المدافعان النجمان
بأضدادها تُعرف الأشياء، وبالمقارنة تُدرك الفروق، وعلى ميزان الوقائع والأحداث يُميَّز الدرّ النفيس من الغث الفارغ، ونحن هنا سنضع على كفّتي ميزانٍ، اثنين من الدّرر الكرويّة العالميّة النفيسة، التي نفخر بأن بلدان المغرب العربيّ المعطاءة هي من قدّمتهما للعالم، وبالتحديد المغرب وتونس، اللتان ما فتئتا ترفدان أنديّة أوروبا بالعديد من موهوبي ومبدعي المستديرة عبر الماضي والحاضر، في مختلف مراكز اللّعب ولا سيما الدفاعيّة، فمن منّا لا يذكر صخرة الدفاع المغربيّ نور الدّين نايبت وتألّقه مع لاكورونيا الإسباني؟ وشقيقه التونسي راضي الجعايدي نجم ساوثمبتون الإنكليزي؟
وحديثنا اليوم سيكون عن أحدث ما أنتجته بلدان مغربنا العربيّ من نفائس دفاعيّة، أضحت ضمن نخبة مدافعي أفريقيا والعالم حالياً، وهما:
– المغربي المهدي بنعطيّة نجم بايرن ميونيخ الألماني
– وشقيقه التونسي أيمن عبد النّور نجم فالنسيا الإسباني.
الطفولة والنشوء
– مهدي أمين المتّقي بن عطيّة: ولد يوم 17 أبريل من عام 1987 في منطقة كوركورونيس التابعة لإقليم إفري، المتاخم للعاصمة الفرنسية باريس، لأبٍ مغربيّ وأمٍّ جزائريّة، وبدأ يداعب المستديرة طفلاً في الخامسة على يد أبيه المولع بالكرة، ثمّ انضمّ لناشئي فريق إفري المحلّي، ثم إلى مدرسة كرة القدم في بريتني، قبل أن يلتحق عام 2000 بمدرسة نادي كليرفونتاين، حيث مكث عامين ثم انتقل إلى ناشئي نادي غانغان، ومنه إلى ناشئي نادي مارسيليا العريق عام 2003، حيث لعب لمدّة عامين مع فريق الشّباب، قبل أن يتم تصعيده رسميّاً إلى فريق مارسيليا الأوّل اعتباراً من عام 2005 وهو ابن 18 عاماً.
– أيمن كمال عبد النّور: ولد يوم 6 أغسطس من عام 1989 في مدينة سوسة السّاحلية بتونس، وبدأ مداعبة الكرة صغيراً على يد والده كمال، الذي كان مدافعاً في صفوف نادٍ محليٍّ بمدينة سوسة، فوجّه ولده للانضمام إلى نادي سوسة الكبير: النجم الرياضي الساحلي، حيث لعب لجميع فئاته السّنّية، قبل أن يستقرّ به المقام في الفريق الأوّل للنادي، اعتباراً من عام 2008، وهو في ال19 من عمره.
عالم الاحتراف
لم يطل مكوث المغربي في مارسيليا كثيراً، حيث فضّل الانتقال بنظام الإعارة إلى نادي تور في الدّرجة الثانية باحثاً عن فرصةٍ للعب لم يجدها في مارسيليا، وهذا ما كان حيث لعب 29 مباراة لتور موسم 2006-2007، قبل أن يعود لمارسيليا الذي أعاره مجدّداً لنادٍ آخر هو لوريان، ليقضي موسماً واحداً لم يشارك فيه إلا بمباراةٍ واحدةٍ ضمن كأس فرنسا، قبل أن ينتقل في يوليو 2008 إلى نادي كليرمون بعقدٍ مجّانيّ مدّته عامين، حيث شارك مع فريقه في 56 مباراة ضمن الدرجة الثانية الفرنسية، قبل أن تلتقطه أعين كشّافة نادي أودينيزي الإيطالي، الذين انتظروا انتهاء عقده مع النادي الفرنسي، ليستقدموه إلى ناديهم بالمجّان اعتباراً من يوليو 2010، وهناك كانت انطلاقته الحقيقيّة، حيث قضى 3 مواسم ممتازة مع فريق الشّمال الإيطالي، لعب خلالها 80 مباراة في الدوري و97 في مجمل المسابقات، مكرّساً نفسه كواحدٍ من أفضل مدافعي الدّوري الإيطالي، حيث لفت أنظار كبار إيطاليا وعلى رأسهم نادي العاصمة روما، الذين فازوا في سباق ضمّه، ليوقّع معهم في يوليو 2013 على عقدٍ مدّته 5 سنوات مقابل ما يربو عن 13 مليون يورو، ليلعب معهم موسم 2013-2014 ويتألّق بشدّة، ويقودهم إلى إنهاء السيري آ في المركز الثاني خلف يوفنتوس، بعد أن شارك في 33 مباراة في الدوري و37 في مجمل المسابقات.
أمّا ابن تونس الخضراء، فقد لعب للنجم الساحلي 3 مواسم، تخللتها إعارةٌ لمدّة 6 أشهر إلى فيردر بريمن الألماني مطلع عام 2010، حيث لعب 6 مباريات فقط في البوندسليغا، قبل أن يقفل عائداً إلى سوسة، حيث بقي حتى يوليو 2011، عندما وقّع عقداً لمدّة 4 سنواتٍ مع نادي تولوز الفرنسي، ليتألّق هناك على مدى موسمين ونصف، لعب خلالها 77 مباراة في الدّوري و82 في مجمل المسابقات، ولفت أنظار كبار اللّيغ آ، حيث استقدمه نادي إمارة موناكو الطّموح، ليلعب معهم جميع مباريات إياب موسم 2013-2014 على سبيل الإعارة، ويقودهم لإحراز المركز الثاني في الدّوري بعد باريس سان جيرمان، ليوقّع بعدها على عقد انتقال نهائي لمدّة 4 سنوات مع فريق الإمارة، مقابل حوالي 9 ملايين يورو، لم يجد مسؤولو النّادي أية غضاضةً في دفعها، بعدما شاهدوا النجم التونسي يصول ويجول مع فريقهم في الموسم الماضي، ويلعب 24 مباراة في الدوري و32 في مجمل المسابقات، بالغاً بفريقه ربع نهائي دوري أبطال أوروبا على حساب أرسنال العريق، ليصبح محطّ أنظار أكبر الأندية العالمية بما فيها برشلونة الإسباني.
المحطّة الحاليّة
يلعب بنعطيّة في نادي بايرن ميونيخ للموسم الثاني على التّوالي، بعد أن وقّع معه عقداً لمدّة 5 سنوات في أغسطس 2014، مقابل حوالي 28 مليون يورو جعلته أغلى لاعبٍ عربيّ في تاريخ المستديرة، وقد أنهى الموسم الماضي متوّجاً مع فريقه بلقب البوندسليغا، وبالغاً معه نصف نهائي كأس ألمانيا ودوري الأبطال، بعد أن تعرّض لإصابةٍ بليغةٍ حرمته من خوض أكثر من 15 مباراة في الدّوري و24 في مختلف المسابقات، وفي الموسم الحالي مازال يحظى بثقة مدربه بيب غوارديولا، الذي يرى فيه الشريك الأمثل لبواتينغ في قيادة دفاع البافاري، ولكنّ كثرة إصاباته أثّرت على مشاركاته التي لم تتجاوز 3 مباريات في الدّوري و5 في مختلف المسابقات، دون أن تلغي دوره الكبير مع الفريق عندما يكون في أفضل حالاته البدنيّة.
بدوره، انتقل عبد النّور إلى فالنسيا في أغسطس الماضي، بعقدٍ مدّته 5 سنوات وقيمته حوالي 18 مليون يورو، آملاً في تعويض رحيل الآرجنتيني أوتاميندي عن دفاع الخفافيش، ليبدأ الموسم أساسياً -إلى جانب شكيردان موستافي- في تشكيلة المدرّب البرتغالي نونو سانتو، قبل أن يتعرّض لإصابةٍ أبعدته عن خوض المباريات، ليكتفي بلعب 3 مباريات في الدّوري و5 في مختلف المسابقات مع نادي الخفافيش حتى الآن.
في المنتخب الوطني
بدأ بنعطيّة مشواره الدّولي مع منتخب المغرب في 19 نوفمبر 2008، حيث استدعاه الناخب الفرنسي روجيه لومير لخوض ودّية زامبيا، وكان أساسيّاً في تشكيلة أسود الأطلس التي لعبت ضمن بطولتي أمم إفريقيا: عام 2012 في غينيا والغابون، وعام 2013 في جنوب إفريقيا، حيث لم يوفّق الأسود في اجتياز الدّور الأوّل، وحالياً وصل المدافع إلى مباراته الدّوليّة رقم 38 مع المنتخب المغربي، الذي أصبح يحمل شارة قيادته مع المدرّب الحالي بادو الزاكي.
أمّا عبد النّور، فقد كان أوّل استدعاء له إلى منتخب تونس في 20 أغسطس 2008، على يد الناخب البرتغالي هومبيرتو كويلهو، الذي لفت نظره وهو ابن 19 عاماً فقط بعد تألّقه مع منتخبات الفئات السّنيّة، ليحرز مع نسور قرطاج بطولة أمم إفريقيا للاعبين المحلّيين عام 2011 بالسودان، قبل أن يشارك معهم بصفة أساسيّة في 3 بطولات لأمم إفريقيا، حيث نجحوا ببلوغ الدّور ربع النّهائي مرتين عامي 2012 و2015 في غينيا الاستوائيّة، فيما ودّعوا بطولة عام 2013 من دورها الأوّل، وقد وصل حالياً إلى مباراته الدّولية رقم 42 مع أبناء قرطاج.
مقارنة فنّية
يتشابه النجمان في كثيرٍ من النّواحي الفنّية، أبرزها القوّة البدنيّة وإتقان ألعاب الهواء، معتمدين على طولهما الفارع (190 سم لبنعطيّة، و187سم لعبد النّور)، إضافةً إلى قدراتهما التهديفيّة المميّزة (سجّل بنعطيّة 19 هدفاً خلال مسيرته الاحترافيّة، فيما سجّل عبد النّور 11 هدفاً)، كما يمتلك كلاهما شخصيّةً قياديّةً، قوامها العلاقة الإيجابيّة بالزملاء، فضلاً عن الجدّية والتحلّي بروح المسؤوليّة تجاه القميص الذي يرتديانه.
أمّا أبرز نقاط الاختلاف بينهما، فتكمن في القدم المستخدمة، حيث يلعب بنعطيّة بقدمه اليمنى، فيما يستخدم عبد النّور قدمه اليسرى، مما يمكّنه من اللعب في مركز الظّهير الأيسر الذي بدأ به مشواره، والذي أعطاه ميّزة أخرى تتعلّق بإتقان إرسال الكرات العرضيّة، بالمقابل يمتلك بنعطيّة ميزةً خاصّةً هي استخلاص الكرة من المهاجمين بدون أخطاء، ممّا جعله أحد أقلّ المدافعين تعرّضاً للبطاقات الملوّنة، حيث لم يتلق البطاقة الحمراء سوى مرّة وحيدةً طوال مشواره الاحترافي (خلال مباراة فريقه البايرن أمام مانشستر سيتي في الموسم الماضي من دوري الأبطال).
على صعيد الإنجازات الفرديّة: اختير بنعطيّة عضواً في فريق موسم 2013-2014 في الدّوري الإيطالي والأوروبي، كما تواجد في قائمة المرشّحين النهائيّة لجائزة أفضل لاعب إفريقي لعام 2014، الذي توّج فيه بلقب (جلوب سوكر) لأفضل لاعب عربي، وأخيراً، اختارته مجلّة فرانس فوتبول الفرنسيّة الشهيرة في سبتمبر الماضي كأفضل لاعبٍ في المغرب العربي، أمّا عبد النّور، فيتواجد ضمن قائمة المرشّحين النهائيّة لجائزة أفضل لاعب إفريقي للعام الحالي، كما تواجد ضمنها العام الماضي أيضاً، كما فاز بلقب ثالث أفضل لاعبٍ إفريقي في الدّوري الفرنسي للموسم المنصرم.
فيما يتعلّق بالإنجازات الجماعيّة: تمكّن بنعطيّة من إحراز لقب الدّوري الألماني الموسم الماضي مع بايرن ميونيخ، إضافةً إلى حلوله وصيفاً مع روما موسم 2013-2014، فيما لم يتمكّن عبد النّور من إحراز لقب الدّوري مع أيّ من الأندية التي لعب لها، وكان أفضل إنجازٍ له إحراز لقب وصيف موسم 2013-2014 مع موناكو، أمّا على صعيد المنتخبات الوطنيّة، فلم يتمكّن النجمان من قيادة منتخبيهما إلى ألقابٍ تُذكر، والأمل كلّ الأمل أن تُفتح صفحة أمجادٍ جديدةٍ لمنتخبي أسود الأطلس ونسور قرطاج في أقرب الآجال، بقيادة البطلين الرائعين: المهدي بنعطيّة وأيمن عبد النّور.