لعل الكثيرين قد أصابتهم الخيبة، منذ أن وصلت إلى أسماعهم أنباءً تُفيد بأن أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية الجديد، د. “صائب عريقات” بات يُفكر جدّياً بتقديم استقالته من منصبه كـ (كبير المفاوضين الفلسطينيين)، بسبب خشيتهم من عدم عثورهم على كبيرٍ آخر، يمكن الركو ن إليه في مفاوضة الإسرائيليين، في حال استئناف العملية التفاوضية، ومن تأثير ذلك التفكير، على مجريات القضية الفلسطينية بشكلٍ عام.
وبالمناسبة، فإن “عريقات” نفسه، كان قد أصدر تلميحات متعددة في أوقاتٍ سابقة، تُوحي بأنه سيستقيل من كِبارة المفاوضات، أو حتى استقال فعلاً منذ نوفمبر 2011 تحديداً، وأصبح مُسيّراً لملفاتها فقط، لكننا لم نصل إلى مرحلة التأكيد على تلك التلميحات أو تلك الاستقالة بأنها حقيقية، سيما بعد انقطاع التداول بشأنها، ما يُشير إلى أنها كانت مجرّد أحاديث وحسب، ولا صلة لها بالواقع حينذاك على الأقل.
تفكير “عريقات” الحالي، لم يكن جُزافاً، بل اضطراراً كنتيجة مؤلمة لوجبة سلام عقيمة، خرج منها جائعاً، لم يستطع خلالها إدخال أي شيءٍ إلى جوفه، ليستحق شُرب الماء، لا عن طريق المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين، بعد أن كان يأمل بِمغافلتهم وفرض حلول مُرضية لطموح الفلسطينيين، ولا عن طريق الولايات المتحدة، التي كان يأمل منها أن تتخذ مواقف حاسمة لصالح القضية الفلسطينية، باعتبارها تكفّلت برعاية العملية السياسية من الألف إلى الياء، ولا عن طريق مجلس الأمن أيضاً، بعد أن كان يأمل باقتياد الدول الكبرى، نحو اتخاذ قرارات حازمة، تقضي بإزاحة إسرائيل إلى حدود عام 1967، وفرض دولة فلسطينية مستقلة.
ربما وصل إلى حقيقة– كما يبدو- تقول بأنه لا يوجد سلام، لا في هذه المرحلة ولا في المستقبل أيضاً، بعد أن كان من المؤمنين الأشدّاء بمشروع السلام، اعتماداً على أن إسرائيل تحتاج إليه وبشراهة مُنقطعة، لكن الموانع تكمن في أنها طرفاً متعنتاً، وفي ضوء أن المواقف الأمريكية وسواء حول الحل النهائي أو ما دونه، تكاد تكون أكثر من مُحبطة، سيما وأن مسؤولين أمريكيين، باتوا يتنصّلون شيئاً فشيئاً من عقدة حل الدولتين.
على الرغم من أن “عريقات” قد عمل على مدى السنين التفاوضيّة الفائتة، وحتى قبل انسداد أفقها تماماً، قبل أكثر من عام ونصف العام من الآن، حسب أجندة غاية في المرونة، أملاً منه في كسب تحولات إسرائيلية دون عراقيل، وذلك بناءً على رؤى القيادة الفلسطينية، المُشيّدة تبعاً للوقائع الناشئة، والتطورات المتلاحقة، حيث أنها كانت في كل مرّة تقوم بالموافقة طواعيةً، على العودة إلى المفاوضات، وخاصةً ذات الشهور التسعة، بعد أن كانت تمتنع كليّاً عن استئنافها دون حصولها على شروطها كاملة، والتي على رأسها وقف الاستيطان.
الأمر الذي أعطى لإسرائيل، أن تركن ربابتها التي اعتادت النواح على أنغامها إلى الجانب، كي تواصل التحدّي منذ عشية المفاوضات، وتُبيّت النوايا بأنها لن تؤدِّ إلى شيء، ولن تقُد إلى أي مكان أصلاً، وهذا ما شعرنا به منذ بدايتها، وحتى وصولها إلى نهايتها الكئيبة.
على أيّ حال، فإن تفكير “عريقات” قد لا يقترب كثيراً، عن أن يكون واقعاً حقيقياً، باعتباره من الأذكياء، كونه أكثر حرصاً باتجاه أن يجعل لكل تفكيرٍ له نافذة للتراجع، وحتى على حساب تحديث حياته الشخصية ما بعد المعاش، فهو كما أبقى بريقاً من الأمل، بشأن قيام جهة ما، من تقديم مبادرة، يمكنها تسهيل الأمور لأجل العودة إلى المفاوضات، فإنه جعل الاستقالة مدار تفكير وحسب، قابلة للتحقيق، وغير قابلة في ذات الوقت.
وفي النهاية، وسواء أصبح تفكيره إيجابياً، أم بقي في غياهب الخيال، فإنه لن يُجدد لنا شيئاً ذا بال، لكن سيدُل في حال ثبوت إيجابيّته، على أنه عاش تجربة فاشلة، وينوي الاستفادة من دروسها، فكل إنسان – أي إنسان- ليس بمنأى عن الفشل، وفي حال كان التفكير خيالاً، والهدف منه إعادة تشكيل لشخصه التفاوضي، فلسوف يدل على أنه يتمادى في الخطأ ويُصر على التعلّق بحبالٍ مهترئة.