خلال سنوات طويلة من تتابع الرؤساء على مصر، كانت تمر مصر في كل عهد بمتغيرات عديدة وتختلف من رئيس إلى آخر، وبينما كان لكل رئيس وكل عهد ما يميزه بالسلب والإيجاب، كان لكل عهد أيضًا إنجاز أو إضافة ما للنظام المصري، أمام إضافات أو إنجازات كل هؤلاء التي لا يمكننا نكرانها مهما اختلفنا أو اتفقنا معهم، ومهما كانت بساطتها، تتجلى أهم إنجازات السيسي منذ توليه الحكم في حفنة من الكوارث الفريدة من نوعها؛ فبينما تميز ناصر ببناء السد العالي وتأميم قناة السويس، وتميز السادات بتحقيق نصر أكتوبر وبسياسته الفريدة، وكان التوسع السياحي ومشروعات الكباري من أبرز إنجازات مبارك، يأتي “الإعدام السياسي” كأبرز إنجازات فترة رئاسة السيسي!
حيث ينفرد بأنه الرجل الذي شهد عهده ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد المحكوم عليهم بالإعدام، حيث ارتفع العدد من 109 في عام 2013 إلى 509 في عام 2014، ولم تتوقف إنجازات السيسي بالطبع عند هذا الحد، والإعدام لم يكن حدث آخر السطر في قائمة طويلة من الكوارث والانتهاكات التي تُعلن عن ضرب السياسة في مقتل على يد الرجل الجديد للسلطة، يمكن استعراضها تفصيلًا فيما يلي:
الكارثة الأولى: محاكمة المدنيين أمام محاكم عسكرية
حملات الاعتقال الواسعة للنشطاء السياسيين بشكل غير مسبوق هي الكارثة الأولى لعهد السيسي، حيث إن أكثر من 70% ممن تمتلئ بهم السجون المصرية حاليًا هم معتقلون سياسيون، البعض منهم على ذمة قضايا سياسية – وأغلبها ملفقة – والبعض تم القبض عليه دون وجود أي تهم منسوبة إليه أو قضايا فعلية، أغلب هؤلاء المعتقلين هم فئات فاعلة في المجتمع وخريجون وطلبة، وبعضهم متظاهرين تحت سن الـ18 تم الزج بهم في السجون والقضاء على مستقبلهم في مهده، منعًا لحقهم الطبيعي في التظاهر والاعتراض، بينما القتلة والفاسدون والبلطجية والسرسجية يملأون الشوارع، ويتمتعون بأطياب الحياة الكريمة.
الكارثة الثانية: الوأد الحديث للديمقراطية
من أحدث القرارات الصادرة مؤخرًا من منصة رجل الدولة الأول، قرار الحكم بالحبس من سنة إلى 3 سنوات على معارضي الانقلاب من كافة الفئات، لنجد أنفسنا نمر بمرحلة “فارقة” من التاريخ السياسي في مصر، يصبح فيه الموقف الذي تتبناه كافة مبادئ الديمقراطية السياسية والحقوق الإنسانية وقيم الشريعة في العالم أجمع كحق أساسي للفرد والمواطن، هو الآن “تهمة سياسية” وجرم يُعاقب عليه القانون بالسجن في “مصر السيسي”، لندرك بأننا نقف بالفعل على عتبة العصر الذهبي لوأد الديمقراطية وحقوق الإنسان في مصر، والانفتاح الوحيد الذي نعرفه هو الانفتاح على قانون الحديد والنار.
الكارثة الثالثة: الانقلاب الديني
لم يتوقف نشاط الحكم الجديد عند الانقلاب العسكري على ما سبقه من أنظمة، بل حمل أيضًا انقلابًا آخر، جديدًا من نوعه، في طياته على رئيس مصري، يمكن أن يُطلق عليه مسمى انقلاب ديني، لم يقتصر فقط على الحماس الجديد الذي يزرعه النظام ويغذيه باستمرار في محاربته للإسلاميين، وترجمة هذا في التصريحات الهجومية والأحكام الغاشمة للنظام على الرموز الإسلامية المصرية، بل تحول الأمر لحملة امتدت وطالت التشريع السماوي، الذي عارضه الرئيس بكل وضوح وقال بأنه يختلف مع القرآن في نقاط عديدة “غير إنسانية”، وفسر بأن كتاب الله يحوي العديد من النماذج القرآنية المحرضة على العنف ومعادية لتحقيق العدالة! وما انعكس بدوره على السياسة الخارجية بترويج هذه الصورة الذهنية عن الشريعة الدينية، بينما نجلس كشعب “مهذب” وصبور في انتظار أن نرى كيف يحقق الفريق “الفاروق” تلك العدالة على طريقته الخاصة.
الكارثة الرابعة: “التصفية الجسدية.. عدالة الانقلاب الحديدية”
التصفية الجسدية هي جريمة سياسية تقوم على التخلص من الخصم أو المعارض بالقتل أو الاغتيال، وغالبًا في ظروف غامضة غير مفسرة، وتنتهي التحقيقات في تلك القضايا غالبًا دون توجيه أي تهم للشرطة، ويصبح المبرر الغالب في هذه الحالات هو أن تلك العناصر كانت مسلحة وتهدد الأمن أو أنهم قاموا بمهاجمة قوات الشرطة أثناء القبض عليهم وتغلق القضية وتفيد نهاية المحضر بـ”الوفاة خلال مواجهات مع الشرطة أثناء تأدية عملهم”، فيتحول القتلى من ضحايا إلى مذنبين.
والتصفية الجسدية هي السلاح الجديد الذي يلجأ إليه السيسي للتخلص من معارضيه وتطبيق عدالته الخاصة، وأصبح الاختفاء القسري هو الطريق لردع أي حراك ثوري سواء من رافضي الانقلاب أوحتى التيارات السياسية والشبابية التي تهاجمه، حيث تعددت مؤخرًا الوقائع التي يشتبه أن تكون تصفية جسدية لمعارضي النظام، مع ارتفاع نسب الاختفاء المفاجئ لبعض الناشطين، والتي بلغت أكثر من 163 حالة اختفاء خلال شهرين فقط، والتي لا تكون مرجعيتها إلى الحبس في كل الأحيان.
وهكذا تنتشر ميليشيات النظام الانقلابي لتحصد أرواح معارضيه، وتصبح التصفية الجسدية هي شعار المرحلة السياسية الجديدة.
الكارثة الخامسة: انهيار الاقتصاد المصري
الكارثة الخامسة وليست الأخيرة لعهد السيسي، هي على الصعيد الاقتصادي؛ وتلك الكارثة يمكن تلخيصها في مجموعة من النقاط لتشعبها، ولتكونها من مجموعة من الكوارث فيما يلي:
* بلغ الدين الخارجي المصري رقمًا قياسيًا غير مسبوق 46 مليار دولار، والمعروف أن المعدل الآمن للدين لا يتجاوز 60% من الناتج المحلي، بينما تشير الأبحاث إلى أنه سوف يتجاوز 100% بنهاية يونيو المقبل، وعلى مدار 18 شهرًا فإن حكم السيسي يستسهل أخذ القروض من الخارج أو من الداخل (سندات)، وهو ما يؤدي إلى زيادة خدمة الدين وعدم توفر أي سيولة للإنفاق العام أو لإقراض المستثمرين، بينما تتسع دائرة الفقر للمواطن وترتفع الأسعار.
* الارتفاع الخيالي في الأسعار الذي تصل نسبته إلى 50% زيادة على السلع والمنتجات، طبعًا دون أي زيادة طردية في المرتبات، بل على العكس تصحبه محاولات حكومية مستميتة ودراسات جادة لخفض الكثير من الرواتب والمعاشات، في حين تمتع مبارك برصيد بنكي من أموال الدولة السابقة، تكفي فوائده “وحدها” لرفع مستوى الحد الأدنى للرواتب لكافة شعب مصر.
* انهيار السياحة في مصر واتجاهها إلى مصير مجهول نتيجة الوضع السياسي المتأزم للدولة؛ وخاصة بعد تكرار حوادث التحطم التي كان آخرها تحطم الطائرة الروسية، مما أدى إلى إعلان الخطوط الفرنسية والألمانية بالتوقف عن المرور فوق سيناء، والذي صاحبه قرار أحدث للقوات الألمانية والبريطانية بوقف الرحلات الجوية عمومًا من وإلى مصر حاليًا، وهكذا تفقد السياحة في مصر ثلاث من أهم الجنسيات الوافدة لها، مما يعني أزمة هائلة جديدة للسياحة والاقتصاد في مصر.
* أزمة تفريعة قناة السويس الجديدة، والتي تسببت في حالة من الغلاء وأزمة للدولار داخل مصر، أمام صدمة الشعب، حيث يفشل لأول مرة مشروع قومي كبير بهذا الشكل في تحقيق نتائجًا إيجابية، وكأن هناك “خللًا” عامًا يشمل كل شيء في نظام الدولة الحديث.
الكارثة السادسة:القتل بالإهمال في سجون مصر
ارتفعت نسبة الوفيات في السجون المصرية في الفترة الأخيرة نتيجة سوء أوضاع الاحتجاز وتجاهل النظام – المتعمد – لتطبيق المعايير الدولية للرعاية الصحية في السجون، حيث بلغت حالات الوفاة أكثر من 124 حالة منذ بداية 2014، واستمر الارتفاع في أعداد القتلى بداخل أماكن الاحتجاز إلى 135 حالة، أغلبها بسبب سوء الاحتجاز والتعذيب ونقص الرعاية، وهي وسيلة القتل البطيء التي أصبحت تستخدمها السلطة للتخلص من عبء المواطنين غير المرغوب فيهم داخل السجون.
الكارثة السابعة: رجل مصر الذي يساند الاحتلال
لأول مرة في تاريخ مصر السياسي، تساند مصر كيان الاحتلال الإسرائيلي بالتصويت لصالحه في الأمم المتحدة، ليحصل على عضوية كاملة في لجنة الاستخدامات السلمية للفضاء الخارجي، بينما تندلع في الوقت ذاته الانتفاضة الثالثة للقدس، وتسود الشعب المصري حالة غليان من جرّاء تصرف الرئيس المخزي، وهو ما يُفسر عالميًا كاعتراف صريح من النظام بدعم الاحتلال في وجه الشعب الفلسطيني.
الكارثة الثامنة: يحدث فقط في عصر السيسي
حالة “النحس” المريبة التي أصابت مصر من خلال سلسلة متوالية من الحوادث والكوارث التي أذهلت المصريين، حيث شهدت الدولة منذ فوز السيسي بانتخابات الرئاسة كوارث عدة؛ لم يكن أولها حادث سقوط الطائرة الروسية فوق سيناء، حيث سبقه حوادث أخرى بدءًا من حادث تفحم طلاب البحيرة فور إعلان فوز الرئيس بتولي الحكم عام 2014، والتي أدت إلى تفحم 18 طالبًا بأوتوبيس المدرسة، مرورًا على حادثة إطلاق طائرة أباتشي مصرية للنار على فوج مكسيكي – بطريق الخطأ – أسفر عن وفاة 12 شخصًا بصحراء مصر الغربية، وحادث غرق الفوسفات في نهر النيل بأبريل الماضي مهددًا الصحة العامة، وفي الشهر نفسه تعرض المتحف الروماني بالإسكندرية لسرقة 60 قطعة أثرية من مخزنه بسهولة غريبة، ثم كارثة غرق مركب الوراق بالجيزة والتي أدت إلى مصرع 38 مصريًا على متنه بعد تأخر عمليات الإنقاذ الحكومية.
وتنضم إلى سلسلة الكوارث الحديثة ظاهرة الغرق التي تجتاح مدن مصر؛ حيث بدأت بغرق الإسكندرية المأساوي، والمتبوع بغرق 3 محافظات مصرية أخرى، ولا زالت القائمة مفتوحة ولم تُوضع فيها نقطة آخر السطر بعد.
وتجد نفسك بصراحة لا تستطيع منع نفسك من التساؤل – أمام كل هذا – عما إذا كان الفريق السيسي هو رجل “منحوس” وجلب لنا معه النحس والخراب؟! أم أن كل هذه الوقائع هي مجرد مصادفات أو مغالطات قدرية، وأي ارتباط درامي بينها وبين فترة حكم الفريق هو عن طريق الصدفة!
ولكن على الرغم من كل ذلك، من أجل الإنصاف وكي لا نكون مصابين بالجحود الوطني تجاه النظام “الأم” الحاضن لنا، يمكننا بالطبع التغاضي عن كل ما سبق من مآسي ووقائع صادمة، ونحن مستعدون للتضحية بأي شيء، بما في ذلك معيشتنا وأمننا واستقرارنا، طالما ندرك جيدًا أننا “نور عينين الفريق عبد الفتاح السيسي” كرم الله عهده، وهذا بالطبع يكفي ليبقينا على قيد الحياة، وليكفل لنا حياة كريمة متوازنة!
“هذا المقال من وحي خيال المؤلفة، وغير سياسي، وغير حقيقي، وغير محايد، وأي تشابه بينه وبين الواقع المر الذي نعيشه فإنه من محض الصدفة”.