إعلاميا، روج إلى أن الاحتجاجات التي عاشتها السودان خلال الشهر الماضي، نتجت عن الإجراءات التقشُّفية الأخيرة التي اتَّخذتها الحكومة السودانية، خاصة منها رفع الدعم عن الوقود، وهو ما لا يعتبر المسبب الحقيقي للأزمة، وما هو إلا مسبب في ظهور الأزمة إلى العلن وإلى وصولها إلى شاشات التلفاز وإلى جيب المواطن العادي.
مركز كارنيغي للأبحاث، نشر دراسة أعدها الخبير الاقتصادي الحسن عاشي، تحت عنوان “أزمة اقتصاد السودان وكرة الثلج منذ انفصال الجنوب”، أظهر من خلالها أن بدايات الأزمة التي يعيشها السودان تعود إلى “انفصال جنوب السودان في 2011، الذي أدّى إلى خسارة السودان نحو ثلاثة أرباع إنتاجه النفطي، ونصف إيراداته الحكومية، ونحو ثلثي احتياطاته من العملة الصعبة”.
ورغم المؤهلات جغرافية والبشرية المهمةالتي يمتلكها السودان، والتي تتمثل في مساحته البالغة 2.5 مليون كيلومتر مربع يعتبر ثُلثها أراضي صالحة للزراعة، ومنفذه على البحر الأحمر بساحل يصل طوله إلى 500 ميل، وعدد سكانه الذي يصل إلى 40 مليون نسمة، رأى الحسن عاشي أنه من الصعب على السودان أن يتكيف مع صدمة بحجم انفصال الجنوب، خصاة في ظل الأوضاع الأمنية المتدهورة وفي ظل القطيعة التي تعيشها البلاد مع الخارج والتي تحرمها من “الولوج إلى الدعم المالي الخارجي”.
واستناداً إلى تقديرات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، يعيش ما يقرب من نصف سكان السودان تحت خطّ الفقر بأقلّ من دولار يومياً، في حين يُصنَّف السودان في أسفل قائمة البلدان النامية، بسبب تأخره في تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، كما لا يزال معدّل البطالة فوق نسبة 20 في المائة، معظمهم – أي العاطلين عن العمل- من فئة الشباب.
وفي الوقت الذي كان الاقتصاد السودان، قبل انفصال الجنوب، يعتمد فيه بنسب كبيرة وبصفة مباشرة وغير مباشرة على الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاع النفطي، كانت الحكومة السودانية تأمل في تحقيق الاستقرار الاقتصادي عبر استبدال عائدات نفط الجنوب بصادرات الذهب، وهو ما حصل فعلا، إذ ارتفعت حصَّة صادرات الذهب في إجمالي الصادرات إلى نحو 70 في المائة خلال سنة 2012، بعدما كانت تقلّ عن 10 في المائة قبل الانفصال، ولكن التراجع الأخير في الأسعار العالمية للذهب أدّى إلى إلحاق الضرر بشدّة في حظوظ تحقيق النجاح وزاد من الأزمة الاقتصادية في السودان.
وحول الحلول الممكن إتباعها لإنقاذ الاقتصاد السوداني، قال الحسن عاشي أن قطاع الزراعة يعدُّ من القطاعات الأساسية في إعادة بناء الاقتصاد السوداني، مشيرا إلى أن النسبة المزروعة من مجموع الأراضي الصالحة للزراعة في السودان لا تتجاوز الخُمس، وإلى إمكانية تطوير الزراعة وإلى ضرورة توجيه الاستثمار الحكومي إلى الزراعة، حتى تلعب “دوراً حاسماً في النمو الاقتصادي الشامل”.