ترجمة وتحرير نون بوست
قبل عامين، كانت داليا العامري تعمل كسكرتيرة في شركة مبيعات كبيرة، وتتقاضى راتبًا كبيرًا وكافيًا، كانت تحوز جميع ما تبتغيه، ولكنها مع ذلك شعرت بالتململ وضيق الصدر.
“لقد كنت أشعر دائمًا بأن شيئًا ما ناقص في حياتي” قالت داليا، وتابعت “كنت أعيش الحياة النموذجية للعديد من الفتيات المصريات، انتهيت من المدرسة الثانوية، ارتدت الكلية، واستطعت إيجاد وظيفة محترمة، لقد كنت في منطقة الانتظار التي تدخلها كل فتاة مصرية، مترقبة وصول العريس في نهاية المطاف”.
خلال فترة عملها، اكتسبت داليا بعض الوزن أيضًا، لذا، وفي محاولة للتخلص من بعض الكيلوغرامات، انضمت إلى صالة ألعاب رياضية بالقرب من منزلها، وهي الخطوة التي غيّرت حياتها بشكل جذري.
خلال ثلاثة أشهر فقط، صُدمت داليا لرؤية التغييرات الجذرية في جسمها وصحتها وأسلوب حياتها، كانت تتدرب بصورة منتظمة، وتبنت نظام طعام صحي يركز في المقام الأول على الفواكه والخضروات الطازجة، وبالإضافة إلى التغييرات التي حصلت في حياتها الخاصة، اكتشفت داليا أيضًا متعة مساعدة المتدربين وغيرهم من الأصدقاء، وباشرت بمشاركة المعلومات الهامة المتعلقة بالصحة والتغذية واللياقة البدنية.
“وجدت ما كنت أريد أن أفعله في حياتي، لقد كنت أرغب بأن يكون لدي الوقت للتدرب لمدة أطول، وكنت أرغب في مساعدة الآخرين لرعاية صحتهم أيضًا”، قالت داليا.
الانتقال إلى حلمها في مهنتها الجديدة لم يكن سهلًا البتة، فخلال سعي داليا لتحقيق أهدافها التي اكتشفتها حديثًا، واجهت العديد من العقبات، وسرعان ما أدركت بأنها بغية تكريس نفسها للتدريب بشكل كامل، يجب عليها أن تستقيل من وظيفتها الثابتة، والخوض في غمار مخاطرة كبيرة.
الاعتبارات المالية كانت عقبة واضحة ضمن هذا التحول، ولكن رفض عائلتها كان العقبة الأكبر، حيث شعروا بالقلق من أن تستقطب هذه المخاطرة السخرية الاجتماعية، أو حتى النبذ المجتمعي، وكانوا يخشون بأن هذا التحول الوظيفي قد يعيق بشكل جدي فرصها في العثور على زوج مصري ملائم.
“لا أستطيع أن أتذكر عدد المناقشات الساخنة التي خضتها مع عائلتي، ولكني كنت مصممة”، قالت داليا.
في نهاية المطاف تركت داليا وظيفتها، وأصبحت مدربة بدوام كامل في صالة ألعاب القاهرة الرياضية، وعقب انضمامها إلى النادي لأول مرة قبل سنة ونصف السنة، أثمرت جهودها وأتت أكلها، حيث تمت تسميتها كبطلة في كيك بوكسينغ الإناث، وبطلة اللياقة الرياضية كروس فيت (Crossfit) في مصر، علمًا أن تدريبات كروس فيت هي نوع خاص من التدريب يُستخدم من قِبل أكاديميات الشرطة ووحدات العمليات الخاصة العسكرية، ويعتبر مرهقًا وصعبًا للغاية.
“شعرت بقدر كبير من السعادة، لقد شعرت بالسلوان كونني كنت قادرة على إثبات نفسي في عيون عائلتي” قالت داليا، وتابعت، “لقد كانوا متشككين في البداية، ولكن بدءًا من ذلك اليوم، غمروني بثقتهم وبدعمهم”.
بعد المعاناة التي مرت بها في بداية المطاف مع عائلتها، قررت داليا مساعدة الفتيات والنساء المصريات اللواتي يرغبن بالوصول إلى التدريب الرياضي؛ فبعد عام من تركها لوظيفتها، باشرت بمبادرة لمساعدة الفتيات اللواتي يعشن خارج القاهرة للوصول بشكل منتظم إلى المرافق والمعدات الرياضية، وهو الامتياز الذي غالبًا ما ينحصر بفتيات الطبقة المتوسطة والمصريات اللواتي يعشن في المناطق الحضرية.
تقول آية فاهم، وهي ناشطة وباحثة تعمل في المركز المصري لحقوق المرأة، بأن دراسة حديثة أجراها المركز، خلصت إلى أن 30% فقط من النساء المصريات ما بين عمر الـ18 والـ35 يتمتعن بالوصول إلى المرافق الرياضية، أما الباقيات، وهن النسبة الأكبر، لا يستطعن الوصول إلى ممارسة الرياضة لأسباب مختلفة، بما في ذلك منع الزوج، أو ممانعة الأسرة بدون مبرر.
كجزء من هذه المبادرة، قادت داليا فريقًا من النساء، معظمهن من الناشطات والرياضيين، لزيارة مدن صغيرة أو قرى في الريف المصري، حيث التقين بنساء من تلك المنطقة، وشرحن لهن كيف يمكنهن مباشرة التمارين الأساسية ضمن المنزل باستخدام أدوات بسيطة، كاستعمال قوارير المياه بدلًا من الأوزان.
“كنا نعلّم النساء هناك أيضًا أهمية التدريب والرياضة سواء على الناحية النفسية أو الجسدية”، تقول داليا، وتردف، “النساء اللواتي نقابلهن هناك، وخاصة من صغار السن، يُعتبرن تربة خصبة لتلقي المعلومات، لقد كن يستقبلن تعليماتنا بسهولة وسلاسة، ولا أزال حتى اليوم أتلقى مكالمات هاتفية من بعضهن، لسؤالي حول أمور التغذية وحول جوانب مختلفة من التدريبات”.
رغم وجود بعض المبادرات الصغيرة كمبادرة داليا، إلا أن الأخيرة تعتقد بأن المجتمع المصري لا يزال يحمل نظرة معادية لرياضة الإناث، وأن الفتيات والنساء يناضلن بقسوة لتحقيق حلمهن بممارسة الرياضة؛ فبعد عام واحد فقط من مباشرتها، اضطرت داليا لإيقاف المبادرة، وهي تلقي باللوم بذلك على البيروقراطية الحكومية ونقص التمويل اللذان أفضيا إلى إيقاف مبادرتها.
بصرف النظر عن التحديات الاقتصادية الكبيرة، تشير داليا بأن النساء الرياضيات يواجهن مجموعة كبيرة من العقبات الأخرى، بما في ذلك الاعتقاد الشائع بأن مهمة المرأة تنحصر ببقائها في المنزل، فوفقًا لداليا، معظهم الذكور يفضلون أن تمارس بناتهم وزوجاتهم أدوارًا أكثر تقليدية، وعدم تحدي الصور النمطية للإناث التي يفرضها المجتمع، حتى لو أنكر الذكور ذلك علنًا.
“معظم الرجال الذين أقابلهم يرغبون بحصر دور المرأة ضمن المنزل، إنهم يخافون من النساء العاملات والقويات”، تقول داليا، وتتابع، “الكثير من الفتيات يضطررن لقتل أحلامهن والتنازل عن طموحاتهن والانصياع للمعايير التي يتوقعها ويفرضها عليهن المجتمع الذي يقول لهن باستمرار بأن الرجل على حق دائمًا”.
تلقي داليا بلومها أيضًا على العائلات المصرية، حيث تقول، “منذ لحظة ولادة الفتاة، تباشر أسرتها بإعدادها لليوم الذي ستصبح فيه عروسًا، حيث يغرسون في خلدها الفكرة المتمثلة بأنها إذا أرادت القيام بشيء مختلف، ينبغي عليها أن تؤجله لتمارسه بعد الزواج”، وتضيف، “إذا كانت الفتاة ترغب بالرقص أو بالغناء أو بممارسة الرياضة، فإن الجواب يكون دائمًا، عندما تتزوجين يمكنكِ أن تفعلي ما تريدين، وحينئذ تبدأ الفتاة بربط الزواج مع الحرية، وتوافق على أول رجل يتقدم لها، وبعد ذلك تواجه الحقيقة المرّة المتمثلة بأنها لن تستطيع أن تفعل ما تريده، إما بسبب مسؤوليات الزواج، أو بسبب أوامر ورفض الزوج”.
في ظل نقص الموارد والنظرة المسبقة التي تحكم ممارسة الفتيات للرياضة في مصر، تقول داليا بأن المفتاح هو بناء شبكة من الأشخاص الذين يتشاطرون معها وجهات النظر، ومساعدة الأشخاص من حولها ليرتقوا إلى مستوى تطلعاتهم؛ فحتى بعد توقف مبادرتها، ما تزال داليا تحاول في خلفية المشهد أن تؤسس لصداقات وعلاقات متينة تتجاوز مجرد ممارسة التمارين الرياضية.
تشير ولاء فتحي، وهي إحدى المتدربات اللواتي تدربهن داليا، بعد أن مارست التمارين الرياضية خلال الثلاثة أشهر الماضية، بأن الذهاب إلى صالة الألعاب الرياضية هي تجربة إيجابية للغاية، وتردف موضحة، “جميعنا يحظى بمحادثات حقيقية مع المدربة داليا قبل وبعد التدريب، إنها تهتم بنا، وتقدم لنا يد العون والمساعدة في أي وقت نحتاجها فيه، وما يميز داليا هو أنها ليست مجرد مدربة عادية، إنها بطلة، وتقدم لنا مثالًا يُحتذى به بحماستها ونشاطها”.
المصدر: ميدل إيست آي