالبًا ما تحقق نتائج سيئة في صناديق الاقتراع، ستحشد لتقويض الإسلاميين حتى قبل أن تتاح لها الفرصة لتولي الحكم بشكل كامل.
عندما أطاح بمرسي، أصر الجيش المصري بأنه كان يتصرف بناء على إرادة الشعب المصري، الذي أُصيب بخيبة أمل نتيجة لحكم مرسي الأخرق وسياساته الاقتصادية الكارثية، لكن الجيش لم يتوقف عند هذا الحد، بل عمد إلى اعتقال مرسي جنبًا إلى جنب مع الآلاف من قادة الإخوان وغيرهم من الناشطين، أغلق وسائل الإعلام المتعاطفة مع الإسلاميين، وحظر الحركة من الحياة السياسية المصرية بشكل تام، ومن ثم، وفي أغسطس 2013، فتحت قوات الجيش والأمن النار على الآلاف من أنصار مرسي الذين كانوا يقيمون اعتصامًا سلميًا في ميدان رابعة العدوية، مما أسفر عن مقتل 1000 شخص على الأقل، ووصفت هيومن رايتس ووتش في تقرير لها أصدرته بعد عام واحد من المجزرة بأنها “واحدة من أكبر عمليات قتل المتظاهرين في العالم في يوم واحد يشهدها التاريخ الحديث”.
في العقود التي سبقت الثورات العربية لعام 2011، نبذت الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة سياسة العنف والتزمت بالمشاركة في السياسة الانتخابية، ولكن الآن، يرى الإسلاميون انقلاب الجيش المصري وحملة القمع اللاحقة كإشارة إلى أن نتائج الانتخابات لن يتم احترامها، وهذه العملية قد تخرج عن نطاق السيطرة، كما حصل في الجزائر في عام 1992، عندما كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك الفوز في الانتخابات البرلمانية، وحينها تدخل الجيش لإلغاء الجولة الثانية من التصويت، وأدى هذا الانقلاب لتفجير حرب أهلية دموية استمرت لثماني سنوات وأودت بحياة أكثر من 100.000 شخص.
الكثيرون في العالم العربي والغربي فشلوا في فهم هذا الخطر، فرغم أن الحكم الاستبدادي يبدو وكأنه يوفر الاستقرار على المدى القصير، إلا أنه يولّد السخط ويؤكد على فكرة أن العنف هو السبيل الوحيد لإيصال الصوت، كما أن الطغاة، كالسيسي وغيره من طغاة الجيل السابق، يفضلون وضع الشعب أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الحكم الاستبدادي الذي يظهر شكليًا بوجه العلمانية، أو الحياة تحت حكم المتطرفين الإسلاميين كالقاعدة أو داعش، ومن هذا المنطلق، فإن الحكام الذين يعمدون لشيطنة جميع الإسلاميين والمعارضين وغيرهم من خلال وصفهم بالإرهابيين الذين ينبغي قمعهم، يسمحون من خلال ممارساتهم بتكرار أنماط القمع التي تؤدي إلى المزيد من التطرف، ولكن بغية محافظتهم على السلطة، قد لا يجد الطغاة أمامهم طريقًا آخر سوى هذا الطريق القمعي والاستبدادي.
المصدر: بوليتيكو