أعرف أن هذا الاعتراف سيجلب لشخصي المتواضع مئات الأعداء لكني بالفعل أحب “الخليل كوميدي” وأقدره لأنه الشخص الوحيد – تقريبًا – في مصر الصادق مع نفسه في عالم امتلأ بمن يقولون عكس ما قالوه منذ دقيقة ببجاحة تتمنى لو امتلكت ربعها كي تستطيع العيش في هذا البلد.
الخليل – وإن أسمى نفسه “أصل الضحكة في مصر” – إلا أنه في كل فيديوهاته وتدويناته ولقاءاته يصرخ – بشكل ضمني – قائلًا: “أنا لست كوميديًا بل أقدم السماجة، ولا بد أن لتلك الأخيرة زبائن في مكان ما”، بعكس شخص مثل أحمد آدم مثلًا حين يقول إحدى دعاباته القاتلة في برنامج “بني آدم شو” – تخيل أن آدم يقول الدعابة وهو يحسب أنها تضحكنا -، حالة إنكار تامة تستثير أكبر الأطباء النفسيين في مصر.
إن الخليل كوميدي قد اجتهد حتى يصل لما وصل إليه، في البدء عمل مقرئًا للقرآن داعيًا الناس لاستقدامه في المناسبات المختلفة، ثم صانع كوميكات ساخرة تحمل صورته وهو يبتسم في بلاهة كي يستثير حنق الناس، ثم مونولجيست يحيي الحفلات وأعياد الميلاد، ثم “يوتيوبر”، ومن ثم انطلق كأحد مشاهير الإعلانات وكوميديا “الغلظة” لدرجة أن وكالة أنباء الشرق الأوسط الرسمية أجرت معه حوارًا مصورًا باعتباره أحد نجوم المستقبل، إذن فالرجل لم يدخر جهدًا كأحد أدعياء الكوميديا في مصر، بل وصل لمنصبه بالجهد والعرق بخلاف أغلب من حصلوا على مناصبهم في مصر.
في عالمنا الملئ بالنفاق لا تجد من يملكون صدق الخليل، كلهم مصابون بحالة إنكار مثل ذلك المحامي الجعجاع الذي لم يترك أم أي شخص إلا وقد تعرض له بالسباب أو الحكايات الأسطورية عن علاقته به، هذا الرجل امتلك من الشجاعة ما جعله يطالب بتعيينه إمامًا لأحد المساجد ثم يعرض نفسه كوزير لوزارة من اختراعه باسم “وزارة الأخلاق”، الرجل يتحدث بتصديق تام لنفسه باعتباره المحارب الأوحد للانهيار الأخلاقي في مصر، وهي نزعة “ساداتية” تسمح لـ “كبير العيلة” أن يفعل كافة الموبقات لأنه الأكبر والأكثر حكمة، أما غيره “شوية عيال” يحتاجون لمن يعلمهم التهذيب، ويبدو أن هذه مشكلة متوطنة لدى المحامين المشاهير لأن محامِ آخر اعتاد المتاجرة بقضايا محاربة الفجور تبين أنه كان محاميًا للراقصة “نجلا” أو “مطربة الحصان” كما يعرفها أغلب الناس والتي مُنعت من دخول مصر بسبب كليباتها الإباحية، لم ينكر الرجل بل قال: “أنا محام ومهنتي أن أدافع عن القاتل وتاجر المخدرات ونجلا كانت مظلومة حين منعتها الدولة من دخول مصر”، إذن الرجل يطالب الدولة بمنع الفجور في الأعمال الفنية وحين تقوم الدولة بمنع من يفعلون ذلك من دخول مصر لإباحيتهم يترافع عنهم لإعادتهم مرة أخرى إلى هنا، ألا يستحق هؤلاء درسًا في الصدق مع النفس لدى الخليل كوميدي؟!
حين “يسود” الأمر لغير أهله تجد من لا يجيدون نطق الأحاديث النبوية يصلون لأعلى المناصب، ولا بأس أن يصاب مسؤول بزلة لسان، وإن كان يجب على كل من يقف في موقع المسؤولية أن يركز في أقواله وأفعاله جيدًا ولا يتفوه بما لا يملك أدوات الحديث عنه، لكن المشكلة تطفو على السطح حين تجد من يخطئ في حديث شهير كهذا يتكلم عن نفسه بوصفه الفيلسوف الذي جاء ليحل مشاكل العالم.
كل ما سبق يشير إلى أن الخليل ثروة قومية تملكها مصر، ويمكن تعيينه في أحد المناصب الحكومية لأن “ألشاته” تتسق مع النهج الذي تسير عليه الدولة، يستطيع أن يروي قصصًا أفضل من قصة “الحماروميتر” و”الخروفميتر”، أو يجد تعبيرًا أفضل من “سرعة الإنترنت في مصر هتبقى فوووووووووو”، كما يمكن أن يجد مبررًا لغضب الناس أفضل من أن “انتقاد الناس للرئيس دليلٌ على نجاحه”، هذه “القفشات” قد نقبلها من الخليل لأننا نعرف طبيعته مسبقًا لكنها حين تأتي على ألسنة مسؤولين مفترض فيهم الجدية والاحترام فلن تكون مقبولة غالبًا.
ويمكن تعيين “الخليل” مذيعًا بإحدى الفضائيات كي يعرض فيديو لمجموعة من الشباب يلعبون لعبة الحرب الشهيرة “Medal of honor” زاعمَا أنها فيديوهات للجيش الروسي أثناء دخوله سوريا، أو يقول في برنامجه – بطريقته الشهيرة – “مرة ناس ههههههه عملوا اعتصام ههههههه ودفنوا الجثث في الكرة الأرضية اللي تحت الأرض هههههههههه”، بالطبع لن أفعل مثل بلال فضل وأطالب الخليل كوميدي بالترشح لانتخابات الرئاسة القادمة لأن الخليل – بصدقه مع نفسه – لن يقبل أن يقوم بدور “الكومبارس” في انتخابات يعرف نتيجتها مسبقًا، وكم بمصر – وخارجها – من كومبارسات باعوا كل شيء ومازالوا يصرون على التظاهر بالاحترام والشرف .