ماذا يفعل المقموع؟، الذي لا يستطيع التظاهر بلافتة سلمية، ولا يستطيع أن يكتب مقالًا أو تدوينة مناوئة للسلطة وهو آمن، حتى الذين يحملون أدوات مدرسية و”دبابيس” عليها شعارات لا تروق للنظام يواجه مصير القبوع في السجن إلى أن يشاء الله بخروجه.
مجال عام مغلف بالدماء لمن يقربه بخلاف جوقة السلطان التي ترتع فيه مسبحةً بحمده ليل نهار، حتى الوقفات الصامتة بالورود يُقتل أصحابها، ويعزى قتلهم إلى نحافة أجسادهم التي يعيبون عليها أنها لم تتحمل رصاصهم.
انتخابات برلمانية للعجائز فقط، وحكومة تُصدر من التصريحات الكوميدية ما يعجز أمامها فطاحل مؤلفي الإيفيهات للأفلام السوبر كوميدي، مبشرات بالجوع من الزعيم، سجون مملوءة بالمظاليم، ماذا يمكن أن يفعل الشعب أمام هذه الدراما السوداء التي يعيشها ليل النهار؟
الجواب: إنها السخرية التي فضلها الكثيرون لمواجهة هذا الواقع المفروض عليهم قسرًا، والتي تضيق بها السلطة ذرعًا هي الأخرى، وتوجه تهمًا لمرتكبيها لإهانة رموز دولتهم المزعومة.
اختار الشباب الذي لا تكف أجهزة الدولة عن اتهامه بالتقصير في حق وطنهم، أن يواجه العبث بالسخرية، والديكتاتورية بالحط من قدرها، والسلطوية بإعلان اللامبالاة التام بحقها، ونقلوا ساحة المعركة من الأرض الملطخة بدماء زملائهم إلى الفضاء الالكتروني الرحب الذي فشلت الدولة مرارًا في تضييقه عليهم كما ضيقت كل شئ حولهم.
البعض يُسمي ذلك هروبًا من الواقع لكن الحقيقة تقول إنه ميدان يؤرق هذه الدولة التي تحاول حصار هؤلاء الساخرون منها على متنه، لكنها عادةً ما تفشل لأنه ميدان محدث لم تستطيع قواميس الديكتاتوريات حتى الآن في إيجاد علاج فعال تجاهه، ناهيك عن عدم مواكبة هذه الدولة المهترئة لما يواكبه هؤلاء الشباب، فتارةً تحاول منعه عن طريق دعوات لإغلاق مواقع التواصل الاجتماعي، وتارةً يخرج زعيم سلطتهم ليتحدث عن حروب الجيل الخامس والسادس والسابع والثامن في وصلةٍ تنم عن جهل كوميدي مركب، تسير في ركابه وسائل إعلام الدولة.
ما جعل هذه الوسيلة هي الأقدر على تفريغ طاقات الغضب حتى الآن، لتظهر فيها إبداعات الشباب المقتولة على أيدي الآلة الأمنية النظامية، فقد سقط قناع الهيبة عن السلطة وديكتاتورها، وتحولت الهيبة العسكرية المصطنعة إلى مادة خام للكوميديا على وسائل التواصل الاجتماعي، وباتت خطابات الجنرال حفلات سعيدة لمصممي الكوميكسات على مواقع التواصل الاجتماعي، يتبارى فيها بعضهم بعضًا للحط من قدر الزعيم الملهم في وجهة نظر أنصاره الذي يتحدث دائمًا بطريقة لا يفهمها سواهم.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154518539883561/
لا يكاد يمر أسبوعًا واحدًا على مواقع التواصل الاجتماعي حتى تجد إما هاشتاج يسخر من السيسي، أو مادة مصورة عليها تعليقات ساخرة تجتاح الحسابات الشخصية لرواد مواقع التواصل الاجتماعي في مصر، أو مقاطع فيديو لأحاديث السيسي تم دمجها مع لقطات ساخرة من أفلام كوميدية تحظى بمشاهدة مئات الآلآف.
https://www.facebook.com/TheGlocalME/videos/403599096506130/
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154520240498561/
هذه الطريقة من الاحتجاج تثير غضب أنصار الجنرال بطريقة جنونية، وتجعلهم يستدعون الجوانب الأخلاقية والقيمية في حديثهم، التي تغيب دائمًا في هجومهم على المعارضين، مع استدعاء لمعاني الأبوة الرئاسية، واحترام الكبير، وعدم إهانة رموز الدولة، إلى آخره من المبررات التي تقدس الزعيم وتجعله مادة غير قابلة للنقد أو المناقشة من الأساس.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154529351063561/
تظهر ازدوجية هذا الطرح في رؤية أنصار الجنرال لبرنامج الإعلامي الساخر باسم يوسف، حيث كان يوسف معشوق جماهير الجنرال الحالية، حينما كان يشتد في سخريته على الرئيس السابق محمد مرسي، وكانت حلقاته تحظى بقبول شعبي لديهم، في غياب تام لسردية الأخلاق واحترام الكبير، وضرورة عدم السخرية من رمز الدولة الأول.
وحينما حاول يوسف مس عجلهم المقدس فارت الجماهير الغاضبة لجنرالهم، وحاصروا مسرح تصوير برنامج باسم يوسف الساخر، وظهرت فجأة معاني احترام الكبير، وظهرت آيات قرأنية على صفحات مواقع التواصل لديهم تحرم السخرية، وأصبح باسم يوسف وقتها مأجور يريد هدم الدولة، بالرغم من عدم وجود مقارنة بين أداء باسم يوسف الساخر بشدة من الرئيس السابق محمد مرسي، والحاني في سخريته من السيسي، لكن هذا ليس مناط الأمر، وإنما هذه الازدواجية تؤكد حقيقة عدم وجود مبدأ عند مناصري الديكتاتوريات أيًا كانت أشكالهم أو تصنيفاتهم المجتمعية.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154531873303561/
يرى بعض النشطاء أنهم بهذه الصورة قد نجحوا في مهمة نزع القداسة عن الديكتاتور، وأن أمر السخرية منه أصبح شيئًا مقدسًا، لئلا يعتقد النظام أن رأسه يقول حديثًا ذا قيمة لديهم.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154513301393561/
هذه الظاهرة الساخرة من السيسي ربما يكون لها ما بعدها، وهي ما ظهرت بوادره في الفترة الأخيرة من ازدياد لحالة الحنق على نظام السيسي، نتيجة فشل الرواية الأمنية في تفسير كل حادث ناتج عن عجز وتقصير الأجهزة المعينة في الدولة، ما استدعى مواجهة هذه الحالة من الفشل بالسخرية من الرئيس الحالي الذي واجهه البعض على مواقع التواصل بقول: “ارحل يا سيسي كبيرة عليك”، والتي ربما تترجم واقعًا على الأرض قريبًا بصورة أكثر فاعلية.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154511903763561/
وفيما تستمر تصرفات هذا النظام بهذه الصورة تتصاعد وتيرة السخرية منه، بل ويتفنن البعض في تصدير هذه الصورة عن النظام بمزيد من التصريحات والأحاديث التليفزيونية اللامعقولة، خاصة من جانب السيسي في زياراته الداخلية والخارجية، وفي تصريحاته التي تكون بمثابة مادة دسمة لصناعة السخرية، التي تحولت إلى فن احتجاجي ضد هذا النظام الذي ضاق ذرعًا بالمعارضة السياسية الجادة، فظهرت له مجموعات معارضة لا تعرف سوى السخرية من أحاديثه ونظامه كطريقة آمنة لمعارضته.
https://www.facebook.com/azhar2day/videos/10154513301393561/
في الحين الذي يسخر فيه الشباب من السيسي، يناقش آخرين على محمل الجد كيفية صعود السيسي إلى هذه المناصب الحساسة في الدولة، وهو صاحب قدرات متواضعة إلى حد كبير في وجهة نظرهم، بداية من منصب رئيس المخابرات الحربية، مرورًا بوزارة الدفاع، ثم الصعود إلى سدة الحكم بعد انقلاب عسكري، متلاعبًا بجميع أطراف الصراع السياسي في مصر، ورغم توافر له كافة الظروف لم يستطيع أن يقف أمام مشاكل الدولة، بل زادت في عهده بصورة متفاقمة، لتصبح حالة السخرية من السيسي، هي أول حالة رفض ضخمة بهذه الطريقة من خلال السخرية، إذ لم تشهد صفحات مواقع التواصل الاجتماعي هذا القدر من التندر على رئيس من قبل.