الكاتب: بوغوز آناستاسوف
ترجمة وتحرير نون بوست*
بعد انطلاق الربيع العربي في تونس في ديسمبر ٢٠١٠ والذي بدأ بأن حرق شاب جامعي نفسه، بدت ممالك الخليج محصنة ضد ذلك النوع من الاحتجاجات، ويدعم تلك الفرضية مستوى المعيشة المرتفع فيها، إلا أنه مع مظاهرات البحرين التي اندلعت في ٢٠١١ ظهر أن تلك الممالك أيضا قد تكون عرضة للتغيير
السعودية تماسكت أكثر من باقي الممالك، على المستوى الداخلي قامت المملكة بعدد من الخطوات التسكينية، ففي مارس ٢٠١١ قامت المملكة بتطبيق برنامج اجتماعي واقتصادي بقيمة ١٣٠ مليار دولار بحيث رفعت رواتب الموظفين الحكوميين، ووفرت فرص عمل وبدأت عملية كبيرة لبناء المنازل والمدارس والجامعات، كما عملت على تحسين حالة التأمين الصحي وتغطية العلاج للمواطنين.
على مستوى العلاقات الخارجية، تعلمت السعودية كثيرا من استاذتها أمريكا، والدرس الأول كان: تصدير المشكلات الداخلية للخارج، فمع عدم القدرة على طبع المزيد من العملات وبدلا من تصدير التضخم، صدر ال سعود عدم الاستقرار، وبدأوا في دعم المعارضة السورية المسلحة ضد نظام بشار الاسد، كان هذا مبررا بدعم الشعب السوري ضد الدكتاتور، الا انه كان يهدف في الحقيقة لتضليل الرأي العام بعيدا عن المشكلات الداخلية.
وللتخلص من الجهاديين، كانوا فقط بحاجة لبعض الدعايا للجهاد في سوريا، والجهاديون سيقومون بالأمر بأنفسهم. الان، معظم المجموعات المقاتلة في سوريا تتشكل اساسا من السعوديين.
في ٢٠١٣ ومع دخول الشباب لسوق العمل اتسع حجم الاقتصاد، وتشكلت ازمة اخرى من البطالة حاول السعوديون حلها بما يسمى “السعودة” وهي عملية طويلة هدفها احلال ٨.٥ مليون سعودي بدلا من العمالة الوافدة، لكنها اتت بنتائج متواضعة. الحكومة من جانبها عملت على ترحيل ملايين العمال والموظفين بعد ان غيرت شروط الاقامة.
النتائج المتواضعة كانت بسبب غياب المتخصصين والخبراء السعوديين، الذين يمكن احلالهم محل الوافدين، لذلك نجحت الحكومة حتى اكتوبر في ترحيل حوالي ٢٦٢ الف شخص فقط
في السياسة الخارجية كان الوضع أسوأ، عدم القدرة على الاطاحة بالاسد كان مؤلما بالنسبة للشعب الذي يتعرض يوميا للبروباجاند التي تؤكد قرب رحيله، والنصر الوشيك. الموقف الاخير للثعودية عقب انتخابها عضوا غير دائم في مجلس الأمن يعبر عن تلك الرغبة في اخفاء الفشل.
وفي الاثناء نفسها، يتزايد الاحباط داخل المجتمع السعودي، طموحات الشباب الذين يمثلون قرابة ٧٠٪ من العشرين مليون سعودي تخيب في العديد من الاتجاهات، مشكلات الشيعة الذين يمثلون قرابة خمس السكان تتفاقم، المطالبات بتقسيم السلطات بين العائلة الحاكمة ورئاسة الوزراء والتي تكون مقدمة لصياغة دستور للملكة ومنها الى انتخابات تعددية على كل المستويات، كل تلكا لمطالبات لم تتجاوز الآراء على تويتر بدون أي تجل لها على أرض الواقع.
الحقيقة انه في عقول الشباب الذين يتصفحون الانترنت حالة تتشكل من الثورة على كل السلطات البطريركية الأبوية. الخروج للشوارع بسياراتهم و”التفحيط” غالبا في الليل مجرد تعبير عن الفجوة الصارخة التي يراها هؤلاء بين أسلوب الحياة في السعودية وفي بقية العالم. هؤلاء الشباب ليسوا نسبة قليلة، ان نسبة من يستخدمون تويتر في السعودية تعد الأكبر في العالم العربي و تمثل قرابة ١٠٪ من عدد السكان بعدد يجاوز ٢.٩ مليون مستخدم، والصحافة المحلية تفخر بذلك.
جبهة أخرى تتشكل هي جبهة النساء الذين يطالبن بحقوق عادلة، التي قوبلت بشكل عجيب من السعوديين، فقد قابل المجتمع السعودي المحافظ تلكا لمطالب بالتحرش والهجوم على النساء في الأماكن العامة، بل ووصلت في بعض الحالات الى محاولة الاغتصاب. في ٢٠١٣ بلغ عدد حالات التحرش اكثر من ١٦٦٩ حالة مسجلة
رفض وزارة الخارجية اعطاءهن الحق في قيادة السيارات قوبل بتظاهرات عديدة، واليو تيوب ممتلئ بفيديوهات لفتيات وسيدات يقدن سياراتهن في السعودية. الازمة التي ينظر لها العالم بسخرية، وصلت ذروتها في اكتوبر حين طالب ٢٠٠ شيخ سعودي الملك باستمرار حظر قيادةا لمرأة للسيارة، وأكدته وزارةا لداخلية ببيان قالت فيه انها ستعتقل كل من تقود سيارتها في الشارع، وفي ٢٦ اكتوبر، انتشرت الالاف من سيارات الشرطة للمراقبة والتأكد من أنه لا امرأة خلف مقود في المملكة.
الحكومة قابلت الانتقادات التي وجهت اليها بشكل دفاعي وعن طريق الحديث عن الحقوق التي أعطتها السلطات للمرأة. هناك بعض النجاحات بالفعل التي تنسب لفترة الملك عبدالله، المريض للغاية منذ ما يزيد على عامين، والذي يزيد عمره عن ٩٠ سنة، حيث أن عمره غير معلوم بالضبط لأن السلطات السعودية لم تكن تسجل مواليد المملكة في العشرينات من القرن الماضي.
هذه النجاحات مثل زيادة عدد النساء العاملات وفتح أبواب الجامعات لهن هي عبارة عن سلاح ذي حدين، فنساء متعلمات يعني أنهن سيطالبن بحقوقهن.
الحقوق التي نتحدث عنها بسيطة للغاية، فالسعوديات لا يستطعن توفير اموال تكفل لهن معيشة جيدة، جميع من زار السعودية من المؤكد أنه رأى المتسولات عند محطات الوقود، والمهن التي من الممكن أن تعمل بها السعوديات محدودة للغاية، مثل عاملات الفنادق والمستشفيات وكبائعات في مراكز التسوق الكبرى، فقط قبل أقل من شهر تم منحهن الحق في دراسة القانون ومزاولة المحاماة، رغم أن العديد من المحاكم لا تسمح للنساء بدخولها بالأساس
عملية المطالبة بالحقوق تزامنت مع عودة المبتعثين السعوديين للتعليم في الخارج، أكثر من ١٥٠ ألف سعودي وسعودية بدأوا في العودة إلى المملكة، وهؤلاء الذين درسوا في دول ديمقراطية لن يمكنهم العيش في ظل قوانين القرن السابع.
بعضهم يسافرون، إلا أن الفتيات منهن لا يستطعن السفر وحدهن، ما يعني أنهن سينتظرن في بيوتهن مجيء الزوج (غالبا من العائلة) لذلك فهم يمارسون نقدهم ومطالباتهم على تويتر، لكن الوضع قطعا لن يستمر كذلك بلا نهاية.
قضايا الشباب، والوافدين، والبطالة، حقوق المرأة، الفقر، والفجوة بين الأغنياء والفقراء، والنظام الحكومي الإداري المغرق في القدم ليست فقط مشاكل المملكة. هناك أيضا الشيعة في المنطقة الشرقية، والخلافات بين النجديين ومحبي الحرية من الحجاز والقاطنين في أعالي اليمن والقبائل الشمالية القريبة من الشام.
الرد الحكومي على تلك المشكلات غير موجود، وحلول الملك عبدالله لم تعد تجدي نفعا، فكل شيء له الحدود، والمجتمع السعودي لن يستطيع الاحتمال أكثر، المجتمع يطلب المزيد والحاجة الى قطيعة كاملة مع المؤسسات العتيقة تتزايد، وإلا فلن يكون سوى الانفجار
وعلى الرغم من احتمالات الانفجار، إلا أن أي محاولات للإصلاح تقابل بمعارضة شرسة من شيوخ الوهابية، الذين يمتلكون قوة هائلة في المجتمع السعودي. تجاهل قوة الشيوخ من قبل العائلة المالكة قد يعني انهيار المملكة! والدولة تعلم ذلك، ولذلك فهم خففوا كثيرا من وتيرة الاصلاح أملا في إرضاء الشيوخ.