أُسُود الأطلس
على سفوح تلك الجبال الشاهقة التي تمتدّ عبر مغربنا العربيّ واصلةً الصحارى بالبحار، وبين ثنايا فيافيها ووديانها التي ترسم أجمل لوحةٍ طبيعيّةٍ أبدعها الخالق الباري –جلّ في علاه، كانت تعيش تلك الأسود الإفريقيّة ذات الحجم الضخم والمظهر الجميل المهيب، والتي تضاءل عددها ولم يتبق منها اليوم إلا القليل النادر.
تلك الأسود -وإن أوشكت على الانقراض- ولكنّ ذكرها مازال باقياً، فقد أصبحت رمزاً من الرموز التي يعتدّ بها أهل مغربنا الأقصى، أحفاد البطل المسلم طيّب الذّكر طارق بن زياد فاتح الأندلس، والذين يستحبّون تكنية أبطالهم الرياضيين بـلقب (أسود الأطلس)، نسبةً إلى أطلسهم الجبليّ وأسوده الشهيرة، وقد كنّي بها من قبل كثيرٌ من الرياضيين المغاربة البارزين، أبرزهم بطلا سباقات العدو الأولمبيان هشام القروج وسعيد عويطة، كما كُني بها أبطال اللعبة الشّعبية الأولى في المغرب، وأقصد بالطّبع كرة القدم.
خطوطٌ عريضة
تأسست الجامعة الملكيّة المغربيّة لكرة القدم عام 1955، وانضمّت للاتحادين الدّولي والإفريقي عام 1961، وسبق ذلك تشكيل أوّل منتخب مستقلّ لأسود الأطلس عام 1957، والذي تولّى تدريبه حينها نجم مارسيليا وأتلتيكو مدريد السابق العربي بن مبارك، فقاده للتعادل مع العراق بنتيجة 3-3 في أوّل مباراةٍ رسميّة في تاريخه، وذلك ضمن بطولة الألعاب العربيّة التي استضافتها لبنان في أكتوبر من عام 1957.
أكبر فوزٍ في سجلّ منتخب أسود الأطلس يعود لعام 1961، حين هزم شقيقه السّعودي بنتيجة 13-1 ضمن بطولة الألعاب العربيّة التي استضافتها المغرب، أمّا أكبر هزيمة فكانت أمام منتخب المجر بنتيجة 6-0، وذلك ضمن دورة الألعاب الأولمبيّة التي استضافتها اليابان عام 1964.
أفضل مركزٍ بلغه الأسود في جدول تصنيف الفيفا الشّهري للمنتخبات، كان ال10 في إبريل 1998، أمّا أسوء تصنيف فكان ال95 في سبتمبر 2010، بينما يحتلّون المركز ال79 (ال19 إفريقيّاً) في التصنيف الحالي.
أبرز إنجازات الكرة المغربيّة على صعيد المنتخب، كان الفوز بكأس أمم إفريقيا عام 1976، إضافةً إلى بلوغ نهائيات كأس العالم 4 مرّات آخرها عام 1998، أمّا أهمّ الإنجازات على صعيد الأندية، فكانت إحراز بطولة دوري أبطال إفريقيا 5 مرّات عن طريق أندية: الرجاء البيضاوي (3 مرّات أعوام: 1989، 1997، و1999)، الوداد البيضاوي (عام 1992)، والجيش الملكي (عام 1985).
ذكريات كؤوس العالم
أوّل ظهور مغربي في نهائيات كؤوس العالم كان عام 1970 في مونديال المكسيك، وحينها تلقى أسود الأطلس هزيمتين في دور المجموعات، أمام كلّ من ألمانيا الغربيّة بهدفين لهدف، والبيرو بثلاثيّة بيضاء، قبل أن يحفظوا اعتبارهم بحصد أوّلى نقاطهم في نهائيات كؤوس العالم، بالتعادل مع بلغاريا بهدفٍ لمثله، ليودّعوا المونديال من دوره الأوّل.
ثاني ظهورٍ كان في المكسيك أيضاً عام 1986، وحينها حقّق أحفاد طارق إنجازهم الأبرز في المحفل العالمي، بنجاحهم في عبور دور المجموعات كمتصدّرين لمجموعتهم، بعد تعادلين أمام كلّ من بولندا وإنكلترا بدون أهداف، قبل الفوز المبين على البرتغال بنتيجة 3-1، ليجدوا أنفسهم في مواجهة المانشافت الألماني في دور ال16، حيث صمدوا في وجهه مدّة 87 دقيقة، قبل أن يسجّل لوثر ماتيوس هدف المباراة الوحيد، ليخرج أسود الاطلس من المونديال مرفوعي الرأس، بكونهم أوّل فريق عربيّ وإفريقي ينجح ببلوغ الدّور الثاني في كؤوس العالم.
ثالث تأهّلٍ للمونديال العالميّ كان عام 1994 في الولايات المتّحدة، حيث فشل أسود الأطلس في تكرار إنجازهم الماضي، فودّعوا البطولة من دورها الأوّل بعد تلقّيهم 3 هزائم، أمام بلجيكا بهدف وحيد، ثمّ أمام الشقيق السّعودي وهولندا بنفس النتيجة 2-1.
آخر تواجدٍ مغربيٍّ في كؤوس العالم، كان في مونديال فرنسا 1998، وهو الثاني على التّوالي لأسود الأطلس، وفيه تعادلوا في أولى مبارياتهم مع النروج بهدفين للكلّ، قبل أن يتلقوا هزيمتهم الوحيدة أمام البرازيل بثلاثيّةٍ بيضاء، ليدخلوا مباراتهم الأخيرة على أمل الفوز وتكرار إنجاز عام 1986 ببلوغ الدّور الثاني، وهذا ما فعله الأسود بتسجيلهم ثلاثيّةً رائعةً في مرمى اسكتلندا، ولكنّ فوز النروج المريب على البرازيل في آخر المباريات أضاع حلمهم الوردي.
ولم ينجح أحفاد طارق في بلوغ المحفل العالمي مجدّداً في النسخ الأربعة التالية، وهم مدعوون لتحقيق الفوز في مواجهتيهم الحاسمتين القادمتين أمام غينيا الاستوائيّة، من أجل متابعة مشوارهم نحو مونديال روسيا 2018.
أمم إفريقيا والإنجاز اليتيم
تحفل سجلّات أسود الأطلس ب15 ظهور في بطولات إفريقيا للأمم، أفضلها عام 1976 في إثيوبيا عندما توّجوا بلقبهم الأوّل والأخير في البطولة، بعد نجاحهم في تصدّر مجموعة الدّور النهائي بفوزهم على مصر ونيجيريا بنتيجة 2-1، وتعادلهم في آخر مباريات البطولة مع غينيا بهدفٍ لمثله، ليحققوا اللّقب الأغلى في تاريخهم، وينجحوا في حمل الكأس الإفريقيّة الغاليّة في مشاركتهم الثّانية فقط فيها.
وفي بقيّة المشاركات، كان الأسود على مقربة من التتويج ببطولة عام 2004، عندما نجحوا في تصدّر مجموعتهم ومن ثمّ تخطّي شقيقهم الجزائري ثم المالي في طريقهم نحو النهائي، ولكنّ خسارتهم أمام شقيقهم التونسي المضيف في المشهد الختامي حالت دون بلوغهم الأرب.
كما حققوا المركز الثالث عام 1980 في نيجيريا، والرابع عامي 1986 في مصر، و1988 في أرضهم، وبلغوا الدور ربع النهائي عام 1998 في بوركينا فاسو، فيما اكتفوا باللّعب في الدور الأول خلال بطولات أعوام: 1972، 1978, 1992، 2000، 2002، 2006، 2008، 2012، و2013.
وكان مقرراً أن تستضيف المغرب فعاليات النسخة الماضية من البطولة، ولكنّ اعتذار المعنيين في اللّحظة الأخيرة بحجّة تفشّي وباء إيبولا، أضاع الفرصة على أسود الأطلس، وحرمهم من التواجد في النهائيات التي استضافتها غينيا الاستوائية العام الماضي، ليبقى الأمل بتكرار الإنجاز الإفريقي الوحيد في البطولة القادمة التي ستستضيفها الغابون عام 2017، والتي حقق الأسود نتيجتين جيّدتين في مستهلّ تصفياتها، بفوزهم على كلّ من ليبيا وساو تومي.
نجاحاتٌ متفرّقة:
على الصعيد العربي، نجح المنتخب المغربي في تحقيق آخر ألقاب بطولة كأس العرب التي أقيمت في السّعوديّة عام 2012، كما تحتوي سجلاته على ذهبيتيّ دورة الألعاب العربيّة عامي 1961 في المغرب، و1976 في مصر، فضلاً عن فضيّة دورة عام 1985 في المغرب.
إضافةً إلى ذلك، حقق أسود الأطلس ذهبية دورة ألعاب المتوسط عامي 1983 في المغرب، و2013 في تركيا، فضلاً عن برونزيّة عام 1991 في اليونان، كما فازوا بذهبيّة الألعاب الفرانكفونية عام 2001 في كندا، وذهبيّة دورة الألعاب الإسلاميّة عام 2013 في إندونيسيا.
أسودُ الماضي والحاضر
تحتفظ الجماهير المغربيّة بذكرى ثلاثة أجيالٍ، تعتبر بحقٍّ من صنعت تاريخ وإنجازات منتخب أسود الأطلس، أوّلها جيل السبعينيات الرائع بقيادة هدّاف الأسود التاريخي أحمد فرس (أوّل مغربي وعربي يفوز بلقب أفضل لاعبٍ إفريقي عام 1975)، ومعه من أصحاب إنجاز أوّل وصولٍ للمونديال العالمي عام 1970، كلّ من: إدريس باموس، محمّد المحروفي، محمّد الفلالي، سعيد غاندي، والحارس علال بن قصّو، ومن أصحاب إنجاز أمم إفريقيا التاريخي عام 1976، كلّ من: أحمد مكروح، عبد العالي الزهراوي، العربي أحرضان، رضوان الكزّاز، أحمد أبو علي، عبد الله التازي، والحارس محمّد الحزّاز، إضافةً إلى النجم عبد المجيد الضلمي الذي يعتبر صلة الوصل بين جيلين، فهو أيضاً أحد نجوم جيل الثمانينيات الذّهبي الذي تألّق في مونديال عام 1986، مع عزيز بو دربالة، عبد الرزّاق خيري، نور الدّين بويحياوي، مصطفى البياز، وكريمو ميري، إضافةً إلى النجمين الشهيرين: محمّد التيمومي (أفضل لاعب إفريقي لعام 1985)، والحارس الأسطوري بادو الزّاكي (أفضل لاعب إفريقي لعام 1986).
آخر الأجيال الذّهبيّة التي تعتدّ بها الكرة المغربيّة ظهر في التسعينيات، وقاد الأسود إلى بلوغ نهائيات كأس العالم مرتين متتاليتين، بدءاً بنجوم مونديال 1994 كمصطفى الحدّاوي، رشيد الداودي، عبد السّلام الغريسي، أحمد بهجة، ومحمّد الشّاوش، إضافةً للرائعين: نور الدّين نايبت (صاحب الرقم القياسي في عدد المباريات الدّوليّة ب115 مباراة)، ومصطفى الحجي (أفضل لاعب إفريقي لعام 1998)، وهما من النجوم الذين تألّقوا أيضاً في مونديال 1998، إلى جانب طاهر الخلج، عبد الكريم الحضريوي، صلاح الدّين بصير، سعيد شيبا، عبد الجّليل حدا، الحسن إبرامي، ويوسف شيبو.
ولم تشهد الكرة المغربيّة بعدها أجيالاً ذهبيّةً، رغم تخريجها للعديد من المواهب في الألفيّة الجديدة، كيوسف مختاري، جواد زايري، طارق السكتيوي، طلال القرقوري، يوسف حاجي، سفيان العلّودي، محمّد اليعقوبي، يوسف سفري، بوشعيب المباركي، والحارس نادر المياغري، وكلّهم ممن لعبوا في صفوف المنتخب واعتزلوا دون أن يسعفهم الحظ في تحقيق ألقابٍ تذكر، فيما لاتزال الفرصة مواتيةً أمام نجومٍ آخرين، كحسين خرجة، مروان الشّماخ، مهدي بن عطيّة، نبيل ضرار، عمر القادوري، مبارك بوصوفة، يوسف العربي، عبد العزيز برادة، يونس بلهندة، نور الدين امرابط، محسن باجور، أشرف لزعر، وعبد الرزّاق حمد الله، وغيرهم من لاعبي المنتخب الحالي، لاسترجاع هيبة الأسود المغربيّة، التي اشتاقت جبال الأطلس الشّماء لسماع زئيرها المجلجل، بعد غيابٍ طال أمده.