منذ انطلاق أول جولة للحوار السياسي الليبي برعاية بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا في التاسع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2014 بين برلمانيين مقاطعين لجلسات مجلس النواب المنعقد في طبرق في الرابع من آب/ أغسطس 2014 وآخرين حاضرين للجلسات بمدينة غدامس جنوب غرب ليبيا؛ وتقريبا مبدأ انعدام الثقة هو الراسخ بين جميع الأطراف.
وحتى بعد صدور حكم الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا الليبية في تشرين الثاني/نوفمبر 2014 وتوسيع قاعدة المشاركين في الحوار السياسي بإضافة المؤتمر الوطني العام والأحزاب السياسية والمجالس البلدية والمرأة والمستقلين والنواب المقاطعين والقبائل، لم يتحرك جمود انعدام الثقة بن كل تلك المكونات، بل ارتفعت حد تخوين رأسي الأزمة لبعضهما البعض “مجلس النواب والمؤتمر الوطني.
الحوار السياسي منذ انطلاقه في غدامس الليبية وضع خارطة عامة تقريبا ما جاء بعدها كان تحت بند الإضافات والتعديلات، إذ ارتكز حوار غدامس إلى تشكيل حكومة توافق وطني، وسحب المسلحين، ووقف إطلاق النار. ما أُضيف بعد ذلك كان مكملا لتلك العناوين الرئيسة أو خارج من تحت عباءتها.
قطع الحوار السياسي بين جميع الأطراف تحت إدارة المبعوث الأممي برناردينو ليون مشوار بعد أكثر عام من عقد جلسات في عواصم ومدن عربية وأوربية “الصخيرات المغربية، الجزائر، تونس، القاهرة، جنيف” انتهى إلى مسودة اتفاق سياسي نصت على عدة ترتيبات بعضها سياسي في شكل حكومة توافق وطني، ومجلس أعلى للدولة، ومجالس بلدية، ومجلس أمن قومي، إضافة إلى ترتيبات أمنية، وإدخال هذا الاتفاق كتعديل على الإعلان الدستوري، واستمداد كل المؤسسات والكيانات الناشئة عن الاتفاق مشروعيتها وشرعيتها من الاتفاق السياسي، وليس من الشرعية الانتخابية كما يتمسك مجلس النواب، أو حكم الدائرة الدستورية كما يدعي المؤتمر الوطني، وهو حل سياسي يفترض أنه مرضي للطرفين، فالشرعية الانتخابية وحكم الدائرة الدستورية سيرتفعان معا حال توقيع الاتفاق.
دعاوى تخوين
تصدرت دعاوى التخوين بين البرلمان والمؤتمر العناوين العريضة للمرحلة السابقة على الحوار والمصاحبة له، فمجلس النواب ينطلق من أنه جاء لدعم الاستقرار ومحاربة الإرهاب في درنة وبنغازي وسرت وجنوب ليبيا تحت قيادة ما يصفه بالجيش، وذلك بضم وشرعنة عملية الكرامة التي أطلقها خليفة حفتر في السادس عشر من أيار/ مايو 2014، بينما المؤتمر الوطني يدعي أنه حام لثورة شباط/فبراير، وأن قرارات البرلمان تضر بهذه الثورة وتستدعي التدخل الخارجي، وأنها أمنت دخول شرعي لحفتر في المؤسسات العسكرية، ولذا أيد المؤتمر ورئاسته عملية فجر ليبيا، وهي التي أعادت المؤتمر الوطني إلى حيز الفعل السياسي بعدما كاد أن يندثر.
استمر هذا الخطاب من كلا الطرفين حتى ظهرت فجأة وبعد اقتراب وضع اللمسات النهائية للاتفاق السياسي بدعم دولي “أوروبي، أمريكي” دعوات لعقد لقاءات مباشرة بين رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ورئيس المؤتمر الوطني العام نوري أبو سهمين داخل أو خارج ليبيا.
ليبي – ليبي
عضو المؤتمر الوطني العام عبد القادر حويلي قال في تصريح صحفي لموقع أجواء نت نُشر يوم 26 تشرين الأول/أكتوبر ” إن عددا من أعضاء المؤتمر يعقدون جلسات تشاورية مع عدد من أعضاء مجلس النواب تمهيدا لعقد اجتماع مباشر بين ممثلين عن مجلس النواب والمؤتمر لبدء جلسات حوار ليبي ليبي بدون رعاية دولية بين الطرفين”
حويلي أكد أن أعضاء من جنوب ليبيا من البرلمان والمؤتمر التقيا في تونس للتحضير للقاءات مباشرة، محتجا بأن اتجاها عاما داخل المؤتمر يرفض مخرجات الحوار السياسي برعاية برناردينو ليون.
أيضا سار على نفس المنوال النائب بمجلس النواب صالح افحيمه الذي قال في تصريحات صحفية نُشرت في اليوم التالي لتصريحات حويلي إذ قال ” إن عددا كبيرا من أعضاء مجلس النواب رحبوا بمقترح اللقاءات المباشرة بين مجلس النواب والمؤتمر الوطني العام، في محاولة لإيجاد حل للأزمة القائمة”.
مجلس شيوخ القبائل يتوسط
ودخل على خط هذه الوساطة مجلس شيوخ ليبيا “مجلس قبلي” إذ صرح الناطق باسم المجلس الطاهر البدوي بأن” هذه الخطوة تأتي لبداية حوار ليبي-ليبي بين حكومتي طرابلس والبيضاء لحل ما يتعرّض له المواطن من مشاكل يومية في قطاعات الصحة والتعليم وتمثيل البلاد في الخارج جراء الانقسام السياسي”.
دار الإفتاء الداعم لتيار بالمؤتمر الوطني العام
مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني -الذي كانت له تحفظات خمسة على مسودة الاتفاق السياسي، أبرزها موقع الشريعة الإسلامية، وتعريف مصطلح الإرهاب- دعم خطوة المصالحة الداخلية، لكن انطلاقا من أن المؤتمر الوطني العام هو ولي الأمر الشرعي الذي يحب طاعته من كل الليبيين.
وفي تعليله للمصالحة الداخلية بعيدا عن “التآمر الخارجي على خيرات البلد من جهات استخباراتية وأممية دولية” يرى المفتي الغرياني أن التصالح الداخلي يضمن ” قطع الطريق على المجتمع الدولي افتعال ذرائع السيطرة على الإرهاب التي تُدَمَّر بها البلاد العربية الواحدة بعد الأخرى”.
لا يُعرف على وجه الدقة إن كان مفتي الديار الليبية الصادق الغرياني غيّر رأيه في مسألة الحوار برمتها أم لا، إذ أنه في استقباله للمبعوث الأممي برناردينو ليون في تشرين الأول/أكتوبر 2014 أعرب لليون عن يأسه من إمكانية إجراء حوار مع مجلس النواب في طبرق، حتى أن ليون سأله، ألا يوجد حتى شخص واحد ببرلمان طبرق يمكن الحوار معه؟ فكانت إجابته بالنفي.
البعثة الأممية في ليبيا وفي أكثر من مناسبة وجهت دعوة لدار الإفتاء بإيفاد ممثل عنها لحضور جلسات الحوار، إلا أن الدار كانت أحيانا لا ترد على طلب البعثة، وتارة أخرى تحيل الطلب للمؤتمر الوطني العام الذي بدور يبدو أن رئاسته كانت ترفض مثل هذا التمثيل في الحوار.
المؤتمر ودار الإفتاء يدعم أحدهما الآخر في مواقفه السياسية من عدة قضايا أبرزها الحوار السياسي، والمصالحات بين بعض الكتائب المسلحة والمدن. فالمؤتمر الوطني طلب رأي دار الإفتاء في مسودة الاتفاق السياسي الأخيرة، والتي تُوجت بملاحظات خمس للدار، وإصرار الدار على أن المصالحات التي عقدتها كتائب ومدن دون استشارة المؤتمر “ولي الأمر” كتلك التي أبرمتها كتائب محسوبة على مدينة مصراتة مع تشكيلات مسلحة من ورشفانة.
بل أن المسالة ارتقت لمستوى غير متوقع، عندما أوصى أحد المقربين من دار الإفتاء وذوي التأثير عليها، بالاستقالة من حزب العدالة والبناء، مرجحا أن تلك الاستقالة هي من قبيل الواجب الشرعي، بسبب مواقف الحزب من الحوار والمصالحات المخالفة لرأي المؤتمر الوطني ودار الإفتاء.
ما سُرب من أبجديات هذا التصالح الداخلي في عمومه لم يخرج عن الإطار التفاوضي والمبادئ الحاكمة التي وضعتها البعثة الأممية باتفاق الأطراف المشاركة في الحوار.
فالإطار العام للتفاوض الداخلي تنطلق من اعتماد نائبين فقط لرئيس حكومة التوافق الوطني، مع منحهما حق الفيتو في مجلس رئاسة الوزراء على القرارات التي يراها أحدهما أنها مضرة بالمصالح التي يمثلها تياره السياسي. ناهيك عن أن باقي تفاصيل الحوار الليبي – الليبي هي ذاتها التي وضعها الفرقاء الليبيون على مدار أكثر من عام من الحوار السياسي.
الرافضون للحوار برعاية أممية
كما يلاحظ أن المتبنين من طرفي البرلمان والمؤتمر لمشروع الحوار الليبي – الليبي هم بالأساس الرافضين لمسودة الاتفاق السياسي برعاية أممية، بحجج ومسوغات متشابهة، كالتدخل الخارجي والوصاية والسيادة. وهو ما يشير إلى أن مشروع الحوار الداخلي هو محاولة لنسف جهود المتحاورين الليبيين برعاية أممية، وتقديم مشروع الحوار الداخلي كإجابة على سؤال المعترضين على تشدد طرفي الأزمة، أين بديلكم أو مشروعكم لحل الأزمة؟ وهو ما قد يعني أن فكرة المصالحة الداخلية التي تتبناها أطراف من البرلمان والمؤتمر ومؤيدين لهما ما هي إلا مراوغة سياسية للعودة بالأزمة إلى مربعها الأول. خاصة وأنهما انطلقا في حوراهما أو مباحثات حوارهما الداخلي مما صاغته أطراف الصخيرات المغربية وجنيف.
في ظل هذه الأوضاع المتأزمة قد يكون من الأنجع بل والأسلم السير في طريق الاتفاق السياسي برعاية دولة بعيدا عن المناورات السياسية من كل الأطراف، خاصة وأن ليبيا واقعة في شبه انهيار اقتصادي أقر به مصرف ليبيا المركزي، مرجعا سبب هذا الانهيار إلى عدم التوافق. ناهيك عن تنظيم الدولة الذي يتمدد ببطء لكن بنجاح. وأظن أن مدينة اجدابيا شرق ليبيا محطته القادمة.
المصدر: ليبيا الخبر