خلال الانتخابات الوطنية في الهند التي حصلت العام الماضي، تعهد نارندرا مودي بـ”التنمية للجميع”، ولكن اليوم، وبعد أن أصبح رئيساً للوزراء، لم يفِ مودي بوعوده بإجراء التحسينات الاقتصادية الكبيرة بعد، بل وفي هذه الأثناء، عمل أعضاء حكومته وحزبه السياسي ضمناً على تمزيق وعوده من خلال تأجيج التوترات الطائفية، واليوم، أرسل الناخبون، في البلاد التي تضم رسمياً ثالث أكبر تعداد للسكان في العالم، رسالة لمودي مفادها، “ضع حداً للترويج للكراهية..”.
السياسة المسممة بالكراهية الدينية ستعمل حتماً على إهدار الإمكانات الاقتصادية للبلاد، في الوقت الذي يجب فيه على الهند أن تلعب دورا أكبر وأكثر إيجابية في جنوب آسيا والعالم، تاريخ الهند يفيض بأمثلة عن العنف الديني والطبقي الذي ساعد على الحط من قيمة البلاد وتخلفها، وتلك الصراعات فترت وتراجعت خلال النمو الاقتصادي السريع الذي شهدته الهند، ولكن يخشى الكثير من الهنود اليوم عودة ظهور هذه النزاعات إلى سطح المشهد الهندي.
يوم الأحد المنصرم، خسر مودي وحزبه، بهاراتيا جاناتا، في الانتخابات التشريعية في ولاية بيهار الشمالية، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 100 مليون نسمة، حيث فاز “التحالف الكبير”، الذي يضم الأحزاب العلمانية التي يوحدها مناصبة العداء لسياسات حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي ، بـ178 دائرة انتخابية في المجلس التشريعي الذي يضم 243 عضواً، مقابل 53 دائرة فاز بها حزب بهاراتيا جاناتا، والكثير من المحللين السياسيين فسروا الخسارة على أنها تنصل من مودي، لأنه وكبار مساعديه، أسسوا حملتهم الانتخابية الشرسة معولين على الإعلانات التي تحمل صور مودي، بدلاً من صور للسياسيين المحليين.
في الأشهر التي سبقت انتخابات بيهار، أجج المتشددون التابعون لحزب بهاراتيا جاناتا والمنظمات التابعة للحزب التوترات الطائفية المشتعلة منذ فترة طويلة في الهند، حيث عمم نواب الحزب في البرلمان قرار حظر لحوم الأبقار في جميع أنحاء البلاد، ظاهرياً لحماية الأبقار، التي يعتبرها الكثير من الهندوس مقدسة، ولكن في حقيقة الأمر كان القرار ذريعة لتقسيم الهندوس والمسلمين، الذين يأكل بعضهم لحوم البقر.
خلال الأسابيع السبعة الماضية، قتلت العصابات المتشددة، المدفوعة بغضب حملة منع تداول لحوم البقر العنيفة، أربعة مسلمين يشتبه بذبحهم أو سرقتهم أو تهريبهم للأبقار، وفي أغسطس، قتل مجهولون ماليشابا ماديفالابا كالبورجي، وهو باحث وناقد صريح للوثنية الهندوسية، كما احتج المئات من الكتّاب والمخرجين والأكاديميين على التعصب المتنامي في الدولة من خلال إعادتهم للجوائز التي حصلوا عليها من الجهات التي تدعمها الحكومة.
مودي لم يقم بإدانة عمليات القتل ذات الصلة بلحوم البقر بلهجة صارمة، رغم مناشدته للقيام بذلك بشكل كبير من قِبل المسلمين والأقليات الأخرى، بل تسامح أيضاً مع التصريحات البغيضة وغير المراعية التي أطلقها وزاء من حكومته ومسؤولون من حزب بهاراتيا.
خلال حملته الانتخابية في ولاية بيهار، حاول مودي استغلال الانقسامات الطائفية بقوله للناخبين بأن التحالف العلماني سيعمل على مصادرة المكتسبات الإيجابية من الطبقة الدنيا للهندوس والقبائل لصالح “مجتمع معين”، في إشارة صريحة وواضحة إلى مجتمع المسلمين، ومن جهته شدد رئيس حزب بهاراتيا جاناتا، أميت شاه، وهو أحد أقرب مستشاري مودي، أمام الناخبين بأن فوز التحالف العلماني سيُحتفل به في باكستان، وهي الجارة الهندية ذات الأغلبية المسلمة، والتي خاضت عدة حروب مع الهند منذ عام 1947.
استشف الناخبون في ولاية بيهار محاولات حزب بهاراتيا جاناتا لتفريقهم، وهم، كمعظم الهنود، يبحثون عن القادة الذين يسعون لتحسين مستوى معيشتهم؛ فبيهار تعد واحدة من أفقر الولايات في الهند، ولكنها شهدت نمواً سريعاً في السنوات الـ10 الماضية تحت قيادة وزير الولاية نيتيش كومار، الذي يعود إليه الفضل بتضييق الخناق على الجريمة، بناء وشق الطرقات، وزيادة نسبة التحاق الفتيات بالمدارس.
مودي، وحزبه بهاراتيا جاناتا، حصلوا على الأغلبية في مجلس النواب في البرلمان العام الماضي من خلال وعود تحقيق الإصلاحات الاقتصادية، واليوم، وبغية المضي قدماً في هذه الإصلاحات، يحتاج الحزب لاكتساب السيطرة على مجلس الشيوخ، الذي يتم انتخابه من قِبل مجالس نواب الولايات، ولكن الحزب لن يفوز بتلك الانتخابات ما لم يتخلص مودي من المسؤولين في حكومته وحزبه الذين يأججون الحروب الطائفية.
في الوقت عينه، يستطيع مودي أن يمارس بعض الإصلاحات الإدارية لتحسين الاقتصاد، كالاستثمار في التعليم والرعاية الصحية وبناء البنية التحتية.
الناخبون في ولاية بيهار أرسلوا رسالة تحذير واضحة لحزب بهاراتيا جاناتا، ويجب على مودي الإصغاء لهذا التحذير بتعقل تام.
المصدر: نيويورك تايمز