يَبدو أن الأمور تسير هذه المرة عكس ما كان يأمله الشعب المغربي؛ بعد أن طال الغلاء أسعار الوقود والمواد الغذائية الأساسية وأشياء أخرى، هاهو يطال مجددا فواتير الماء والكهرباء. الآن ليس من المستغرب ان يمتنع عدد من المواطنين عن أداء الفاتورة؛ ليس لأنه لا يريد ذلك، ولكن السعر قد يتعدى في أحيان كثيرة دخله الشهري.
لقد أشعلت فواتير الماء والكهرباء الشارع المغربي من جديد، وخرج المواطنون من عدة مدن في مظاهرات حاشدة لم يعرفها المغرب منذ احتجاجات الربيع العربي 20 فبراير 2011. وتتصدر طنجة دائما المشهد، فسكان المدينة منذ سنوات عديدة وهم يطالبون برحيل الشركة الخاصة “أمانديس” وهي فرع للشركة الفرنسية “فيوليا” المفوض لها بتدبير الكهرباء والسائل منذ سنة 2001 في عهد حكومة التكنوقراط ادريس جطو. وتَبث تورُط هذه الشركة العام الماضي في قضية تهريب الأموال، وفرض مكتب الصرف على “أمانديس” غرامة 30 مليار سنتيم (مايفوق 300 مليون دولار أمريكي) في حين لم يتم التصريح بمقدار الأموال التي هربتها الشركة خارج البلاد.
وتجاوز سعر أغلى فاتورة فرضتها “أمانديس” على المواطنين مبلغ 1500 دولار للكهرباء فقط، بينما انحصرت معظم الاسعار بين 100 و 500 دولار. وامتنع العديد من السكان عن الآداء، وخرجو في مسيرات بالآلاف. قُمعت بعض هذه التظاهرات بالهراوات وخراطيم المياه، غير أن الناس ذهبوا إلى التصعيد من أشكالهم الاحتجاجية واستمرت حملة قطع النور لساعات في المنازل والمقاهي والمحلات التجارية وغيرها، وقاموا بإشعال الشموع. ومطلبهم الأول هو “رحيل الشركة” وعودة القطاع العام المتمثل في المكتب الوطني للماء والكهرباء.
وصرح عمدة طنجة البشير العبدلاوي، من حزب العدالة والتنمية، بأنه من الصعب فسخ عقد مع الشركة “سيتطلبنا ذلك الكثير من الوقت وإما أن له كلفة وتعويض كبير يجب أن ندفعه للشركة، في حين أن المغرب غارق في الديون” وأضاف في تصريح للصحافة الجهوية أن مجلس المدينة يعمل في إطار المفاوضات مع الشركة على إلزامها بأن ترقى إلى مستوى شروط التعاقد مع الساكنة.
من أجل تخفيف احتقان الشارع والحد من تطور الأمور، أعطى العاهل المغربي محمد السادس أوامره بالتدخل، وأمر الملك مطلع الشهر الجاري بانتقال رئيس الحكومة ووزير الداخلية من أجل الوقوف على شكاوى المواطنين، ونَبّه الشركة الخاصة إلى ضرورة تحسين خدماتها . لكن السكان مازالوا يخرجون في احتجاجات يطالبون بعدم التفاوض مع الشركة، بل رحيلها.
المدن التي لازال يتدبرها القطاع العام وهو المكتب الوطني للماء والكهرباء عرفت أيضا زيادة في سعر الفواتير غير أن مستوى الزيادات لم يصل إلى الحجم الذي عرفته المدن الكبرى التي تتولى تدبيرها شركات خاصة.
ويُرجّح غلاء الأسعار إلى طريقة عمل الشركات الخاصة المفوض لها والوكالات التابعة للمكتب الوطني للماء والكهرباء. فالأُولى تحرص على زيادة أرباحها، وأما الثانية فتعاني من نقص في الموظفين الذين توكل إليهم مهمة مراقبة العدادات، هذا يجعل من مراقبة جميع العدادات بدقة أمرا مستحيلا ولهذا فالوكالات التابعة للمكتب الوطني تلجأ إلى تقدير الاستهلاك فيبالغون فيه. وقد تقدّم المواطنون إلى المكتب الوطني بشكاياتهم، وأوضح المسؤولون أن الأمر ناجم عن خطأ سوف يتم تصحيحه. لكن التصحيح لم يتم منذ شهور وهو ما قد يسفر في الأيام القادمة عن احتقان الشارع المغربي.
كان رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران قد تحدث صراحة أمام الناس في مهرجان خطابي له خلال الحملة الانتخابية هذا العام و قال “نعم أن من رفعت سعر الكهرباء والماء.. وذلك لمصلحتكم” ثم يضيف بنكيران مبررا أن قرار الزيادة كان بهدف ترشيد استهلاك الطاقة “كي لا يأتي وقت لا تجدون فيه الماء والكهرباء”.
إن ترشيد استهلاك الطاقة أمر ضروري وحَتمي. لهذا فكل حكومات العالم تَحث مواطنيها على على عدم الاسراف في استهلاك الماء والكهرباء من خلال برامج التوعية والتواصل المباشر مع الناس، ولا تجبرهم على ذلك من خلال رفع الأسعار. ألم يجد المسؤولون في المغرب أية خطة لاقناع الناس على ترشيد الاستهلاك؟ يبدو الأمر شبيها بضرب عصفورين بحجر واحد؛ الترشيد من جهة، وأموال إضافية من جيوب المواطنين سوف تساهم في تغطية العجز الذي أضحت تعرفه ميزانيات العديد من المؤسسات العمومية مثل صندوق المقاصة والمكتب الوطني للكهرباء والصندوق المغربي للتقاعد…