منذ تلمس السلطات الخليجية أولى بوادر المطالبة بالاصلاح في بلدانها، جابهت المطالبين بيد من حديد وبإجراءات بالغة التعسف تمثلت بالتضييق والحبس والتجريد من الجنسية.
بينما يكرس الاعلان العالمي لحقوق الانسان حق الجميع بالجنسية، بأعتباره أحد الحقوق اللصيقة بالانسان، أستطاعت عدد من الدول الخليجية تطويع هذا الحق ليصبح أداة قمع بوجه المطالبين بالاصلاح، وتحويله كورقة تلوح بها في حالة تنامي أية حركات جماهيرية تطالب بمزيد من الحقوق، تسجل الكويت والبحرين والإمارات من الدول الخليجية السباقة في إستخدام الجنسية أداة ضغط وأبتزاز تجاه النشطاء.
وينص الاعلان العالمي لحقوق الانسان في مادته 15 على عدم جواز حرمان شخص من جنسيته تعسفاً أو إنكار حقه في تغييرها، ويحظر القانون الدولي حرمان الأشخاص من جنسياتهم بناءاً على ممارسات وأعمال تتعلق بحرية الرأي والتعبير وهو ما يدخل به التصريحات المعارضة لسياسية الحكومة وممارسة الانشطة السياسية والاجتماعية، في 2012 دعا مجلس حقوق الانسان الدول إلى “ الأمتناع عن القيام بتدابير تمييزية والابقاء على قوانين من شأنها أن تحرم اشخاصاً من جنسياتهم على أساس العرق أو اللون أو الجنس أو الدين أو الآراء السياسية ..، وخاصة إذا كانت هذه القوانين والتدابير قد تحيل الشخص الى عديم الجنسية”.
الإسقاط ويعني إسقاط الجنسية عن المواطن الاصيل، الذي حصل على الجنسية عند ولادته كحق أصيل، أما السحب فتعني سحب الجنسية ممن منحت له الجنسية كحق مكتسب، أما البدون فهم أولئك الذين لا يحملون أية حنسية لأية دولة، وهم ينتشرون بشكل كبير في الخليج.
البرغش كأحدث حالة سحب للجنسية في الكويت
في الثالث من نوفمبر من العام الحالي صرح محامي الدفاع في قضية عبدالله البرغش أن الحكم في قضية سحب الجنسية من النائب الكويتي قد تم تأجيلها الى العاشر من الشهر الحالي، وترجع قضية البرغش القيادي في كتلة المعارضة في البرلمان وأخوانه الى أواسط عام 2014، حيث قامت الحكومة الكويتية بسحب جنسيته بالاضافة الى عدد من أفراد عائلته.
تزعم الحكومة أن سحب الجنسية قد تم بسبب إكتسابهم لها عن طريق الغش والأحتيال، وقد أعتمدت السلطات في هذا على المادة ٢١ من قانون الجنسية الذي ينص على: “إذا تبين أنها قد أعطيت بغير حق بناءاً على غش أو أقوال كاذبة أو شهادات غير صحيحة”.
وقد صدر قرار السحب من مجلس الوزراء الكويتي بالاعتماد على قانون الجنسية الكويتي رقم 15 لسنة 1959، وهذا القانون المذكور يبيح للسلطات صلاحية تجريد الأفراد من الجنسية الكويتية تحت ظروف معينة وغامضة، على سبيل المثال إعتماد تهديد “المصلحة العليا للدولة” أو “الأمن الخارجي” لها، أو “قيام الشخص بالترويج لمبادئ من شأنها تقويض سلامة البلاد” أسباباً تبيح للدولة سحب الجنسية ممن منحت له.
وقد ذكر ناشطون أن السبب الحقيقي للسحب بسبب نشاطه السياسي والاجتماعي الواسع، حيث كان للبرغش دوراً متميزاً في الإشارة الى قضايا فساد لمسؤولين كبار في الدولة.
في وقت مضى، سجلت الكويت تقدماً واضحاً على الكثير من البلدان العربية من حيث مساحة حرية الرأي والتعبير، الإ أنها تراجعت على نحو مخيف بداً من عام 2013 بعد ظهور مطالب شعبية واسعة تنادي بالاصلاح والديمقراطية، فأقدمت على رفع دعاوى على العديد من الأشخاص ممن عبروا عن آرائهم بسقف حرية مفتوح، وألغت أو سحبت جنسية أكثر من 33 شخص في عام 2014 حسب أحصائية للهيومان رايتس ووتش.
لا تقتصر قضايا المنع من الجنسية او سحبها على النشطاء والحقوقيين، بل أن هناك شرائح واسعة محرمون من الجنسية، ويعرفون بـ “البدون”، وهم الأشخاص الذين لا يمتلكون أية جنسية، ويقدر عددهم بأكثر من مئة ألف.
لهذه الفئة، لا توفر الدولة رعاية صحية الا لمن لديه بطاقات أمنية صادرة من الجهاز المركزي، وتسمح لهم وفي بتسجيل المواليد وعقود الزواج والوفيات، ولم تتحقق لهم بعض من هذه الميزات الضئيلة الا في عام 2011.
البحرين وأستخدام الجنسية كأداة ضغط سياسي
في يناير من العام الجاري قالت وزارة الداخلية البحرينية أنها سحبت الجنسية البحرينية من 72 فرد بمن وصفتهم “أفراد ضالعين بأعمال غير قانونية”، يشمتل هذا العدد الكبير على نواب سابقين وأطباء ونشطاء حقوقيون ومعارضون سياسيون.
أشتملت قائمة الجرائم التي تدعي السلطات قيامهم بها أعمال تتعلق بالارهاب بالاضافة الى “التحريض والترويج لتغيير النظام في البلاد بوسائل غير مشروعة” و”الاساءة الى الدول الشقيقة “.
وفي عام 2014 أكدت المحكمة قرار السلطات بنزع الجنسية عن 31 شخص دون أن تستشهد بأدلة تعزز من قرارها مؤكدة أن القرار “يرتبط أرتباطاً وثيقاً بالأمن القومي”، . وذكرت المحكمة أن وزارة الداخلية غير ملزمة بتبرير قرارها وأن إجراءات الوزارة كانت “غير خاضعة للرقابة القضائية طالما خلت قراراتها من إساءة استخدام للسلطة.”.
تستند هكذا أحكام الى قانون الجنسية البحريني المعدل 2014 والذي منح مزايا لوزارة الداخلية تمكنها من إسقاط الجنسية بموافقة مجلس الوزراء إذا ما أخفقوا في “واجب الولاء” للدولة أو “المساعدة والمشاركة في خدمة دولة معادية”، كما أنها تستند على مكافحة الارهاب والذي يعطي صلاحية للمحاكم بتجريد المتهمين من جنسياتهم بناءاً على أعمال تتعلق بـ “الارهاب”.
الامارات والسحب بحجة أخذ الجنسية عن طريق الغش والأحتيال
في موجة الربيع العربي والمطالبات بالاصلاح في الدول الخليجية جابهت السلطات الاماراتية عدداً من الاصلاحيين بإجراءات بالغة الصرامة تمثلت بوضع اليد على الأموال والتضييق والسجن والحرمان من حقوق أساسية منها الحق في الجنسية.
في 2012 قامت السلطات الإماراتية بسحب الجنسية من 7 أشخاص عرفوا بنشاطهم الاصلاحي الواسع في الإمارات، وهم كذلك تربويون إسلاميون ومدراء أعمال ومبادارات إجتماعية.
أدعت الإمارات في وقتها أن هؤلاء السبعة قد أكتسبوا الجنسية بالغش والأحتيال، الإ أن قرار المحكمة قد تجنب الصواب في هذا، فهو مواطنون أصلاء ومن قبائل عربية أصيلة كانت موجودة منذ تأسيس دولة الإمارات.
في هذه الاثناء، يقول حقوقيون أن ناصر بن غيث، والمخفى قسرياً في سجون الامارات منذ أكثر من 80 يوماً قد يواجه نفس المخاطر التي تعرض لها غيره من الاصلاحيين، بعد أن كتب تغريدات تخالف آراء السلطات.
يذكر أن ناصر بن غيث هو أكاديمي اقتصادي وناشط اجتماعي معروف بآراءه المؤيدة لحق الشعوب بالديمقراطية والعدالة والمساواة، تم إخفاءه قسرياً في أواسط أغسطس من العام الجاري إثر تغريدة ينتقد بها السلطات الحاكمة، ولا يعرف مصيره حتى الآن.