تخيل أن تصبح لديك مقدرة النباتات على إنتاج الطاقة من الشمس والماء بكل بساطة، فتضع مادة ما على سطح منزلك، وتترك لها مهمة تحويل أي مياه أو أمطار تسقط عليها إلى طاقة تشغل مصابيح منزلك والحواسيب الشخصية والهواتف، لتحصل على طاقة خضراء نظيفة وبسيطة، وربما حين يسألك أحدهم عن طريقة حصولك على الكهرباء، تضحك وتقول: “مثل النباتات”!
لطالما كانت محاكاة التمثيل الضوئي حلمًا من أحلام العلماء، إذ إنها طريقة بالغة الروعة لإنتاج الطاقة، وتحويل الضوء بسهولة إلى طاقة لاستخدامها في أغراض أخرى، كما تفعل النباتات الخضراء، ويبدو أن الحلم تحقق أخيرًا على يد باحثين من الولايات المتحدة الأمريكية، والذين قاموا بصناعة مادة تسمح لهم بتقليد التمثيل الضوئي في النباتات ليحصلوا به على مصدر نظيف للطاقة بشكل دائم.
وقد اكتشف الباحثون العاملين في جامعة فلوريدا طريقة لالتقاط أشعة الشمس باستخدام أكسيد المنجنيز، والمعروف أيضًا بالـ “باي رنيسايت”، لتقوم هذه المادة بعد ذلك باستخدام الطاقة الشمسية التي حصلت عليها في القيام بتفاعل أكسدة، وتكسير الماء (H2O) إلى هيدروجين وأكسجين، في نفس عملية الأكسدة التي تحدث في البناء الضوئي، وبتقليد هذا الجزء من العملية، ربما يمنحنا القدرة على إنتاج الطاقة بطرق جديدة بأسلوب بالغ البساطة والعملية، وقال خوسيه إل ميندوزا، إنه من الناحية النظرية، هذا يمكن أن يكون مصدر طاقة مكتفية ذاتيًا.
أفضل شيء في الأمر أن استخدام أكسيد المنجنيز في هذه الطريقة سوف يكون خالٍ من إنتاج الكربون تمامًا، مثل الطريقة الهيدروجينية في إنتاج الطاقة، ولن يكون له أي أثر سلبي على البيئة، وقد قال ميندوزا “أي أنك لن تنتج أي ثاني أكسيد الكربون أو نفايات”.
بعد أن يتم فصل الهيدروجين، يمكن استخدامه كوقود وحرقه مع الأكسجين لتكوين الماء H2O، لتطلق الطاقة أثناء هذه العملية، وهو ما كان يتم في العادة بالاستعانة بالوقود الحفري، ما يعني، أننا بصدد تكنولوجيا جديدة تغير قواعد اللعبة بحق.
فريق الباحثين واجه مشكلتين عندما كان يبحث عن طريقة لكسر الماء بالاستفادة من الشمس، المشكلة الأولى كانت في إيجاد مادة لا تصدأ بتعرضها للماء، والمشكلة الأخرى كانت في رغبتهم أن تكون في ذات الوقت غير مكلفة في تصنيعها.
الإجابة التي وجدها ميندوزا وفريقه، والتي تكلموا عنها في دورية الكيمياء الفيزيائية، كانت في تطوير شكل متعدد الطبقات من مادة أكسيد المنجنيز، ومع ذلك، اكتشفوا عندما قاموا باختزال الطبقات المتعددة إلى طبقة واحدة أنهم حصلوا على ما يريدونه، لأنهم عندما فعلوا ذلك استطاعت المادة المصنعة أن تحبس الضوء بداخلها بشكل أسرع بكثير.
كيف غدا هذا ممكنًا؟ بحسب ما قاله الباحثون، فإن الطبقة الواحدة من أكسيد المنجنيز تقوم بتوفير ما يسمى بـ”فجوة النطاق المباشرة”، فيما تشكل الطبقات المتعددة فجوة غير مباشرة، ويقوم الضوء باختراق الأنواع المختلفة من المواد بشكل مختلف، لكن قبض المواد على الطاقة وتخزينها، ليس فعالًا إلا عن طريق “فجوة النطاق المباشرة”.
الشيء اللافت للنظر بشأن هذه المادة الجديدة، هو في فعاليتها العالية في القبض على الطاقة عندما تكون في صورتها أحادية الطبقة، ما يعد ميزة في التصنيع واستخدامها في التطبيقات المختلفة، لأنه يعني أن التصنيع سوف يكون أرخص وأسهل كذلك.
وقد علق ميندوزا قائلًا إن هذا هو السبب الذي يجعل اكتشاف “فجوة النطاق المباشرة” شيئًا مثيرًا للغاية، فهي رخيصة وفعالة جدًا، ولن تجعلك تحتاج إلى كمية كبيرة من المادة القابضة على أشعة الشمس لتوليد الوقود.
ما يزال من المبكر لنا توقع رؤية هذه التكنولوجيا في الاستخدام المنزلي، لكن الباحثين يضعون في خططهم هذا الأمر، مثل تغطية أسطح المنازل به وعمل مولدات طاقة منزلية، وهو ما يعد تطورًا مثيرًا بشكل لا يصدق.