منذ الاجتماعات الشعبية التي جابت مختلف مدن البلاد خلال الحملة الانتخابية العام الفارط لم تنزل حركة النهضة الإسلامية بكامل ثقلها إلى الشارع التونسي، مخيرة الابتعاد عن منطق الاستعراض و الاكتفاء بمراقبة باقي الأطراف السياسية التي ما إن تجد ذريعة تتذرع بها حتى تنزل إلى الشارع بكامل قواها رغم ضعف وجودها بشهادة المتابعين، فتجمع حولها بعض المئات ان لم نقل العشرات.
السبت الماضي سجلت حركة النهضة حضورها من جديد في الشارع، حضور لم يكن عاديا في هذه الظرفية التي تمر بها البلاد، فقد استطعت الحركة تجميع الآلاف حولها وتزعمت قياداتها مظاهرة جابت شارع الثورة وسط العاصمة تونس دعما ومناصرة للانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
صحيح ان النهضة خرجت دعما للقضية الأم لدى الشعب التونسي ، إلا ان العديد من الأحزاب و التيارات نادت إلى مظاهرات قبل هذا الموعد موضوعها دعم نفس القضية و مع ذلك لم يخرج معها سوى بعض المئات رغم الإعداد المسبق و التجييش الإعلامي لها.
مظاهرة جماهيرية أرادت من خلالها حركة النهضة الإسلامية إثبات وجودها في الشارع و تأكيد وزنها الشعبي ودفع باقي الطيف السياسي في البلاد إلى التسليم بكونها رقم صعب في الساحة التونسية، ففي الوقت الذي يعرف فيه الحزب الأول في البرلمان التونسي “حزب نداء تونس” الفائز ب86 مقعدا خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التي شهدتها تونس في 26 أكتوبر 2014، انشقاقات داخلية وانقسامات ممكن ان تعصف بكيانه و تحيله إلى الزوال.تخرج حركة النهضة إلى الشارع إثباتا لوجودها وقوتها.ليس هذا فقط بل يصرح القيادي بالحركة صحبي عتيق بأن وضع البلاد لا يسمح لحركتهم بالنزول إلى الشارع بقوة أكبر لذلك خيرت القيام بمظاهرة متوسطة العدد حسب قوله. في إشارة إلى قدرة حزبه على تنظيم مظاهرات اكبر عدد من هذه رغم ضخامتها بشهادة عديد المتابعين.
مظاهرة أرادت من خلالها النهضة علاوة على تأكيد التزامها بنصرة القضية الفلسطينية و دعم الشعب الفلسطيني، تأكيد مقولة بعض السياسيين التي تعتبر الشارع، في إطار القانون والاحتجاج السلمي، أهم مؤسسات الدولة الديمقراطية فالتفويض الانتخابي ليس صكا على بياض. فعندما يتحكم طرف ما في الشارع،سواء في الدكتاتوريات او في سياق الديمقراطيات فهو الاقدر على فرض توجهه و برامجه. فالسلطة لم تعد تستمد سلطتها من ذاتها،بل من سلطة أخرى تشرع لها وهي الشارع،فكل حزب يسعى للحصول على الأغلبية داخل هذه المؤسسة التمثيلية،ومن يستطيع تحريك الشارع والتحكم فيه فباستطاعته السيطرة على البلاد.
ماميز مظاهرة النهضة ليس عدد المشاركين فقط و قدرتها على التحكم في الشارع بل ايضا تاريخ المظاهرة ومكانها،فهي اختارت شارع الحبيب بورقيبة ومايمثله هذا المكان من رمزية لدى المخيال الجمعي لدى الشعب التونسي كرمز للحرية الى جانب ذلك افلحت حركة النهضة في اختيار الموعد فقد اختار تاريخ 7 نوفمبر، تاريخ يوم مظلم جاء فيه نظام استبداد عان منه التونسيين طوال 23 سنة.اختارت النهضة هذا التاريخ حتى تؤكد لرموز النظام السابق ان تونس اليوم والغد ليست تونس الامس وان ضحايا الامس هم وقود الشارع التونسي والمتحكمين فيه وانهم نبض الشارع ومحراره
ورغم كون حركة النهضة مازالت في مرحلة التحول و”المأسسة”، وتقلدها لمقاليد السلطة في تونس للمرة الأولى في تاريخها عقب الثورة واتسام تلك الفترة بحالة من الغضب الاجتماعي، والهجمات الإرهابية، والضغط العمالي المقترن باقتصاد متدهور، و الشيطنة المستمرة للإسلاميين وحلفائهم، الى جانب انعدام الخبرة لقيادات الحزب والمعرفة بالإدارة السياسية للبلاد، فان الحركة استطاعت البقاء في الشارع التونسي بل والسيطرة عليه و تحريكه وقت ما تشاء و بالكيفية التي تريد .لتبقى تبقى حركة النهضة بذلك أحد أهم ضمانات توزيع القوى في تونس اليوم، كما تبقى علامة فارقة في أداء الإسلام السياسي ككل في العالم العربي