أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في ختام الاجتماعات التي عُقدت في العاصمة النمساوية فيينا، والتي شاركت فيها الدول المعنية بالأزمة السورية وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا والمملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وإيران ودولة الإمارات العربية والصين، أن الاجتماعات الختامية تم الاتفاق فيها على جدول زمني خاص بالمرحلة الانتقالية في سوريا.
هذا الجدول الزمني الذي أعلنته اجتماعات فيينا ينص على بدء مباحثات بين الرئيس السوري بشار الأسد والمعارضة السورية في الأول من يناير القادم، كما يتضمن الجدول المعلن أنه فور التوصل إلى اتفاق بشأن تشكيل حكومة سورية انتقالية، سيتم البدء مباشرة في صياغة دستور جديد في غضون ستة أشهر، وبعدها يتم الإعداد لإجراء انتخابات خلال ثمانية عشر شهرًا.
كما اتفق المشاركون في هذه الاجتماعات أن أولى الخطوات التي يجب تطبيقها هي وقف إطلاق النار بين النظام السوري والمعارضة السورية المسلحة، وكذلك اتفقوا على تصنيف تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وتنظيم “جبهة النصرة” التابع للقاعدة كتنظيمات إرهابية تسثنى من وقف إطلاق النار، ومن المنتظر الآن خروج قائمة بالتنظيمات الإرهابية التي تُقاتل في سوريا والتي فشل المجتمعون على الخروج بها.
لم تتطرق هذه الخطة الزمنية إلى دور الرئيس السوري الحالي بشار الأسد في المرحلة الانتقالية، كما لم تُحدد الأطراف المعارضة التي ستجلس على طاولة المفاوضات مع النظام السوري، كما اتفقت الدولة المشاركة على عقد لقاء جديد خلال نحو شهر على الأكثر لإجراء تقييم للتقدم بشأن التوصل لوقف لإطلاق النار وبدء عملية سياسية، بحسب ما جاء في البيان الختامي أمس السبت.
إذن النقطة الأبرز في المحادثات لم تناقش ولم يتم التوصل إلى حل محدد فيها، وهو ما نقلته وكالة رويترز للأنباء عن وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في قوله إن الأطراف اتفقت على مواصلة المشاورات، وإن الاجتماع لم يتوصل لاتفاق مشترك بشأن مصير الأسد.
هذا الأمر اعتبره محللون انتصارًا روسيًا بامتياز في فرض وجهة نظرهم للحل في الأزمة السورية على طاولة المفاوضات في فيينا، وقد قبل الجميع بها حتى الآن بلا استثناء، مع تأجيل مناقشة مصير الأسد إلى أجل غير معلوم.
هذه الخطة بتفاصيلها المعلنة الآن كانت قد سربت من قِبل تقارير صحفية بوصفها الخطة السورية للإبقاء على الأسد قبيل عقد هذا الاجتماع، لكن وزارة الخارجية الروسية أنكرتها، ولكنها الآن ستدخل حيز التنفيذ برعاية أممية، ومما يعزز الطرح الذي يقول إن الروس قد أعدوا العدة مسبقًا لهذا الحل تصريح وزير الخارجية الروسي سيرجى لافروف الذي أكد فيه أن الحكومة السورية تقدمت بالفعل بأسماء من سيمثلها في المباحثات مع المعارضة، وعلى الأمم المتحدة تولي مهمة تحديد الأطراف التي ستجلس إلى مائدة المفاوضات من جانب المعارضة السورية.
من أين عرف النظام السوري والروس سويًا بنية عقد مفاوضات مباشرة مع المعارضة السورية؟ الأمر بهذه الصورة يُعزز من الانتصار الروسي داخل سوريا بعد قبول الأمريكيين بخطة روسية مائة بالمائة للحل، مع اكتفاء وزير الخارجية الأمريكي بإضافة بند واحد الخاص بمدة 6 أشهر للفترة الانتقالية.
تراجع الجميع عن ترديد عبارات لا تضع الأسد في الصورة كمثال “مستقبل سوريا لا بد أن يكون بدون الأسد” وقبلوا بالعبارة الروسية الأشهر “مصير الرئيس السوري يقرره الشعب السوري”، وهو انتصار تكتيكي لا شك يصب في صالح الأسد ونظامه الذي ضمن التواجد على رأس السلطة بشكل شرعي دولي طوال مدة الفترة الانتقالية غير معلومة المصير، وقد يُقرأ الأمر على أنه هدنة لنظام الأسد يلتقط فيها الأنفاس برعاية روسية.
ولا أحد يستطيع أن يرى تصريحات بعض الدول عن ضرورة رحيل الأسد إلا من قبيل التعبير عن مواقف ذاتية لا وجود لها على أرض الواقع، حيث إن الحديث الأمريكي والحديث السعودي والأوروبي المتكرر عن استبعاد الأسد من خارطة المستقبل في سوريا، لم يُترجم إلى فعل عملي أثناء المفاوضات، وخروج المرحلة الانتقالية بهذه الصورة دون الحديث أو الإشارة إلى مصير الأسد يعني ضمنيًا القبول به على رأس السلطة في هذه المرحلة.
كما أن مستقبل هذه الخطة سيكون مرهون بمن سيشارك في المفاوضات من المعارضة مع النظام الأسدي، وهذه المهمة أوكلت لمبعوث الأمم المتحدة الخاص لسوريا ستيفان دي ميستورا، بالتزامن مع إعداد قائمة بالمنظمات الإرهابية المقاتلة في سوريا والتي سيتوجب على الجميع التصدي لها، ما يعني أن من سيعارض دي ميستورا ويرفض الذهاب للقاء الأسد معرض لأن يصنف كإرهابي، لأنه ليست هناك ثمة معايير واضحة لتصنيف الفصائل المقاتلة على الأرض في سوريا، ويبدو أن المعيار سيكون قبول الخطة الروسية من عدمها.
أثناء الاجتماعات حاول المحور الروسي استغلال الهجمات التي وقعت على باريس، حيث سعى الإيرانيون في حديثهم إلى التركيز على قتال داعش والتنظيمات الإرهابية والميدان العسكري بدلاً من العملية السياسية مناط النقاش بالأساس، كما استغلت روسيا هذا الأمر للضغط على الولايات المتحدة لتنحية خلافاتهما جانبًا المتعلقة بمصير الأسد، لإظهار التعاطف مع الجانب الفرنسي بتقديم تعهدات من الجانبين بالتنسيق سويًا في قتال تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وهذا ما صرحت به وزارة الخارجية الروسية صراحة بقولها إن هجمات باريس لا بد أن تنعكس على أجواء محادثات فيينا، وأيدت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي فديريكا موغريني هذا القول في تصريحها أن اجتماع فيينا سيأخذ معنى آخر بعد اعتداءات باريس، هذا المعنى ربما نستطيع ترجمته واستنباطه بأن التركيز سيكون على المحور العسكري في سوريا الفترة القادمة مقارنة بجهد أقل سيبذل في العملية السياسية.
هذا التركيز على محاربة داعش والعمل العسكري هو رؤية روسية صرفة، في مقابل التقليل من شأن الحوار السياسي أو وضع الأسد عنوة بداخله، وهو ما تم بالفعل بعد صرف الأنظار عن خطورة بقاء الأسد، بضمه ونظامه إلى حلف محاربة داعش والإرهاب تحت قيادة روسية.
أما عن الأطراف الإقليمية الأخرى فلم تستطع أن تقدم أي بديل آخر للحل في سوريا، والحديث هنا بالتحديد عن الطرف التركي والسعودي اللذين تململا كثيرًا في اتخاذ خطوات جدية تجاه نظام الأسد من شأنها أن تُجبر روسيا على خلعه من المعادلة، هذا التأخير منعهم من أي اعتراض على هذا التوافق الدولي تجاه الأزمة في سوريا، ولم يعد أمام الحليفين التركي والسعودي إلا العمل على الأرض إما لإفشال خارطة الطريق هذه، أو القبول بها كأمر واقع والتكيف معها.