فصل آخر من فصول الصراع بين المكونات المتحالفة في نظام انقلاب الثالث من يوليو، هذه الطوائف المتعددة المآرب التي اتحدت فيما بينها على خلفية الصراع مع نواتج ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي تخلصت منها واحدة تلو الأخرى، حتى أنهت ذلك الصراع بضربة قاضية للإسلاميين استخدم الجيش المصري فيها للإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.
عقب هذا الانتصار اللحظي في الثالث من يوليو بدأت هذه الشبكات المعقدة من المصالح في جباية ثمن مجهوداتها في الصراع السابق، لكن يبدو أن المؤسسة العسكرية المصرية كان لها رأي آخر، وأعلنت بكل وضوح أنها لا تحب الشركاء، سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي.
ومنذ ذلك الحين دخل ممثل المؤسسة العسكرية في الرئاسة عبدالفتاح السيسي صراعًا مكتومًا مع طائفة رجال الأعمال التي تكونت إبان عهد مبارك، حيث رفض السيسي الاعتماد عليهم اقتصاديًا مفضلًا المؤسسة العسكرية وأذرعها الاقتصادية في كافة المشاريع المطروحة داخل الدولة، كذلك على الجانب السياسي لم يضع ثقته في السياسيين من هؤلاء رجال الأعمال الذي يؤمنون مصالح هذه الطائفة، إلى أن بدأت بوادر وتجليات هذا الصراع تظهر للعلن.
نتحدث اليوم عن أحد هذه التجليات وهو الإعلان عن القبض على رجل الأعمال صلاح دياب أحد مؤسسي جريدة المصري اليوم، ورئيس مجلس إدارة مجموعة “بيكو” الاستثمارية بتهم متعلقة بالفساد المالي، وذلك بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن التحفظ على أمواله.
من هو رجل الأعمال صلاح دياب؟
يُوصف صلاح دياب بأنه رجل التطبيع الأول مع إسرائيل، وشريك لرجل الأعمال محمود الجمال صهر الرئيس المخلوع حسني مبارك، حيث تعتبر المجموعة التي يترأس مجلس إداراتها “بيكو” وتحديدًا النشاط الزراعي بها هي المحتكر الرئيسي لنشاط التعاون الزراعي مع إسرائيل، حيث تعمل الشركة على الاستيراد في المجال الزراعي من إسرائيل كافة أدوات الري المصنعة هناك، كذلك بذور فاكهة إسرائيلية خاصة، وتعد الشركة المصدر الحصري لهذه المنتجات الإسرائيلية في النشاط الزراعي.
هذه الشركة التي بدأت نشاطها مع إسرائيل في العام 1990، حينما بدأت استيراد التقاوي والمخصبات الزراعية ومعدات الري الإسرائيلية، كما أنه من المعلوم أن الشركة تضم مجموعة من الخبراء الإسرائيليين في مجال الزراعة.
كما يحتكر صلاح دياب وشركاؤه من عائلته قرابة 70% من توكيلات الشركات الأمريكية في مصر، وذلك طبقًا لدليل الأنشطة التجارية الأمريكية في مصر الصادر عن السفارة الأمريكية في القاهرة، بذلك يستحوذ دياب علي 43 توكيلاً لشركة أمريكية وهو أكبر عدد من التوكيلات لشركات أمريكية تحصل عليه جهة واحدة.
وعلى ذلك تعتبر مجموعة دياب هي الأنشط في الغرفة التجارية الأمريكية، حيث تنوعت علاقاته ونفوذه، حتى وصلت إلى شركات “هاليبرتون” البترولية الأمريكية التي ترأسها في وقت ما نائب الرئيس الأمريكي السابق ديك تشيني.
كما أسدل الستار عقب ثورة الخامس والعشرين من يناير عن قضية فساد قام فيها وزير البترول إبان عهد مبارك سامح فهمي ببيع حقل جيسوم البترولي إلي شركة بيكو المملوكة لدياب بسعر يقل عشر مرات عن سعره الحقيقي، كما تم بيع حقل الأمل المملوك للهيئة العامة للبترول إلى شركة دياب بخسارة قدرت حينها بـ 10 مليارات جنيه، لكن لسبب غير معلوم لم تُفتح هذه القضية إلى اللحظة.
الدفاتر القديمة
رغم كل هذه المعلومات التي تدين صلاح دياب والمعروفة في سوق الأعمال بمصر، لم تتم مواجهة دياب ومجموعة شركاته بهذه الوقائع إلا في تحقيقات هزلية بعد ثورة يناير، لكنها في الحقيقة لم تسفر عن شيء، لكن النظام الحالي حينما أراد أن يوقع برجل الأعمال صلاح دياب، ذهب وفتش في دفاتره القديمة.
إذ أكدت النيابة العامة أن القضية التي أصدر فيها النائب العام قرارًا بالتحفظ على أموال رجل الأعمال صلاح دياب، هي قضية مشروع “نيو جيزة” والذي قام خلاله فتحي سعد، محافظ الجيزة الأسبق، بتخصيص قطعة أرض مساحتها 4 ملايين و992 ألف متر، بالأمر المباشر لخمسة رجال أعمال لإقامة مشروع سكني عليها.
وبحسب وكالة أنباء الشرق الأوسط ، فإن رجال الأعمال الخمسة رغم حصولهم على تراخيص للأرض بالمخالفة للقانون، إلا أنهم رفضوا بعد ذلك دفع باقي ثمنها والذي تعدى 4 مليارات و500 مليون جنيه.
حيث يتهم النظام دياب وشريكه محمود الجمال بالاستيلاء من خلال شركة “صن ست هيلز” للاستثمار التي أنشئت في التسعينات على 750 فدانًا بسعر 300 جنيه للفدان، رغم أن سعره الأصلي بلغ 8 آلاف جنيه في تلك المنطقة بغرض الزراعة، كما جاء في قرار التخصيص، لكن الشركة لم تلتزم بقرار التخصيص، وقامت باستغلال الأرض في بناء منتجعات سياحية وأغراض تجارية أخرى تربحت من خلالها ملايين الجنيهات.
الجدير بالذكر أن بعض هذه القضايا في أدراج النيابة منذ أبريل 2011 ولم تحرك النيابة فيها ساكنًا إلا في هذه اللحظات، على وقع أنغام صراع رجال الأعمال مع النظام، إلا أننا لا نستطيع أن نقول إن هذه هي قضية الفساد الوحيدة التي يتهم فيها دياب؛ حيث قام بمساعدة جمال مبارك بالاستيلاء على 2626 فدانًا بالقرب من القرية الذكية بمبلغ 2000 جنيه للفدان الواحد، رغم أن الأسعار تجاوزت في هذه المناطق المليون جنيه، كما اتهم دياب بالاستيلاء على 517 فدانًا قرب الكيلو 34 من طريق الإسكندرية الصحراوي، بسعر 200 جنيه للفدان، رغم أن وزارة الزراعة المصرية قدرت آنذاك سعر الفدان في هذه المساحة بمبلغ 90 ألف جنيه.
سجل صلاح دياب حافل بالاستيلاء على أراضي الدولة دون رقابة، والقضية التي يحاكمه النظام فيها ما هي إلا غيض من فيض، حيث اتهم دياب بالاستيلاء على أراض في قرية ميت رضوان، وهو ما كشف عنه البلاغ المقدم إلى النائب العام الذي حمل رقم 8972 لسنة 2011 والذي اتهم دياب وإبراهيم نافع بالاستيلاء على 5 آلاف فدان بالقرية بطريقة وضع اليد ومنع الفلاحين من الاقتراب منها، وغيرها الكثير من البلاغات المقدمة في صلاح دياب عقب ثورة يناير، وجلها يتهمه بالاستيلاء على أراضي الدولة، حيث اهتمت مجموعة دياب بالاستيلاء على الأراضي الزراعية لاستخدامها في مشاريعها المتعلقة بالزراعة بشراكة إسرائيلية.
هذه ربما رسالة من نظام السيسي إلى رجال الأعمال الذين أطلق عليهم في تصريحات سابقة لجريدة الواشنطن بوست أنهم “لا يقفون مع مصر” واصفًا إياهم بمراكز القوى، والقبض على أحد رجال الأعمال البارزين بهذه الطريقة المهينة وتصويره أثناء القبض عليه، وعرض هذه الصور على الإعلام، لم يحدث إلا مع قادة جماعة الإخوان، وذلك بأمر ضبط وإحضار واهٍ يتهم دياب ونجله بحيازة سلاح ناري غير مرخص، مما يعني أن أمر الإطاحة بصلاح دياب لم يكن تحذيريًا بل جادًا من قِبل النظام، وما هي إلا رسالة مبطنة لرجال الأعمال الذين ينافسون المؤسسة العسكرية سياسيًا واقتصاديًا، حتى أن بعضهم يسعى للفوز بأغلبية البرلمان وتشكيل الحكومة لمناكفة الرئاسة.
في حين يرى البعض أن دياب هو الآخر استخدام أمواله في صناعة نفوذ سياسي أمام السلطة الحالية من خلال جريدة المصري اليوم، لكن واقع الحال يقول إن الأزمة تعدت ذلك، فقد سبق صلاح دياب رجل الأعمال أحمد بهجت الذي صفى بعض أعماله وسافر فجأة خارج مصر، بعد التلويح باتهامه في قضايا فساد، كذلك رجل الأعمال محمد فريد خميس الذي سافر إلى ألمانيا بعد خلافات حادة مع النظام.
يُفسر البعض هذه الخلافات بين النظام ورجال الأعمال، بأنها بسبب تسول النظام دعمهم دون أن يُقدم أي محفزات لهم، بمعنى أن يدفع هؤلاء رجال الأعمال تبرعات للدولة بملايين الجنيهات دون أن تشركهم الدولة في أي مشاريع قادمة، وبهذا يكون الاعتماد الكامل على أذرع المؤسسة العسكرية الاقتصادية، مقابل السكوت عن قضايا الفساد التي راكمت كل هذه الأموال في خزائن رجال الأعمال، ولكن يبدو أن بعضهم رفض هذه المساومة، لتستمر فصول الصراع بين نظام السيسي ورجال الأعمال.